هل قررت لجنة السياسات أن تعتلي المنبر وتلقي علينا خطبة الجمعة رغم الإعلانات التي لا تتوقف عن فرص العمل فإن رحلات الموت في البحر لا تتوقف سكينة فؤاد صحف عالمية وفي مقدمتها صحف أمريكية «واشنطن بوست» و«فورين بوليسي» تكتب أن ما أحدثته جماعات العمل الوطني في مصر والجمعية الوطنية للتغيير من إحياء للحياة السياسية وللمد والمشاركات الشعبية دليل حياة وإرادة ووعي لم يستطع قانون الطوارئ وإرهاب واستبداد الثروة والسلطة أن يقضي عليهم، بينما بعض الأقلام المصرية تصف المشهد بالتسول السياسي والقرصنة وهدم للاستقرار والنجاحات التي ليس لها مثيل في تاريخ مصر.. قياس فاضح للفارق بين الصحافة في الدول التي تحترم الحريات وكرامة الإنسان وحقوقه وصحافة ترعي في حظائر الاستبداد والفساد.. الخطيئة الأكبر الخلط بين السلطة والدين الذي تجدد يوم الجمعة الماضي، أثناء زيارة د. البرادعي للمنصورة وما لاقاه من استقبال شعبي رغم خطط الترهيب وزراعة الخوف التي مارسها النظام عشرات السنين، وفيما نشر عن وقائع ما حدث في الزيارة لفتني ما حكاه أحد عمال المساجد من استدعاء الأئمة قبل الزيارة إلي مقر أمن الدولة وإملاء خطبة الجمعة عليهم وهو ما يؤكده أن إمام المسجد الذي أدي فيه د. البرادعي وصحبته ومؤيدوه الصلاة ظل الإمام في الخطبة التي استمرت حوالي عشرين دقيقة يردد ضرورة طاعة ولي الأمر ويردد الآية الكريمة التي تربط هذه الطاعة بطاعة الخالق عز وجل وأن محبة ولي الأمر واجبة لأنها من محبة الله، اعتقد البعض أن الترديد تجاوز عشرات المرات، مما جعل البعض يغادر المسجد قبل إتمام الصلاة، فيما ثار آخرون واتهموا الإمام بالنفاق، وفق ما نشرته «الدستور» و«الشروق» 3/3. السؤال الأول الذي يفرضه المشهد هل قررت لجنة السياسات أن تعتلي وتلقي خطبة الجمعة وتمد هيمنة حلف السلطة والثروة إلي الدين وتتلاعب به بشكل أسوأ مما هو حادث بالفعل؟!! وهل من أملوا علي أئمة المساجد خطبة الجمعة يعرفون شروط الحاكم وولي الأمر الذي أمر الله بطاعته؟ وهل ابتداء تنطبق صفة ولي الأمر علي من زوروا إرادة الشعب، خاصة إذا كان هذا التزوير موثقاً باعترافاتهم وبأحكام قضائية؟ وهل يأمر الله بطاعة حكام يعيشون في رفاهية ومنتجعات فاخرة لا يأكلون مما يأكل الشعب ولا يشربون مما يشرب ولا يعالجون في المستشفيات التي يطلق عليها مسئولوهم مقالب زبالة؟ وهل أمر الله بطاعة ولي أمر سكت وارتضي أن يأكل شعبه طعاماً مروياً بالمجاري ويشرب مياهاً مخلوطة بها ولا يتنفس مثل سائر البشر هواء ولكن هباباً أسود؟ وهل يغفر الله لحاكم يضع أمن شعبه تحت مقصلة الديون والقروض ويغمض العين عن حكومة وجهاز تنفيذي يعجز عن تحقيق أمان التنمية الصناعية والزراعية والاعتماد علي الذات ويتركه عالة علي ما تنتجه الشعوب الأخري، وتحت رحمة المجاعات التي حذرت منها منظمة الغذاء العالمية عشرات المرات ووضعت مصر علي رأس الدول التي ستدفع أعلي ثمن للتغيرات المناخية والأزمات الغذائية باعتبارها في مقدمة أعلي الدول استيراداً لحاجات الشعب، ويترك حوالي 15 مليون مواطن يعيشون تحت خطوط الآدمية والإنسانية في العشوائيات، ومنهم سكان شقوق ومنحدرات المقطم الذين مازالوا في أماكنهم منذ وقعت واحدة من أكبر صخوره عليهم، بينما تتحول المقابر أيضاً إلي أحياء سكنية؟ وهل يأمر الله بطاعة حاكم ارتضي أن يعيش نصف الشعب بنسبة 48% من سكان مصر في مطلع القرن الحادي والعشرين ليس لديهم صرف صحي أو مياه نقية تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يحدد عددهم ب34 مليون مواطن وهل يأمر الله بطاعة حاكم سمح بأن تنهش البطالة ملايين الشباب، ورغم الإعلانات التي لا تتوقف عن مئات الآلاف من فرص العمل، فالهجرات الجماعية السرية ورحلات الموت لهذا الشباب لا تتوقف بحثاً عن فرصة عمل؟!. ملحوظة: بمناسبة الحديث اليومي عن مئات الآلاف من فرص العمل التي يوفرها البرنامج الانتخابي للرئيس، هل يملك واحد من المسئولين شجاعة الاعتراف بنوعيات هذه الفرص؟ وهل يقبل أن يعمل بها أبناء ولي الأمر وأبناء المسئولين الذين لا يقبلون بأقل من وطن يلعبون به؟!! الشاب الذي حمل صناديق المياه المعدنية لصديقته التي أمرها طبيبها بالتوقف عن شرب المياه العادية، اتضح أن الشاب خريج جامعة عين شمس قسم كمبيوتر وحاسبات آلية انتهت به الشهادة الجامعية إلي أن يقوم بمهنة إيصال مشتريات الزبائن ولا أقلل من قيمة أي عمل ولكن هل هذه آفاق التقدم والأمل والتطور المتاحة أمام أبنائنا الآن؟! هل يأمر الله بطاعة حاكم يسمح بانهيار أعمدة الاقتصاد الزراعي التي كانت تمثلها زراعة القطن والقمح والمحاصيل الاستراتيجية ويصل السقوط بالوزير المسئول إلي إعلان أن استيراد القطن الإسرائيلي أفضل وأن القطن المصري طويل التيلة أصبح موضة قديمة مثل الطربوش، بينما تغرق البلاد صفقات القمح الفاسد والمسرطن والمليء بالسوس والحشرات ومن بلاد تنتج أصنافاً من القمح لا تصلح إلا غذاء للحيوان!! وبدلاً من تشجيع الفلاحين علي زراعة القمح أدي انهيار أسعار الشراء منه إلي استبدال زراعة القمح بزراعة الكنتالوب والبرسيم واللب والخس ويتسابق الفلاحون الآن علي بيع أراضيهم الزراعية بالمتر للبناء فوقها ويقترب حدوث الكارثة التي حذر منها د. جمال حمدان أن تتآكل الأراضي الزراعية بفعل التلوث والبناء وتصبح مصر مقبرة بحجم وطن!! تكتمل المصيبة بتحول الشبكة العبقرية، للترع والمصارف التي أنشأها محمد علي إلي مقالب زبالة فيضطر الفلاح إلي الاعتماد علي حفر الآبار الارتوازية التي تزيد ملوحة الأرض، فيضطر إلي مضاعفة الأسمدة والمخصبات المسرطنة.. وهل يأمر الله بطاعة حاكم ترك القلاع الصناعية العظيمة التي أنشأها رائد النهضة الصناعية الحديثة طلعت حرب، واستكملتها الثروة بقيادة المهندس عزيز صدقي بأي قلب وبأي ضمير سمحوا بانهيار وتبديد وبيع هذه الصناعات وحولوا آلات الإنتاج الضخمة إلي خردة وسمحوا لمن اشتروا المصانع بتفكيكها وبيع أراضيها وتحويل أراضيها إلي منتجعات فاخرة أو فاجرة بينما تحال قوة مصر الهائلة من العمال الذين قامت علي أكتافهم هذه الصناعات إلي المعاش المبكر والاستيداع؟.. كيف يفسرون التناقض المخزي بين ترك صناعات الغزل والنسيج والكتان والزيوت والورق والصابون والكبريت تنهار ثم لا يكفون عن ادعاء إنشاء آلاف المطابع الجديدة؟ هل كان هناك ثأر بينهم وبين حق الشعب في امتلاك صروح ونهضة زراعية وصناعية وإنتاجية يقوي بها، بينما يبيحون احتكار الثروة لأوليائهم من الأغنياء الجدد من أقطاب لجنة السياسات؟ ما حدث في مصنع حلوان للحديد والصلب وحديد الدخيلة اللذين أصبحا حديد عز نموذج للمأساة واسألوا خبير صناعة الصلب المحترم د. عزت معروف الذي أدلي في برنامج اقتصادي مهم علي شاشة قناة ON T.V بملخص عاجل لمحنة بيع وتخريب وطن من خلال ما حدث للحديد والصلب عماد أي نهضة صناعية، أتمني ما لم يتح ضيق وقت البرنامج لحكيه أن يكون موضوعاً لحوار صحفي ينضم إلي ملايين من وثائق الإدانة، وكيف يتم دعم المصدرين بمليارات من ميزانية هذا الشعب البائس وتقام تسويات هزيلة وشكلية لناهبي البنوك ويدخل الفلاحون السجون لعجزهم عن دفع القروض والديون بعد أن أهدرت وضيعت جميع مقومات تنمية زراعية وصناعية حقيقية؟ ما حدث للزراعة والصناعة يذكرني بحديث إذاعي سبق أن أشرت إليه للشيخ العالم الجليل وواحد من عظماء شيوخ الأزهر الشيخ شلتوت استمعت إليه من إذاعة القرآن الكريم وكان يتحدث فيه عن واجبات الحاكم في توفير جميع أسباب عزة وقوة ومنعة واستقلالية أمته بتقوية صروح العلم والتعليم والاقتصاد وتحريره من جميع أشكال التبعية التي تستذله سواء كانت تبعية سياسية أو اقتصادية أو علمية أو عسكرية وأن الحاكم الذي لا يوفر أسباب وعناصر هذه القوة، حاكم من المنظور الإيماني والوطني والأخلاقي آثم.. آثم.. آثم.. رددها الشيخ الجليل ثلاثة.. يصف الحاكم الذي يسمح بتبديد وإهدار صروح أمان واستقلالية ومنعة شعبه وإنهاض قواه الذاتية وتعظيم قوة أبنائه ومتانة اقتصاده وامتلاك القوة التي ترهب أعداءه وترسخ استقلاله واستقراره وتضعه في مقدمة سباقات التفوق والقدرة والسيادة.. إنه حاكم آثم.. آثم.. آثم. ، من بدهيات القول إن مسئوليات الحاكم والحكم الذي يستوجب الطاعة الحكم الذي يحفظ كرامة المواطن وحقوقه وعدالة المواطنة وقوة النسيج الوطني الذي توفره عدالة وجودة التعليم والعلاج وتوزيع الدخول وعوائد استثمار ثرواته البشرية والطبيعية وتوفير جميع عناصر أمنه وعدم ترويعه بجيوش أجهزة الأمن والمعتقلات والمحاكم العسكرية، وقانون الطوارئ، وكأنه لا يكفيه استذلاله بفقر تصل نسبته إلي 77% من ريف مصر ووضعه علي رءوس قوائم أخطر الأمراض.. وتهدر مع كرامة وسيادة الإنسان كرامة وسيادة القانون. ماذا يتوافر للمصريين من المقترحات والأسباب التي توجب طاعة الحاكم؟!! وماذا يتوافر لديهم من المقومات والأسباب التي تجعل هذه الطاعة خطأ وخطيئة تهدر ما تبقي من أرصدة قوة واستقرار واستقلال وكرامة هذا الوطن؟!! الذين يرددون الآية الكريمة عن وجوب طاعة الله ورسوله وأولي الأمر يضيفون بعداً أعمق وأكبر لضرورة التغيير السلمي والدستوري عبوراً من بوابة عدم تزوير إرادة المصريين والسماح بإجراء انتخابات محررة من التزوير، الذي شهدته جميع الانتخابات السابقة والاستجابة للتعديلات المقترحة في المشروع الجديد لممارسة الحقوق السياسية المعروض علي مجلس الشعب أملاً في تحقيق إنقاذ عاجل من هذا الافتقاد الكلي والجزئي لمقومات الرشد والعدالة ومشروعية السلطة.. وأذكر الذين يريدون أن يحتموا بالطاعة الواجبة لولي الأمر بحديث كريم للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه. «خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». وهل يوجد أكثر جوراً وظلماً وظلاماً من الفقر والمرض والتخلف والتبعية السياسية وافتقاد العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروات والدخول وشفافية إدارتها وعدالة تطبيق القانون وسيادته علي الكبير قبل الصغير وعدالة الأمن الصحي والتعليمي والإسكاني والنفسي والإنساني لكل مواطن؟!!