احتضنها بشدة خلف الكواليس، ليست تلك هي المرة الأولي التي يقبلا فيها الجمهور سويا ولكن هذا العناق يمنحهما الكثير من الشجاعة والأريحية. منذ أن تزوجا وهما لا يفعلان شيئا إلا سويا حتي الحفلات، فلا يقيما حفلة إلا إذا كانت مشتركة فكلاهما عازف عود محترف وكان هذا هو أول خيط مشترك بينهما. طلعا علي المسرح وحيا الجمهور بانحناءة خفيفة وهما يمسكان أيديهما ببعضهما، جلسا علي مقاعدهما وأمسك كل منهما بعوده، نظر إليها نظرة خاطفة وبادلته نفس النظرة بابتسامة خفيفة، لم يلاحظ هذه النظرة السريعة أيا من الحاضرين إلا هو فهو خبير في هذه الأمور ويستطيع أن يلمحها في خفة وكأنه تدرب عليها لسنوات، لم تكن هذه الابتسامة إلا إشارة البدء كانت بسمته تقول: حبيبتي بدنا نبلش .. فترد بسمتها قائلة: يالا توكلنا علي الله. انطلق العزف رائعا نديا، كان يستمتع بعزفهما وكأنه هو الذي يعزف، فكم عشق العود وكثيرا ما أراد أن يتعلم العزف عليه. بعد عدة مقطوعات بدأ العزف بمقطوعات لأم كلثوم، آآآآه كم يعشق صوت هذه السيدة، لمح فراشتين تحومان في وسط المسرح، لم يكونا ظاهرين بشدة لكنه رآهما حامتا حول رأس العازفان وكأنهما تتراقصان مع الأنغام والموسيقي. دارت الفراشات حول بعضها فتخيل أنهما يقومان بعمل شكل القلب وكأنهما يقولان لبعضهما في ذات الوقت: بحبك. انتهت مقطوعة أم كلثوم وبدأ العازف بعزف مشترك مع زوجته لمقطوعة من تأليفه، كانت حركاته وانفعالاته ذكورية تماما بينما كانت انفعالاتها أنثوية تماما، كان يلاحظهما دون أن يغفل عن أي شئ، حركة قدمه، حركة يده علي العود، وحتي هزات رأسه كلها تنفعل مع الموسيقي وكأ جسده كله يعزف وليست فقط. في نفس الوقت كانت زوجته ومحبوبته تحرك رأسها للخلف أثناء العزف وتأخذ نفسا عميقا لتستنشق بعض الهواء مما يعطيها قدرة علي مواصلة الإبداع.
كانت الفراشات تحلق فوق رأسيهما دون أن يتباعدا، وفي لحظة معينة اهتز جسد العازف بشدة وازدادت ضرباته علي العود فازداد معها الايقاع، بينما زوجته كانت تحاول أن تضرب علي العود برقة حتي تهدئ من الايقاع. عندما لاحظ هذا الأسلوب في العزف منهما لم يدر في خلده إلا أن هذا هو التوازن المطلوب في العزف، بل في الحياة بأكملها. نظر إلي فوق فلم يجد الفراشتان، بحث عنهما بعينيه إلا أنه لم يلحظهما حوله وبينما كان يرفع رأسه ليستنشق بعض الهواء بداخل قلبه قبل أن يكون بداخل رئتيه لمح الفراشتين تحومان فوق رأسه، فابتسم ابتسامة خفيفة وهو ينظر إليهما، تذكر محبوبته، لو كانت معه الآن لاحتضنها بشدة، لقال لها كلاما كثيرا، لحاول أن يعيد ما كان بينهما من أيام جميلة و... قام، سلم علي العازفين وهنأهما بشدة، نظر حوله فلم يجد الفراشتين. لكنه عرف أن الرابط المشترك بين لعازفين والفراشتين وبينه وبين محبوبته ما هو إلا العود. كريم هشام التعليق كريم يواصل الخطو نحو النضج الفني.. نص جميل يقيم حوارا مركبا بين أكثر من صوت برهافة ورقة، ولا يتخلى في الوقت نفسه عن لحظة الأزمة التي تكتمل مع السطر قبل الأخير.. ولذلك فإن السطر الأخير لا ضرورة له على الإطلاق.. ولا يجوز -أخيراً- لهذا القلم الجميل أن يقع في كل هذه الأخطاء اللغوية. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة