بغض النظر عن تهمة خيانة الثورة، وبعيداً عن قبلات الظلام بين المجلس العسكري والإخوان، تكمن مشكلة الإخوان المسلمين، في أن الجماعة غشيمة سياسياً، تنجح بامتياز في خسارة المؤيدين، وتنفير المتأرجحين المترددين، بين المعارضة والتأييد، وتنجح بامتياز أيضاً، في إغضاب معارضيها أكثر، وجعلهم أشد خصومةً وعداوة. والغشيم مفردة عربية فصيحة فيقال: غشم الرجل، أي احتطب ليلاً، فلم يعرف كم ما جمعه من أحطاب، فأخذ يقتطع منها فوق حاجته دون تفكير، وغشم يغشم غشامةً فهو غشيم، والمفعول به مغشوم، وكلها من باب الجور على الغير وظلمه، ومنها العدوان الغاشم والحرب الغاشمة. في العامية المصرية، الغشيم أقرب معنىً إلى الأحمق الذي يقترف أخطاءً، من دون أن يشعر، وعادةً ينتهي أمره، إلى تكبد خسائر فادحة.. فالغشم بضم الغين، مضاد الحكمة والقدرة على التفكير المتعقل، ومن ثم الفعل الناضج الرصين، والغشيم ليس يعرف إمكانياته جيداً، فيتهور، فإذا به بعد أن يسبق السيف العزل، يكتشف أنه جنى على نفسه جناية كبرى، وسقط ولا أحد "سمّى عليه". هذه الأيام، وصل الإخوان إلى ذروة الغشومية، والراجح أنهم يحثون خطاهم إلى معارك خاسرة، خسارة حتمية، ذلك أن لا عاقلاً يتوهم بأن ثورة الغضب المشتعلة الآن في الميادين، ستنطفئ من دون أن تحقق أهدافها، بمجرد طرح الدستور للاستفتاء، في حين أن هذا الدستور ذاته، من عوامل الاشتعال. ولعله من الغشومية الأقرب إلى البلاهة السياسية، أن يصر الإخوان على أن يرغموا الغاضبين من الإعلان الدستوري، أو بالأحرى الديكتاتوري، إما على التصويت بنعم على مسودة الدستور، فينتهي الإعلان الديكتاتوري، أو التصويت بلا فيستمر العمل بالإعلان، إلى أن يشاء الله.. فثمة خيار ثالث، ومطلب لا هو هذا ولا هو ذاك، ويتمثل في إسقاط الدستور والإعلان معاً، وحل اللجنة التأسيسية، ثم إعادة تشكيلها على قواعد المواءمة والتجانس والتوافق الوطني.. وهذا هو الحد الأدنى لما تطمح إليه الميادين، والظاهر بعد لقاء الرئيس التلفزيوني، أن هذا لن يتحقق، فالغشومية سيدة الموقف، والرجل لا يشعر بما يحدث على مقربة من قصره، وقد راوغ ثم راوغ، ولم يجب إجابة واحدة تعالج سؤالاً، ولم يكشف عن موقف واضح إزاء أي شيء، كما بدا رومانسياً حالماً، أو بالأحرى غائبا منفصلاً عن الواقع، وهو يخاطب الشعب قائلاً: نحب بعضنا، ونحضن بعضنا، وما إلى ذلك من عبارات على شاكلة: عش العصفور يكفينا، وافتحي يا وردة واقفلي يا وردة! تصرف سياسي غشيم آخر يقترفه الإخوان، إذ دعا رئيس الجمهورية، من وصفهم برفقاء الميدان –لا أعرف ما إذا كانوا صدقوه وإذا كان هو شخصياً يصدق هذا التوصيف- إلى حوار وطني، وذلك في غمرة الغضب من الإعلان الدستوري، معتقداً بأن المعارضة ستفرح بهذه الجزرة، وستهرع إلى قضمها كالخرفان الجائعة، كما كان أعضاء جماعته يفعلون، أيام الحظر، بمجرد أن يومئ إليهم، أحد ضباط أمن دولة المخلوع، بأصبعه الصغير، والغريب الصادم في دعوة الحوار، أنها تتزامن مع تصريح الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم الرئاسة، بأن لا مساساً بالإعلان الدستوري، فقد قضي الأمر، وإن الرئيس إذا أمر لا تسألن عن السبب، والحق أبلج والباطل لجلج، فعلامّ إذن يتحاور المتحاورون؟! ولا تنتهي الغشومية الإخوانية عند هذا الحد، فقد أمعنت صلفاً وفجاجة وصفاقة، بعد امتزاجها بنبرة استعلاء وفوقية، لم يتحدث بها الحزب الوطني المنحل نفسه، في أوج قوته، ولما كانت كل مؤسسات الدولة، من شرطة وجيش ومخابرات في قبضته، عكس الحال بالنسبة للإخوان، فإذا بصبحي صالح، الصول الذي أصبح قيادياً بالجماعة، يقول في لهجة استقواء وسخرية: المنسحبون من التأسيسية أحرار، وربنا يجمع شملهم في الحلال، والرئيس حر وليس عليه أن يستشير القوى السياسية، ولا أن يستفتي مستشاريه، قبل أن يصدر الإعلان الدستوري.. فهو رئيس منتخب. وتحت ذريعة من هذه العبارة، عبارة: رئيس منتخب، تمارس الجماعة الغشومية، وتتخيل أن انتخاب الرئيس "الناجح على الحروكروك" كالبيعة في الجماعة، وعلى المعارضين أن يخفضوا لطويل العمر يطول عمره، جناح الذل من الرحمة، ولا يقولوا له أفٌ.. وهكذا يعلن قياديوها، أن هتافات الذين ضجروا بغشوميتهم "الشعب يريد إسقاط النظام"، قد كفروا بالديمقراطية.. الديمقراطية على الطريقة الإخوانية الغشيمة! [email protected] Comment *