الفاجعة والكارثة.. أن ترى دماء مصري تسيل بأيدي مصري أيضا! والمصيبة أن ترى بعض وسائل الإعلام -المتخصصة في تصيّد الأخطاء- تعرض أفلاما وبرامج غنائية ورقصات على أصداء "مجزرة الإخوان" من أعلى جبل المقطم. والجرم وتدني مستويات الأخلاق المجتمعية والدينية والإنسانية أن ترى من يبرر لهذا العنف على شاكلة المجرمين القائلين "يستاهلوا.. ما هما اللي بدأوا بالعنف الأول"! *** ربما تأخرت في كتابة تلك الكلمات حتى لا تُكتب بغضب قد يخرج عن سياق المهنية.. وربما نصحني بعض الزملاء بألا أكتب من الأساس عن أحداث المقطم، حتى لا أُحسب متحيزا لفصيل على حساب آخر.. ولهذا وجبت الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين، ينبغي ذكرهما بداية وقبل أي شيء ومن خلال مشاهداتي ووجودي في أثناء أحداث المقطم: أولا: ما حدث في محيط مقر جماعة الإخوان وفي شارعي 9 و10 بالمقطم لا يمكن تفسيره كما يذهب البعض أنه كانت اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لجماعة الإخوان، ولكن الوصف الصحيح والعنوان المناسب هو: تصدي قوات الأمن لمحاولة اعتداء بلطجية على مساجد ومحال ومقار، فلا يمكن وصف من يحمل سنجة أو مطواة أو مولوتوف أو مسدسات خرطوش أو سلاح "الكتر" على أنه معارض سياسي أو ثائر.. فالمعارضون والثوار أنظف وأرقى من هؤلاء بكثير.. رجاء عدم المشاهدة لأصحاب القلوب الضعيفة
ربما بعد ثانيا: التظاهر السلمي حق لكل مواطن أمام أي مقر أو مؤسسة للعمل العام سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو إعلامية.. وأكرر "التظاهر السلمي".. أي ذلك التجمع الحاضر الذي يعبر فيه المتظاهرون عن رأيهم بالهتافات أو حمل اللافتات، ولا يعتدون فيه على حرية أحد، ولا يتعرضون بأي ضرر للممتلكات العامة أو الخاصة أيا كانت هذه الممتلكات. أبشع ما يمكن أن تراه عيناك دم مصري يسيل هدرا في الأرض.. ربما الكلمات لا يمكن لها أن تصف ما حدث صباح وليل الجمعة في المقطم، لكن... أي كلمات مشروعة يمكن كتابتها لوصف أولئك الذين تجمّعوا بالمطاوى وأسلحة "الكتر" حول ذلك المواطن المصري ليشرّحوه من كل جانب ويلقوه أرضا ليقوموا بسحله لعدة أمتار؟! وأي لفظ يمكن أن تكتبه عن إنسان قذر سكب البنزين على مواطن مصري ليشعل آخر فيه النار ويهتف حوله آخرون قائلين: "خروف مشوي"؟! وأي وصف يمكن أن تكتبه عن أولئك الذين يسميهم بعض إعلامي العار بأنهم نشطاء سياسيون، وبعضهم مع الأسف يحمل الدكتوراه، لتجده يمسك في يديه الطوب والمولوتوف ويقول: "حطينا على الإخوان"؟! فالكلمات حقا تعجز عن الوصف.. وربما تخرج عن سياقها.. كنت مصطحبا في زيارتي للمقطم وقت الأحداث أحد صحفيي جريدة التحرير -ليكون شاهدا معي على الأحداث- مررنا على من يسمون أنفسهم بالثوار.. لنجد أنهم بلطجية بكل ما تعنيه الكلمات من معنى، وليس للثوار أو للثورة أي علاقة بهم.. ورأينا وسطهم عددا من أولئك الذين يُطلق عليهم في الإعلام "نشطاء سياسيون". عرضت على صديقي الصحفي أن ننطلق لنكون وسط الإخوان لنرى ماذا يصنعون، قال لي صديقي بالحرف الواحد: "إيه يا عم إنت عاوز تسلمني للإخوان؟ إنت ماتعرفش بيعملوا إيه لما يشوفوا صحفي؟"، فأجبته بأن الصحفي ينبغي أن يرى المشهد من كل جوانبه، حتى وإن تعرض للخطر، فتلك هي طبيعة المهنة. سرنا مسافة طويلة ومن شوارع جانبية، لنصل إلى مقر مكتب الإرشاد، نعم وصلنا إلى مقر مكتب الإرشاد، ذلك الوهم الذي يتردد أن مصر تدار من خلاله.. المبنى عبارة عن خمسة أدوار، غير مُفعّل فيه غير دورين فقط، وباقي الأدوار ما زالت تحت الإنشاء، تركنا بطاقتينا على مدخل المقر، صعدناه دورا دورا، لنجد أن كل دور يجلس أمام بابه شخصان يسمّيان "أمن الدور"، وفي كل دور ما لا يقل عن مائة أو مائتي فرد مسئولين عن حماية الدور، وبسؤال أحدهم لم كل هذه الحماية؟ أجاب أحدهم بأن بعض البلطجية تمكنوا من اختراق المبنى من خلال المباني المجاورة له غير المأهولة، استغرقنا في المبنى ساعة كاملة كنا نبحث عن سلاح حي أو أبيض، أو مجموعة تخطط للهجوم، لم نجد غير أفراد يجلسون أرضا يتبادلون أطراف الحديث، وكأن شيئا لا يحدث في الخارج.. وفي خارج المقر أفراد آخرون من جماعة الإخوان لا يقلّون عن أربعة آلاف فرد، وكان السؤال.. كل هذا العدد من الإخوان داخل المقر وخارجه وفي محيطه، ويحدث لهم كل ما حدث، ألهذا الحد يبلغ ضعف الإخوان؟! جلست وسط مجموعة منهم، لأسمع أحد الشباب يصيح في وجه آخر: "إزاي نسكت على شوية العيال دول؟ دول مثّلوا بجثة أخ من إخواننا، وولعوا في أخ تاني، غير الإخوة اللي اتشرّحوا، وأنت تقول لي مانردش علشان ماتحصلش حرب أهلية؟ هو أنت فاكرنا باردين أوي كده؟!".. وكان ردّ ذلك الذي يُصاح في وجهه: نعم لن ننجرّ لحرب أهلية، فهكذا يريدوننا ونحن سنظل سلميين، وقد سبق أن خرج عن جماعة الإخوان من يريدون العنف ليشكلوا جماعات خاصة بهم تنتهج هذا المنحى كالجهاد والجماعة الإسلامية، أما نحن الإخوان فمنهجنا السلمية، وأنا لا أتحمل أن يسألني ربي عن دم سال بيدي، أو شخص قُتل على يدي، هذا هو سبيلنا من أراد أن يكون معنا فليسِرْ على هذا النهج، وإلا فليبحث له عن طريق آخر غير جماعة الإخوان المسلمين. هذا الحوار سمعته بأذني، ورأيت المتحاورين فيه بأم عيني، ولست هنا لأجبر أحدا على أن يصدّق ما سبق أو يكذّبه، ولكن الأحداث تثبت من سقط منهم قتيل ومصابون.. ومن ظهر في الفيديوهات يمسك بالسلاح الأبيض والمولوتوف. والسؤال.. إلى متى سيظل هذا الاحتقان في الشارع المصري؟ وإلى متى سنرى مشاهد القتل والبلطجة على الهواء مباشرة؟ وإلى متى نرى جمال صابر -مع اختلافي الكلي معه- يتم القبض عليه في أقل من 24 ساعة معصوب العينين، لاتهامه في أحداث شبرا، ولم نر أيا من أولئك الظاهرين في فيديوهات المقطم والمعروفين بالاسم مقبوضا عليهم؟! {قل عسى أن يكون قريبا}