بالرغم من أن شهادتي الجامعية الأولي، هي بكالوريوس التجارة، تخصص محاسبة، وبعد عملي لسنوات طويلة في حسابات شركة بترول عالمية، فإنني لم أستطع أن أستوعب حجم ما يحدث من فساد في موارد مصر وميزانيتها! وسأحاول أن أيسر عليك الأمر يا صديقي القارئ، فميزانية مصر عام 2008-2009م. كما يلي: - مجموعة الإيرادات حوالي 285 مليار جنيه. مجموع المصروفات حوالي 375 مليار جنيه. وبالتالي العجز في الموازنة حوالي 90 مليار جنيه. أظن الأمر حتي الآن مفهوما، لكن غير المفهوم هو الآتي: - وجود مبلغ حوالي 1272 مليار جنيه غير مدرج ضمن الميزانية! نعم. ألف ومائتان واثنان وسبعون مليار جنيه! هذا المبلغ الضخم لا يوجد في الميزانية التي يناقشها، ويراقبها مجلس الشعب! فأين يوجد إذن هذا المبلغ المهول؟! إنه يوجد في الصناديق! أي صناديق هذه؟! لهذه الصناديق حكاية، ففي فترة حكم الرئيس مبارك تم اختراع هذه الصناديق الجهنمية، والتي تنشأ بقرارات من رئيس الجمهورية، وهي أوعية مالية خاصة، يحق لها أن تفرض علي المواطنين أنواعا مختلفة من الرسوم والدمغات والغرامات والأتاوات وغيرها! وهذه الأموال المحصلة من المواطنين لا تدخل إلي خزانة الدولة! وإنما توضع في هذه الصناديق، ويتم الصرف منها بلا رقابة ولا مساءلة! فكل وزير، أو رئيس هيئة، أو مسئول عن صندوق، توجد تحت يده هذه الأموال، لكي يتصرف فيها طبقا لما خصصت له، أو كما يحلو له! فكم عدد هذه الصناديق الآن؟! الإجابة: لا يوجد حصر كامل ومعلن بعددها، ومن المرجح أن عددها يتجاوز عشرة آلاف صندوق!! ولأنها ليست ضمن ميزانية الدولة، فالبرلمان لا يعلم عنها شيئا، وبالتالي لا يحاسبها، ولا يراقبها! فهل الجهاز المركزي للمحاسبات يراقب أعمال هذه الصناديق؟ الإجابة: إن الجهاز لا يملك حصرا كاملا لها، وبالتالي لم يفحصها جميعا، أما ما وقع منها تحت نظر جهاز المحاسبات، فيظهر فسادًا هائلاً، وسرقات تُقدر بمليارات الجنيهات! هذه الأموال الهائلة إذا أحسن استثمارها سيتغير وجه مصر العليل، وتحل الكثير من مشاكل البلد. فمن المسئول عن خلق هذه الأوضاع المالية المقلوبة، والتي تسمح للمسئولين بالتصرف في أموال الشعب بلا رقابة ولا محاسبة؟ إنه نظام مبارك لدعم الفساد والإفساد، والذي أوصلنا إلي أن أصبحت مؤسسة الفساد هي أقوي مؤسسات الحكم في مصر.