نيفين مسعد في 2 إبريل كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالا مهما في جريدة الشروق بعنوان "وقعوا في الفخ"، انتقد فيه ترشيح الإخوان خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وبنى نقده على جملة أسباب؛ أهمها أن الجماعة الوطنية المصرية بل والمجتمع المصري بأسره لن يحتملوا رئاسة الإخوان لمجلسي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية والحكومة وأخيرا الجمهورية. وقد صَدّق القيادي الإخواني محمد البلتاجي على مضمون مقال هويدي، وذَكَر نصا في تصريح للمصري اليوم في 3 إبريل 2012: "إنه من الظلم للوطن والإخوان المسلمين أن يتحمّلوا وحدهم مسئولية الوطن كاملة في تلك الظروف الحرجة"، ومن المعلوم أن البلتاجي كان ضمن 52 معارضا لترشيح الشاطر للرئاسة، مقابل 54 أيّدوا الترشيح من أعضاء مجلس شورى الجماعة. اليوم وبعد عام وبضعة أشهر على مقال فهمي هويدي، أتصوّر أنه لو استمع الإخوان إلى نصيحة الكاتب المخلصة، ولو لم يدفعوا إلى المناصب بغير أهلها فتداعت على مصر الأزمات الداخلية والخارجية، ولو لم تأخذهم فتنة السلطة التي تحدّث عنها هويدي، لربما اختلف الأمر، ولما كانت يافطة "ارحل" كناية عن شرخ اجتماعي وليس فقط سياسيا بين الإخوان وبين شرائح المصريين المختلفة، لكن "لو" أداة امتناع الفعل (كما يقول أهل اللغة). اليوم.. مطلوب منّا أن نكون في أقصى درجات وعينا، كيلا نسير إلى الفخ الذي يستدرجنا إليه الإخوان ليخرجوا هم مِن حفرة مضوا إليها طائعين مختارين.. لن نصطدم بالقوات المسلحة وجيش مصر الواقي لها والحامي لأمنها القومي والحارس لحدودها، فمع أن هذه الديباجة وحدها تكفي لتبرير عدم الصدام مع الجيش، إلا أن هناك أسبابا أخرى كثيرة تحدونا إلى عدم الانجرار إلى هذه الفتنة الكبرى... السبب الأول: أن الجيش كان بعيدا تماما عن الساحة السياسية عندما تصدّرت حركة تمرد واجهة المشهد، ونجحت في تجييش كل هذا التأييد الشعبي على امتداد محافظات مصر وراء مطلب واحد، هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وعندما تبيّنت هذه الإرادة الشعبية واضحة جلية للجيش في الوقت الذي تعاملت فيه الرئاسة السابقة مع تغيّرات المشهد السياسي بإنكار ولا مبالاة، هنا تدخّل الجيش لإنفاذها إذ لم يكن معقولا أن يكون خطاب الدكتور مرسي السابق على انتهاء مهلة الجيش نسخة مكرّرة ولو مختصرة من سابقه؛ فإذا كان الناس قد اقتنعوا بالخطاب الأول؛ فلِمَ إذن نزلوا بتلك الحشود بعد سماعه؟ السبب الثاني: أن أحدا لديه ذرة عقل قبل أن يكون لديه انتماء وطني لا يمكنه القبول بذبح الجيش المصري قربانا لتمدد التنظيم الدولي للإخوان، مهما استماتت الجماعة في تحقيق هدفها الشيطاني بكل وسيلة، بدءا من ادّعاء الانقسام داخل صفوف الجيش، مرورا بتوريطه في دماء المصريين، وانتهاءً بافتعال معاداته للتيار الإسلامي. أصبح الواقع السوري ملهما لقائمة المصطلحات والصور والممارسات التي يجرى توظيفها في معركة التنظيم؛ فالمهم هو تأجيج المشاعر، والمطلوب هو كسب التعاطف. لنعرف أي معركة يخوضها بعض أبناء وطني ولصالح مَن تأمّلوا معي في هذا المشهد العبثي المجنون الذي يضع فيه بعض رجال التنظيم صورة الرئيس السابق على جثامين الضحايا في مأساة الحرس الجمهوري المروعة؛ فالمعركة ليست معركة مرسي، وبالتأكيد هي ليست معركة الشرعية والديمقراطية، إنها معركة التنظيم والتنظيم فقط. ولأننا مِن فصيل يعرف أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله، ولأننا نتعامل مع البشر بصفاتهم الإنسانية لا ببطاقاتهم الحزبية؛ فنحن نؤكّد على وجوب الإسراع بإعلان نتائج لجنة التحقيق في واقعة الحرس الجمهوري، وبتطبيق العدالة الناجزة، فالقصاص هو أحد الأهداف المهدرة لثورة يناير. والسبب الثالث: أن استجداء التدخل الدولي، والاستقواء بالخارج على الجيش الوطني، هو عار يتبرّأ منه كل مصري، ناهيكم إن كان ينتمي إلى تيار ديني. لكن كما يقول الإمام الشافعي "جازى الله الشدائد كل خير"؛ فهي أكثر من كاشفة، فلولاها ما انحسرت في طرفة عين مفردات الغرب الصليبي والعمالة للخارج ورفض التدخل الأجنبي، ولا تقدّمت عليها مصطلحات: "لاحسي البيادة" و"عبيد العسكر"، و"سبحان مغيّر الأحوال". في المقال السابق، أكدت على أن أحدا لا يفكّر في عودة الجيش إلى الحكم، لا حركة تمرد ولا كل الملايين التي التفّت حولها، بل إنه ليس خافيا أن جناحا من شباب الثورة مسكون بشكوك عميقة من أي ظهور للجيش خارج الثكنات العسكرية، وما قبوله على مضض باليد الممدودة إليه، إلا لأنها أداة لإنفاذ الإرادة الشعبية وليس للتحايل عليها وتفريغها من مضمونها، هذا واضح ومؤكّد ولا يتغيّر. أما السبب الرابع والأخير، والذي يرتبط بسابقه؛ فهو يتعلّق بالخيار الذي تطرحه علينا الجماعة وأعوانها، إما حكم التنظيم وإما حكم الإرهاب، والفيديو الخطير للقيادي محمد البلتاجي الذي يربط توقّف تفجيرات سيناء بإعادة مرسي للسلطة لا يحتاج إلى تعليق. ومع ذلك، فإن الخيار مضلل، ففي وجود الجماعة استمرّ الإرهاب، صحيح بوتيرة أقل لكنه لم يختفِ، وضحايا موقعة ضحايا الحرس الجمهوري الذين تتاجر الجماعة بأنهم كانوا يؤدّون الصلاة -وهذا ما سيحسم أمره التحقيق- سبقهم 16 مجندا كانوا يتناولون إفطار رمضان والتمر اليابس لا يزال في حلوقهم. إذا كانت الجماعة سقطت في الفخ فهذا شأنها، أمّا مصر التي كتب الله الأمان لشعبها وناسها؛ فأبدا لن تسقط مهما نُصِبت لها الفخاخ. نُشر بجريدة الشروق