في الأيام الأخيرة ورداً علي المعارضة وحراك جماعات العمل الوطني يباهي النظام وصحفه بازدهار حرية التعبير، وأن هذه الحرية مثلت عنصراً أساسياً ضمن منظومة الإصلاح السياسي في مصر، وأن قوي سياسية وقيادات فكرية استطاعت في ظل هذه الحرية أن تتطور وتعبر عن نفسها بمطلق الحرية.. وقد كنت شريكة في أحدث موقعة تكشف ما وصلت إليه الحرية التي أتيحت للقوي السياسية للتعبير عن نفسها.. أقصد فضيحة النظام التي حدثت تحت كوبري المعادي الخميس 25/3، وحيث كنت شاهدة علي وقائع ما حدث، وحيث نفذت قوات الأمن ببسالة موقعة إجهاض ثاني جلسات المحاكمات الشعبية التي يعقدها مجموعة من كبار وأفاضل رجال القانون لمحاكمة الحزب الحاكم، وحيث يعاد ترديد وقائع ما ينشر يوميا- ومنذ سنوات طويلة- عن كوارث الفساد والنهب وتزوير الشرعية وتبديد وإهدار الثروات البشرية والطبيعية لمصر في عصر النهب العظيم لأراضي مصر ومنح أعلي أوسمة الدولة لكبار المسئولين عن هذه القضايا، وعقد الإذعان الذي منح للمستثمر العربي الذي ينهي ولاية مصر علي أرضها ببيع أراضي مشروع المراجل التجارية نواة المشروع النووي إلي مستثمرين لإقامة منتجع سياحي، والمليارات التي نهبت من البنوك وهربت سالمة آمنة إلي الخارج، وما يتكشف أخيرا عن عقود الإذعان التي يطلقون عليها التسويات، وما أسقط من مليارات وطرق سداد ما تبقي من دين إن كان قد تبقي شيء وإن تسدد فيما يتراوح بين 8 و10 سنوات، أرجو ألا يفرض وزير المالية قريباً ضريبة سداد قروض فرسان النهب، ولكن من قال إنها مسئوليته وليست مسئولية من يديرون هذا النهب المتوحش؟! ذهبت لحضور الجلسة الثانية للمحاكمات الشعبية، رغم ما أعاني صحياً مثل ملايين المصريين ممن تنتشر بينهم حساسيات الصدر مؤخراً نتيجة تنفسهم لأعلي نسب تلوث الهواء في العالم، ذهبت لأني واحدة من الكتّاب الذين وثقوا بأدلة وحجج العلماء والخبراء شهادات إدانة هذا النظام بارتكاب جرائم إبادة شاملة ضد المصريين بتسميم وتلويث وإفساد وسرطنة ما يأكلون ويشربون وتحويل طعامهم وأراضيهم ومياههم وحيواناتهم إلي أسلحة إبادة شاملة، وعلي صفحات «الأهرام» وفي صورة مقالات قدمت مجموعة بلاغات مفتوحة للنائب العام السابق تحمل وقائع وتفاصيل هذه الجرائم، وعلي صفحات «الوفد» قدمت أيضا بلاغات مفتوحة للنائب العام الحالي المستشار عبد المجيد محمود، ومنذ أيام قليلة وفي مقال بالغ الخطورة قدم من جديد ملخصاً وافياً لها فقط واحد من كبار أساتذة أمراض الباطنة والقلب بطب القاهرة د. صلاح الغزالي حرب، جاء في المقال «يمكنني القول من واقع تجربة شخصية يومية علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً إن هناك كارثة صحية بكل ما تحمله الكلمة من معني يحيط بهذا البلد المغلوب علي أمره» وبعد أن قدم أ.د. صلاح الغزالي في تفشي أرقام المصابين بأخطر الأمراض لخص أسبابها واضعاً علي رأسها زيادة حدة التلوث إلي درجة غير مسبوقة في الماء والطعام والهواء، مشيرا إلي أن الدراسات الدولية أثبتت أن هذه الجريمة مكتملة الأركان. كما في عنوان المقال «المصري اليوم» 17/3 وعن إهدار خصائص الأرض وتدمير الأراضي الزراعية، وفي واحد من أحدث إصدارات «دار الشروق» ومن تأليف أستاذ القانون الدولي وواحد من أكبر الأمناء الوطنيين د. فؤاد عبد المنعم رياض، وفي شهادة من مجموعة شهادات بالغة الخطورة بعنوان «هموم إنسان مصري» يوضح وقائع جريمة أخري من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام. القضاء علي الأراضي الزراعية هو في حقيقته إفناء بطيء وأكيد للجماعة المصرية، وفي ذلك ما قد يرقي بهذا الفعل إلي مرتبة جريمة الإبادة الجماعية تلك المعروفة بجريمة الجرائم والتي حرمتها المواثيق الدولية كما تم النص علي تجريمها في النظام الأساسي للمحاكم الجنائية الدولية الحديثة واضعة لها أقصي العقوبات ولا يشترط لقيام هذه الجريمة القضاء الفوري علي جماعة ما، بل يكفي خلق ظروف معيشية من شأنها جعل استمرار الحياة لهذه الجماعة علي المدي الطويل مستحيلا ألا ينطبق ما يكتبه القاضي الدولي المحترم وعضو المجلس القومي الرسمي لحقوق الإنسان علي ما يعيشه المصريون من وقائع إبادة للإنسان ولأرضه التي يعيش عليها؟!، نشرت إحدي الصحف الرسمية أن أحدث تجريف وبناء علي أخصب أراضينا الزراعية في عديد من محافظاتنا تقوم به الحكومة لبناء ما يطلقون عليه المول، أو الأسواق التجارية التي تمتلكها وزارة الاستثمار!! محملة بهذه الهموم الوطنية كنت ذاهبة لحضور المحاكمة الشعبية لأسأل مقيميها الأفاضل عن جدوي أن تظل شكلية ولا تحز وتقطع في مفاصل النظام بالذهاب بها إلي القضاء بالإنابة عن المصريين الذين يعانون التميز في جميع حقوقهم سواء العلاج أو أمان الغذاء والتعليم والصحة وعائد التنمية وتوزيع الدخول والثروات، فمهما حدث من اختراق للقضاء فمازال يضم السادة الشرفاء المروعين بما يحدث لبلدهم وأهلهم وبإمكانهم أن يشاركوا بأحكامهم لإنفاق المزيد من إهدار دم الوطن وحاضر ومستقبل أبنائه وكل من يقف بعيدا عن حلف الثروة والسلطة، لقد تصورت أن النظام وباعتباره يُعد لاختطاف انتخابات جديدة سيفعل كما فعل في جلسة المحاكمة الأولي ويرسل من أعضائه من يضع بعض الألوان وبه فضائحه وكوارثه اليومية.. وفي الطريق إلي نادي المحامين علي كورنيش المعادي وحيث من المقرر أن تعقد المحاكمة فوجئت بحشود أمنية تملأ الرصيف المقابل للنادي، وهناك عرفت أن شباب المحامين الذين حضروا للتجهيز لانعقاد الجلسة فوجئوا بباب ناديهم مغلقا وبأرضه غارقة في بحر من المياه ومجموعة من أثاثه محطمة، فأخرجوا ما استطاعوا لتنعقد الجلسة علي الرصيف أمام النادي - تحت الكوبري - وحيث تجمعت هيئة المحاكمة المحترمة من مستشارين كبار ومحامين شباب وهيئة ادعاء ونشطاء من الشباب وحضور، ولا أعرف لماذا أحسست أنها مكرمة من النظام وإن كانت هذه المحاكمات الحقيقية يجب أن تكون بين الناس الذين تنعقد الجلسات من أجل الدفاع عن حقوقهم الأصيلة في الحياة وبكل التداعيات التي يثيرها انعقادها بينهم من إحياء لروح المقاومة التي قتلت فيهم ومطاردة القهر والاستسلام والخوف الذي زرع في أعماقهم وإلي الحضور بدأ ينضم نفر من المارة، بدا كأن الألم والواقع الكارثي الذي يعيشونه بدأ يهزم القهر والاستسلام ويستقون بالأمل في الحصول علي استحقاقاتهم العادلة في الحياة.. تلفت حولي كان المشهد يدعو للرثاء، نظام يرتجف ويحتمي بمصفحات وقوات أمنية، جنود بخوذات وهراوات يتحركون وراء حواجزهم الحديدية التي يستخدمونها لحصار الأمكنة وشل حركة من فيها، ضباط كبار بأحدث أجهزة الاتصال يتلقون التعليمات، أحسست بالأسي لمشهد مهين يتحول فيه قطاع ضخم وسيادي من أبناء المصريين إلي مهاجمين ومتحرشين ومهددين لأمنهم بعد أن كان دورهم الأصيل حماية المواطن وأمنه، من يتحمل وزر توحش قطاعات من الجماعة المصرية ضد بعضها؟ من يتحمل نتاج جريمة تحويل حماة الأمن إلي أدوات بطش وترويع؟ من يتحمل نتائج المواجهات إذا حدثت؟ المشهد كان فظيعاً في إدانة النظام في اصطناع ما يوفر له أمنه ولو كان الثمن مدفوعاً من سلامة النسيج الوطني، نظام لا يجرؤ علي تهديد إسرائيل ولكن يستطيع أن يرفع السلاح علي المصريين، نظام بدلا من أن يحتمي بما حققه للشعب من إنجازات وعدالة وتنمية ورفاهية يحتمي بشرعية مزورة ولا يستطيع مواجهة الفكر والكلمة إلا بالسلاح.. وما إن بدأ أعضاء هيئة المحكمة يصطفون وراء قبضتهم المتواضعة في الشارع حتي توالت بسرعة الوقائع التي نشرتها الصحف المستقلة فقد انتقل الحشد الأمني من الرصيف المقابل وانضم إلي الحشد الذي كان علي رصيف النادي وتقدموا لإخلاء المقاعد من الجلوس وطارت المقاعد في الهواء للترهيب وفضت المحكمة وتدخل المحامون والنشطاء الشباب لحماية الشيوخ الأجلاء، وتوالت الوقائع المؤسفة لاستغلال نفوس ضعيفة، وقرأت فيما قرأت عن اتهام مستشارين محترمين بالسرقة وتوزيع جرائم إغراق النادي بالمياه وخسائر ما ألحق بأثاثه لأكباش فداء صغيرة!! أعترف أني علي قدر ما أحسست بحجم المخاطر التي تعصف بهذا الوطن لم أتصور أنها بالقدر الذي جسده المشهد، حيث يتجاوز الأمر إبادة المصريين بالتلوث وبمياه المجاري إلي الإبادة التي يصنعها التلوث الذي يجري في عقول وضمائر ومواقف ومواجهة للكلمة وللفكر وللنقد والمحاسبة والمراجعة بقوات ومصفحات وهراوات ومصفحات قوات الأمن ثم محاولات التنصل بنذالة الجبناء الذين ترتعد مفاصلهم من اكتشاف حقائق ما يفعلون وما يرتكبون من جرائم. لا مجال لتكرار أن من يملكون الرد بالحجة والرأي والأدلة الموثقة علي ما أنجزوا يسعون إلي المحاسبة ليباهوا بنجاحاتهم التي تحول وقائع الحياة والانتخابات والأغلبية غير المزورة والشعبية الحقيقية إلي شهادات حية علي صدقها، أما الذين فعلوا بمصر ما فعلوا من جرائم إبادة فما حدث الخميس 25/3 تحت كوبري المعادي شهادة كاملة بالعجز والفشل والخوف وما لا يستطيعون غيره! وإلي سدنة الحق وحراس العدالة الذين توسموا خيراً في المحاكمات الشعبية التي لم يحتملها النظام، دعكم من المحاسبات الشكلية واذهبوا بوثائق الإدانة إلي محاكمات جادة باسم هذا الشعب وطلباً لحقوقه ولاسترداد مانهب ودمرمن ثرواته، أما وثائق الإدانة فهي تملأ الصحف ولا تقدم ولا تؤخر، ولم تتحول إلي فعل قادر بالفعل علي تغيير ما يحدث علي أرض مصر، وأرجو أن تضيفوا إلي وثائق المحاكمة ما نشرته «الكرامة» 22/3/2010 عن تفاصيل هروب 13 تريليون جنيه من أموال الغلابة، وما نشرته «الفجر» 29/3 بعنوان «نهاية الحلم النووي المصري» وأن الحكومة باعت أرض الضبعة لرجال أعمال بأربعة جنيهات للمتر، وأن يدخر النظام بعض قوات أمنه لنذر كارثة حقيقية مقبلة، كارثة لن تحاوره بالفكر والكلمة كما أراد أعضاء المحاكمة الشعبية ولكن بالسيوف وقرون الغزال وبما يعلم الله وحده بالمخبوء من أسلحة تحملها القنابل البشرية مخرجات الفقر والجوع والمرض، قنابل العشوائيات وضحايا سقوط الجبل الذين مازالوا في أماكنهم، وسكان أرصفة مجلس الشعب من مواطنين بدأوا يدركون أن الوقفات السلمية لحصولهم علي أدني حقوقهم في الحياة لم تعد تجدي وأدعو النظام أن يقرأ بلا استعلاء أو غباء أو ذكاء سياسي ما تضمنه أحدث تقرير ناقشته المجالس القومية المتخصصة عن انتشار غير مسبوق لجرائم القتل والضرب الذي يفضي إلي الموت أو الإصابة بالعاهات المستديمة، أرجع التقرير الأسباب إلي سوء الأحوال الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية وضغوط الحياة الصعبة وظروف العمل المجهدة وانخفاض الدخل، مما أدي إلي التفكك الأسري وجعل أعمال العنف سمة أساسية من سمات الشارع والحياة في مصر الآن وبما يمثل إنذارات باضطرابات اجتماعية علي مدي أوسع وأعمق وأخطر!! وهو ما يؤكده تقريران من بريطانيا عن دخول القاهرة حزام العنف بنسبة 5.62%، صحيفة «العربي» 28/3 «إذا كان النظام الذي تفككت مفاصله ودب فيه الرعب والخوف لا يستطيع أن يواجه الفكر والكلمة إلا بحشود وقوات أمنه، وكل المعطيات الخطيرة التي جسدها مشهد ما حدث تحت كوبري المعادي الخميس 25/3 فكيف سيواجه انفجارات العنف المقبل؟!. جميع تفاصيل المشهد الوطني تفرض علي جماعات العمل الوطني أن توحد صفوفها وتضاعف الجهد وتوثق روابط قوي الشعب في جميع أنحاء مصر بخطط وخطوات الجمعية الوطنية للتغيير لإنقاذ مصر سلمياً ودستورياً قبل أن تنفجر قنابل العنف وتسيل بحور الدم.