رغم محاولتي في كتابي «جرائم أمريكا في العراق» أن أرصد بعض الجرائم الكبري التي ارتكبتها القوات الأمريكية بعد احتلالها العراق في شهر مارس من عام 2003 فإن حجم هذه الجرائم وتنوعها وشناعتها أكبر من أن تحصي أو تعد، وفي كل يوم يمكن اكتشاف عشرات الجرائم الجديدة التي طمست بفعل الأمريكيين أنفسهم، فالشرائط التي سربت ونشرت قبل أيام عن قيام طائرات أمريكية بقتل المدنيين العراقيين بدم بارد تكشف الثقافة التي يربي عليها الأمريكان وهي ثقافة القتل، وأن البشر ربما لم يخلقوا إلا لكي يصوب عليهم الأمريكان بأسلحتهم وطائراتهم حتي يقتلوهم بدم بارد ويحرموهم حق الحياة التي وهبها الله لهم، ولو رجعنا بالذاكرة إلي بعض الحوادث التي احتلت حيزاً في وسائل الإعلام لبعض الوقت عن بعض الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق نجد أن ما بثته قبل أيام ليست سوي حلقة في سلسلة طويلة من جرائم القتل العادية بالنسبة للقوات الأمريكية، ففي 27 مايو من عام 2006 نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية قصة الطفلة إيمان حسين التي لم يكن يزيد عمرها آنذاك علي عشر سنوات وكيف قتل الجنود الأمريكيون عائلتها أمام عينيها في 19 أبريل من عام 2005؟ حيث روت الطفلة بالتفصيل كيف قتل الجنود الأمريكيون عائلتها بعدما اقتحموا المنزل ولم ينج سواها وأخوها عبد الرحمن بعدما نجحا في الاختفاء ومما روته الطفلة في قصتها المؤلمة التي ربما نسيها الناس : «كنا خائفين للغاية ولم نستطع أن نتحرك لمدة ساعتين وحاولنا الاختباء تحت الوسادة وأصابتني بشظايا في ساقي، لم يمت أفراد أسرتي علي الفور فقد سمعناهم وهم يتأوهون لفترة طويلة وقالت إيمان في نهاية القصة المؤلمة والمثيرة «إنني أكرههم فقد جاءوا ليقتلونا ثم بعد ذلك يقولون آسفين». ونقلت رويترز في تقرير آخر عن الشرطة العراقية أن مسلحين اقتادوا عريسا هو خضير التميمي «26 عاماً» من بين المدعوين في حفل زفافه الذي كان يقيمه في مدينة المقدادية التي تقع علي بعد 90 كيلو متراً شمال بغداد هو ووالده وعمه وابن عمه وضيف من المدعوين يوم الخميس 25 مايو 2006 ثم عثر يوم الجمعة26 مايو علي جثثهم جميعا مقطوعة الرءوس وملقاة في أرض زراعية شمالي البلدة. وفي 5 أغسطس من عام 2007 قضت محكمة أمريكية بالسجن لمدة 110 أعوام بحق جندي أمريكي بعد إدانته بالاشتراك في اغتصاب فتاة عراقية تبلغ من العمر 14 عاما ومن ثم قتلها وجميع أفراد عائلتها. وكان الجندي سبيلمان قد قام باغتصاب الفتاة العراقية «عبير الجنابي» مع زملاء آخرين له ثم قاموا بقتلها بطريقة بشعة مع والديها وأخيها الأصغر. وفي يوم الخميس 12 يوليو من عام 2006 نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية لقاءات مع أكثر من خمسين من الجنود الأمريكيين في العراق تحدثوا فيها عن الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في العراق خلال خدمتهم فيه. وهذا الأمر يعتبر ضربة للصورة التي تحاول الإدارة الأمريكية رسمها للجنود الأمريكيين. ونقلت الصحيفة بالتفصيل شهادات هؤلاء الجنود عما تقوم به القوات الأمريكية في العراق من عمليات قتل دون مبرر، ولجوء الجنود إلي وضع أسلحة إلي جانب جثث العراقيين لكي يبدو أنهم من المسلحين، وما يقوم به الجنود أثناء حملات الدهم الليلية، إذ يبدو البيت بعد المداهمة كما لو أن إعصارا ضربه حسب قول إحدي المجندات السابقات. وفي شهر أكتوبر من عام 2005 أصدر الجندي الأمريكي جيسي مايسي في باريس كتابه «أقتل.. أقتل.. أقتل.. جرائم الحرب في العراق» روي فيه عشرات الجرائم التي أمر هو وزملاؤه بارتكابها في العراق ضد المدنيين، ولم يجد في الولاياتالمتحدة أيا من دور النشر تقبل نشر الكتاب فقام بنشره في باريس وقال مايسي في مؤتمر صحفي عقد في باريس للترويج للكتاب أردت أن ألفت أنظار العالم كله إلي فظاعة الجرائم المرتكبة ضد الشعب العراقي، أردت أن أتصالح مع نفسي فقد بقيت في العراق منذ بداية الحرب عام 2003.. ذهبت إلي العراق بإحساس جندي ذاهب للقيام بواجب مساعدة العراقيين، لكنني اكتشفت بشاعة الحرب حين رأيت بأم عيني طريقة القتل ضد الأبرياء، وأننا هناك في العراق للدفاع عن البترول .. يقول مايسي في أحد فصول الكتاب وهو يتحدث عن العقلية الأمريكية القائمة علي القتل : «مهمتي كانت دخول بعض المناطق في المدن وتأمين الطرقات، كانت هناك أحداث كثيرة، ولكن كان هناك حادث واحد دفعني في الحقيقة إلي النقيض : شاهدنا سيارات عراقية تقل المدنيين، حسب التقارير الاستخباراتية التي تسلمناها، كانت السيارات مليئة بالقنابل والانتحاريين، كانت السيارات قادمة باتجاه حاجزنا، قمنا بإطلاق طلقات تحذيرية، لكن لم تبطئ من سرعتها، وعندئذ قمنا بإطلاق النار علي السيارات وإشعالها وقتل من فيها، أحد الأشخاص جاء نحوي وهو يصرخ لماذا قتلت أخي؟ نحن مدنيون ولم نفعل أي شيء وليس معنا شيء، شعرت وكأن طنا من الحجارة قد سقط فوق رأسي.. بعد ذلك فقط تبين لي أن ما حدث لم يكن سوي يوم عادي نمطي حيث كنا كل يوم نواصل قتل المدنيين ونلقي بجثثهم في المستنقعات ثم نواصل سيرنا كالمعتاد». مايسي وصف في كتابه وفي مقابلته مع مجلة «لومانيتة» الفرنسية أن ما قام به الأمريكيون في العراق لم يكن سوي جرائم حرب وقال : «إنه التعبير الذي يجب استعماله، هي جرائم حرب، لقد تلقينا تقريرا وصل من الاستخبارات العسكرية يقول : إن كل العراقيين إرهابيون، حين اطلعنا علي ذلك التقرير، صار العديد منا في حالة عصبية وتوتر، فصاروا يطلقون النار علي كل من يتحرك، إنها جرائم حرب، لأن الذين قتلناهم لم يكن أحد منهم يحمل السلاح، كان بعضهم من الشيوخ والأطفال والنساء والمرضي والعاجزين عن الحركة، لقد كانت إبادات جماعية حقيقية مروعة ضدهم..» وأكد مايسي أن الجنود الأمريكيين كانوا يستمتعون وهم يقومون بعمليات القتل بل كانوا يطلقون النكات الجنسية وهم يمارسون القتل ويضحكون. لقد أوردت بعض هذه الجرائم وهناك الآلاف غيرها لأذكر الذين صدموا بما تم بثه في نشرات الأخبار خلال الأيام الماضية حول قيام القوات الأمريكية بقتل مدنيين عراقيين ليس سوي حلقة في سلسلة طويلة من جرائم القتل والتصفية للمدنيين وأنها ليست حوادث غير مقصودة ولكنها جزء من ثقافة القتل التي يتعاملون بها مع الشعب العراقي منذ احتلال العراق وهي نفسها التي تعاملوا معها مع الشعوب التي احتلوها أو حاربوها طوال العقود الماضية كما أن إعلان الجيش الأمريكي أنه لن يحقق في الأمر يؤكد أنهم لا يحققون في هذه الجرائم لأن كل ما يقومون به يدخل كما اعترف بعض جنودهم بأنه جزء من ثقافة القتل وجرائم الحرب. إن الأمريكيين يدركون أن ذاكرتنا قصيرة وأننا عاطفيون وسرعان ما ننسي، وإلا كيف تناسينا ما يقوم به الأمريكيون في العراق منذ مارس من عام 2003 وحتي الآن ولماذا لا نقوم بتوثيق كل الجرائم ونربط الجرائم ببعضها ونطالب بمحاكمة هؤلاء المجرمين؟