أرهقني تحليل مضمون حوار الرئيس للتلفزيون، وتعبت بلا نتيجة في البحث عن معلومة مفيدة، أو جملة متكاملة الأركان، أخرج بها من كلماته.. وعبثاً نقبت عن شيء يشفي غليلي، أنا المواطن الفقير إلى الله تعالى، الطامح في أن يعرف إلى أين تتجه البوصلة في وطنه؟ أعدت مشاهدة الحوار، وتابعت برامج سياسية، وصحفاً مصرية وعربية، وقليلاً من الأجنبية، عسى أن يهديني المولى، وهو على كل شيء قدير، إلى أحد المعلقين والمفكرين السياسيين الجهابذة، فيميط اللثام، ويحل اللجام، فتهدأ العقول، وتسكن الأفهام، لكني لم أقع على شيء ذي أهمية، فمعظم المقالات جاءت "خفيفة الظل" تثير الضحك، ولا تشفي للعقول غليلاً. تمنيت لو أن الحق أبلج والباطل لجلج، لكن الضباب زاد فتخبط العباد، وطاف الضياع بكل البلاد.. فقررت أن أسير مع القائلين بأن الرئيس أعطى الشعب كلاماً معسولا، بأنه سيدحر الفلولا، ودعاهم إلى أن يحبوا بعضهم بعضاً، وأن يعطي كل مصري لجاره حضناً! ندخل في الجد.. لم يقل الرئيس بالفعل شيئاً، باستثناء أن علينا أن نحضن بعضاً، ونحب بعضاً، حتى نخرج جميعاً من عنق الزجاجة، فهل هذا كلام سطحي غير موزون؟ الواقع إن الرئيس لم يفسر الماء بعد الجهد بالماء، كما يرى الذين أخذوا خطابه بغير تمعن، فالرجل فيما يبدو عبقري، وقد قال بكلمات بسيطة، أفكاراً عميقة، لكنها على بساطتها، تحتاج إلى بعض التأمل، حتى نتفهم مغزاها كما يليق بها.. نحب ونحضن. عزيزي القارئ، إن شعرت عند هذه الجملة، برغبتك في كأس من الليمون، وموسيقى كلاسيكية، فتوقف بعض الشيء، ولا تترك المقال، إذ أن القادم منه، أكثر أهمية، ويكفيك كمية الليمون التي عصرتها، لجعل ما ليس يستساغ مقبولاً.. ما علينا. إن فكرة الحب والحضن بمعناه المعنوي لا المادي، حتى لا يفسر الكفرة الذين في التحرير الأمر على هواهم، هي الحل الوحيد حقاً لأن نخرج من عنق الزجاجة، سالمين آمنين، ولكي ننتشل مصر من كهف الفقر والجوع والمرض، الذي سجنها المخلوع فيه. إن أحب المصري أخاه المصري، سنشمر جميعاً عن سواعدنا فنبني، وأن احتضنا بعضنا، سنقضي على آفات الرشوة والمحسوبية والفساد الإداري، وسنجد وسائل للتنمية، وأفكارا للاستثمار، وسينهض البحث العلمي، الذي أصبح يعتمد على فرق العمل، في الدول المؤمنة، بأن الاختلاف نعمة، ووسيلة لتلاقح الأفكار، لا تصارعها، وخطوة نحو تكامل العمل، لا تفتيت الجهود. كلام جميل، لا يرفضه إلا مجنون، لكن.. هل يحبنا الرئيس؟ وهل يرانا بالفعل أهله وعشيرته؟ وهل شعر بذلك حقاً يوم أخذ يردد في خطابه الأول، أسماء المحافظات، مثل المنادي في موقف رمسيس، وأنواع الفئات المهنية والحرفية، من أساتذة الجامعات، حتى سائقي التوك توك؟ ما رأيناه حتى الآن، يدفعنا إلى الظن، وبعض الظن إثم، بأن الرئيس لا يحبنا، فالرجل مشغول بحب جماعته حباً يأخذ عليه نفسه، ويخطف قلبه. البلد وشعبها عند الرئيس، مثل الزيجة الثانية، التي دفعت نزوة عارضة إليها، وبعدها شعر الرجل بأنه أخطأ، فقرر أن يهملها، ويعود إلى أحضان الجماعة.. الجماعة عشرة العمر الطويلة، فهي الحب الأول والأخير. المحافظات واللجنة التأسيسية ومجلس الشورى والمناصب القيادية بهيئات القضاء ورئاسة الجامعات والمجالس المحلية والمناطق التعليمية.. حتى مراسيم العفو عن المساجين، كلها عطايا للجماعة حتى ترضى، أما علاج مصابي الثورة، وهذه ليس ميزة يحظون بها، فالأمر يتطلب لجانا، تنبثق منها لجان، وتستعين بخبراء، ومستشارين قانونين، لبحث هل هذا المصاب ثائر أم بلطجي؟ فإن كان ثائراً فمرحى، وإن كان بلطجياً فإلى الجحيم. يا سيدي.. عالجهم باعتبارهم بشراً، ثم ابحث في الأمر كما تبتغي، إن المحكوم عليه بالإعدام، لو شعر بألم في ضرسه، فمن حقه الذهاب للطبيب.. لا حياة لمن تنادي. إلى محمد محمود، يرسل الغاز المسيل للدموع، وإلى مظاهرات حديقة حيوانات الجيزة، يرسل مياهاً معدنية.. ويا حلاوة يا حلاوة! لماذا هذا الميل كل الميل إلى الجماعة، وعدم النظر خارجها، فهل هذا زواج كاثوليكي على طريقة إخوانية؟ وإن كان الأمر كذلك، والقلب مشغول، لا مكان فيه لغير الجماعة، فلماذا التعدد؟ وقد كان يكفيك أن تكون مرشداً عاماً لجماعتك، وهكذا نضمن لها الانشغال بطائر النهضة، والله أكبر ولله الحمد. للأسف.. إنه شعوري وأتمنى أن يكون يخدعني، الرئيس لا يحبنا، أو يحبنا لكننا لا نشعر، ولربما لأنه شديد قاسٍ، لا يريد أن يُظهر لنا حبه.. هذا أقرب إلى المنطق. الرئيس يحبنا، لكنه قاس.. فلماذا هذه القسوة.. يا مرسي يا قاسي! إياكم وإياكن من إطلاق ضحكة رقيعة؟! [email protected] Comment *