كان مطلوبا من ثورة 25يناير أن تكون الفارقة في التحول والتغيير المنشود، وأول مظهر مقصود لهذا التحول أن تنتقل مصر من عصر الحكم الشمولي الديكتاتوري إلى عصر الدولة المدنية الحديثة، هذه الدولة التي ترى النخب الليبرالية أنها لا تتحقق إلا من خلال نموذجها الغربي، ومن بين أكثر من 17فصيلا وحركة شاركت في الثورة يحق لفصائل الشباب الليبرالي أن تحجز لنفسها مساحة كبيرة نسبيا في المشهد الأول للثوار الذي انطبع على صفحة مصر يوم 25يناير، وقبل أن يتوالي انضمام كل ألوان الطيف المصري للمشهد ويتم اكتماله بتوزيع تلقائي للأدوار في تناغم وإيثار اتفق فيه الضحايا على تحديد الجلاد وأسقطوا فيه انتماءاتهم العديدة مقابل الوصول إلى هدف محدد، وبينما تعلن الثورة نجاحاتها كل يوم ليس بسقوط جلاد واحد ولكن بسقوط كل الجلادين واحدا تلو الآخر وحتى كبيرهم الذي علمهم الجلد.. وبينما هذا يحدث لاح للثوار في الأفق الغنيمة وسبيلها التنافس على كراسي السلطة، فالسلطة هى الآلية الوحيدة لتحويل الرؤي والأحلام بالتغيير إلى برامج يتم تنفيذها على أرض الواقع. -1- وفي الطريق من ميدان التحرير إلى الاقتراب من السلطة والفوز بكراسيها ومغانمها، بالتأكيد سوف يختفي إنكار الذات والإيثار الثوري وتحضر المصالح وتستبدل الفصائل والجماعات والحركات ضمير المتكلم «نحن» بالضمير «أنا»، وبقدر ما في هذا الأمر من منطقية تسمح به السياسة ومناوراتها بقدر ما يحمل من خطورة إذا ما تجاوز حد المصلحة العليا للوطن أو تدخلت أطراف لها مصلحة في الوقيعة بين أبناء هذا الوطن لتوسيع الفروق الطبيعية للاختلاف وتحويلها إلى فجوات يستحيل معها الالتقاء في منطقة وسط، ويصعب الاتفاق على قواسم مشتركة ويتحول الشعب الواحد إلى فرقاء تجمعهم أرض واحدة وتفرق بينهم المذهبية والطائفية إلى آخره. وعلى صعيد الداخل وفي هذه المرحلة التي يمر فيها الجسد المصري بطور النقاهة بعد الجراحة القاسية التي استأصلت منه ورم الطغاة، من الطبيعي أن تقل الحصانة وتضعف الأجساد المقاومة للفتن، لكن ألم يلحظ البعض منا أن هذه الفتن والمؤامرات منذ ما قبل ثورة 25يناير كانت تركز دائما على نوعين محددين من أنواع الفتن؛ إما فتنة طائفية يكون طرفاها المسلمون والأقباط وإما فتنة دينية داخل الدين الواحد، على سبيل المثال محاولة الوقيعة بين السنة والشيعة في الإسلام أو الوقيعة بين الكنائس المسيحية مثل الأرثوذكسية والبروتستانت، أو داخل الكنيسة الواحدة مثل إنشاء كنيسة المقطم الموازية للكنيسة الأرثوذكسية الأم. هذا كان قبل 25يناير، أما بعد الثورة فهناك حادثتان بارزتان؛ الأولى كانت محاولة لإحداث فتنة طائفية على إثر واقعة كنيسة أطفيح التي كتبت فطنة المصريين؛ مسلمين وأقباط كلمة النهاية فيها وعادت أجراس القداس تعلن في أطفيح سماحة المصريين الفطرية (تم بناء الكنيسة واستلمها إخواننا الأقباط وأنا أكتب هذه السطور). والحادث الثاني يمكن أن نطلق عليه فتنة السلفيين والمتصوفة، وإذا كانت أسباب ودوافع وسيناريوهات الفتن الطائفية قد سارت معروفة ويستطيع المجتمع المصري -إذا صدق النية والعزم منه- أن يتجنبها ويقضى عليها للأبد، فإن الطارئ هو الفتنة الثانية، وإذا كان المجتمع يعرف الصوفيين بسبب حركتهم وحضورهم في المناسبات الدينية الشعبية، فهو يراهم ويقبلهم على أنهم الوجه الآخر لمحبته أي المجتمع لرسول الله صلي الله عليه وسلم وآل بيته. أما الطرف الآخر في الفتنة المزعومة وهم السلفية أو السلفيون وعلى الرغم من حضورهم النسبي في المجتمع فمسماهم كان غريباً بعض الشيء على ثقافة العامة وبعد حضورهم في وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة تناثرت حولهم الأسئلة هل هم طائفة؟ هل هم أفراد؟ إلى ماذا يدعون؟ وما هو منهجهم إلى آخره. -2- والإجابة عن الأسئلة السابقة في جانبها النظري سهل للغاية فالمتون متوافرة ويمكن النقل عنها، لكن الصعب أن تنقل عن مادة حية، أن تعيش تجربة شيخ أو إمام من شيوخ وأئمة السلفية، وأنا أدعي أنني عشت هذه التجربة لمدة ساعات مع الشيخ مصطفى العدوي الذي طلبت أن ألتقيه وهدفي أن أصنع إدراكاً عمليا عن السلفيين من خلاله وعن قرب طالما أصبحوا هدفا للتنشين وموضوعاً للفتنة، لذلك اتصلت بالشيخ وطلبت لقاءه فدعاني لحضور صلاة الجمعة معه والاستماع إلى خطبته في أحد مساجد حي طرة التابعة لمحافظة حلوان بعيداً عن القاهرة بأكثر من ثلاثين كيلو مترا، وأول ما لفت نظري حال وصولي إلى المكان كان هذا الحشد الكبير للمصلين الذين لم يسعهم المسجد فافترشوا جانبا كبيراً من الشارع للاستماع إلى خطبة الشيخ والتي لم تسمح الظروف بأن أدرك منها الكثير بسبب صعوبة الوصول إلى عنوان الجامع الذي يقع في منطقة قليلة الكثافة السكانية بشكل ملحوظ، وكان من المنطقي بعد انتهاء الصلاة ألا أندهش من رؤية جموع من المصلين تتدافع نحو الشيخ، إما لرؤيته عن قرب وإما البحث لديه عن إجابة لمسألة في الدين، وبالكاد استطعت أن أصل إليه وألتقيه من بين هذه الجموع وفي حضور عدد كبير من تلاميذه انحشرنا جميعا في غرفة ملحقة بالمسجد، وما كاد الحديث بيننا ينطلق حتى وجدت الآخرين وقد أصاغوا سمعهم وشخصوا بأبصارهم في اهتمام كبير إلى شيخهم، وما أسرده هنا ليس من قبيل الحكي ولكن أقصد أن يستنبط القارئ من المشهد دلالاته. -3- دار الحديث بيني وبين الشيخ في سؤال وجواب، وقد حددت منذ البداية أن أعرف كيف يفكر شيخ سلفي فيمن يختلف معه من إخوانه المسلمين في مسألة يمكن أن نردها للاجتهاد أو الجهل في أسوأ الأحوال، هذا الأمر الذي صورته بعض الصحف وروجت له على أنه معركة بين طوائف إسلامية. كان هذا هو الهدف من لقائي بالشيخ وأكررها أنى أعرف عن قرب من هم السلفيون وكيف يفكرون وأنقل هذا للقارئ من خلال الأسئلة التي وجهتها للشيخ مصطفى العدوي وإجاباته عنها. - سألت الشيخ: هل هناك بالفعل طوائف وطرق مختلفة في الإسلام؟.. وبالتحديد هل هناك فروق جوهرية بين السلفيين والصوفيين مثلاً؟ أجاب الشيخ: إننا جميعا أهل الإسلام نستند ونجتمع إلى كتاب الله الذي أنزله على نبيه محمد صلي الله عليه وسلم وسنته، وهذا ما يجب أن نتحد عليه لكن أن تكون هناك فرق تتناحر فيما بينها فهذا ليس في ديننا بل نهانا ربنا سبحانه وتعالي عن الفرقة والاختلاف بقوله «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا َ» وقوله: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ». - : أريد منك قولاً أكثر تفصيلاً في الصوفية. فأجاب:الصوفية طرق وطوائف كثيرة فيها من لا يرتكب شركاً حتى لو كان مبتدعا كأن يردد في ورده الذي يتقرب به إلى الله كلمة حي حي حي أو مثل هذا ومنهم (الصوفية) من يستنجد بغير الله ويطلب منه أن يشفي له ولده.. فماذا يمكن أن تقول عن هذا؟!.. هل هذا شرك بالله؟! نحن نرى أن هناك ميزانا توزن به الأشياء وهذا الميزان هو كتاب الله وسنة نبيه ولا نقبل أي قول من أي شخص حتى من إخواننا الدعاة إلا بعد أن نعرضه على الكتاب والسنة». - وماذا عن الفتنة بين السلفية والصوفية والدعوة إلى إزالة الأضرحة بالقوة؟ أجاب: نحن لا نقر قبرا في مسجد، أما مسألة إزالته فمسئولية الحاكم وليست مسئوليتنا، الحاكم ينفذ الحدود والقصاص أما أهل العلم فمسئوليتهم تعليم الناس برفق خاصة نشر العلوم الشرعية التي حجبت عنهم سنوات طويلة. - وهل الكلام السابق رأي شخصي لفضيلتكم أم حكم شرعي؟ أجاب: لا أقول هذا من عندي ولكنني أصدر فيه عن قوله سبحانه وتعالي: « وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» وتدخل ولي الأمر هنا ألزم منا، وفي زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن الصحابة هم الذين ينهضون بالحدود. - هذا كلام جيد لكن الواقع يختلف عند التنفيذ.. فماذا تقول؟ أجاب: أيام الرئيس السادات قامت مجموعة من الأخوة بهدم ضريح في قريتنا منية سمنود مركز أجا بالدقهلية، فماذا كانت النتيجة؟!.. حدثت فتنة بالقرية وأعيد بناء الضريح بالرخام لكن عندما سلكنا طريق العلم عرف الناس أن الذي ينفع ويضر ليس الميت ولكنه الله سبحانه وتعالي. - السلفية تطرح نفسها كامتداد لأهل الحديث والأثر، فهل ترى أن باب الاجتهاد في تنقية السنة الشفهية مفتوح؟ أجاب: بالطبع مفتوح. - فلماذا يخاف علماؤنا الاقتراب من هذا؟ أجاب: للجهل بالأسباب ونقص القدرة العلمية. - وبماذا ترد على من يرى أنه حتى السلفيون انقسموا إلى مدارس مختلفة؟ أجاب: أقول أنا مسلم حتى أريح الجميع، وأقول أنا وأنت وبقية أهل مصر من المسلمين مرجعيتنا واحدة ولم نجد بيننا اختلافا إلا في طريقة التطبيق فقط والاجتهاد في فهم النصوص. - أخيراً، هل هناك في مصر إسلام رسمي وآخر شعبي ينتخب شيوخه وقادته؟ أجاب: لا أوافقك على هذا السؤال، فالإسلام واحد لكن يمكن أن نقول إن هناك علماء سلطة وآخرين ليسوا كذلك. - 4 - وليس لي تعليق على ما سبق إلا أنه إذا كان هذا هو رأي أحد كبار علماء السلفية بينما ينفى الجانب الآخر من زعماء وشيوخ الصوفية أن تكون الصورة كما حاول المغرضون الترويج لها.. فما هي الحقيقة؟! .. هل كانت بالفعل فتنة؟ أم هي بحث عن فتنة اختقلها من له مصلحة في ضرب من يراهم خصوما له لإلهائهم أو تشويه صورتهم؟.. أم ترون شيئا غير هذا؟ أفيدونا يا أهل الفطنة!.