شهر فبراير هذا العام يحمل الكثير من الشجون والألم لكل القوى السياسية والمعارضة في لبنان على حد سواء.. ففي الوقت الذي احتفل فيه العالم بما يسمى بعيد الحب في الرابع عشر من فبراير، فإن اللبنانيين وابتداء من عام 2005 يحتفلون ليس بعيد الحب، ولكن بتأبين الشهيد رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي راح ضحية تفجير لم يُعرف حتى الآن من يقف وراءه.. وبالرغم من تشكيل محكمة جنائية خاصة لإجراء التحقيقات اللازمة في هذا الشأن، فإن المحكمة لم تقل حتى الآن مَن الجاني، بالرغم من استغلال الجميع لهذا الحادث؛ لإلقاء التهم على الخصوم، فالقوى المناهضة للوجود السوري في لبنان استغلت الحادث من أجل المطالبة برحيل الجيش السوري عن لبنان، خاصة وأن الحريري كان من أبرز المنادين بهذا الأمر، وهو ما تحقق بعد ذلك، وفي المقابل فإن القوى المناهضة لحزب الله اتهمت الحزب الشيعي بالضلوع في مقتل الحريري السني؛ بسبب الاختلاف في التوجهات خاصة في ظل علاقاته الوثيقة بالسعودية ومصر، لذا طالبت هذه القوى بنزع سلاح حزب الله، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، ويعد أحد الملفات الشائكة، والمسكوت عنها إلى حين. وفي المقابل فإن شهر فبراير يحمل ذكريات مؤلمة للمعارضة أيضا، وفي مقدمتها استشهاد عماد مغنية القائد البارز في الحزب في فبراير 2008، والذي يعد مسئولا عن التخطيط لمواجهة إسرائيل في حرب تموز 2006. إذن شهر فبراير هو شهر الأحزان للجميع في لبنان.. لكن بالرغم من ذلك فإن السؤال الذي يبرز هو عن حال لبنان بعد خمس سنوات من رحيل الحريري، وبعد عامين من رحيل مغنية. ماذا بعد 5 سنوات على اغتيال الحريري؟ بالرغم من أن الفترة الأولى التالية لرحيل الحريري شهدت حالة من التوتر والقلق في لبنان بين قوى الأغلبية التي قادها نجله رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري والمعروفة باسم قوى 14 آذار (الوقت الذي نزلت فيه هذه القوى للشارع للمطالبة بالقصاص من قتلة الحريري)، وقوى المعارضة بقيادة حزب الله المعروفة باسم قوى 8 آذار، إلا أن الأمور هدأت إلى حد كبير في الفترة الأخيرة، خاصة بعد إجراء الانتخابات في يونيو الماضي، والتي أسفرت عن فوز فريق سعد الحريري بها، لكنه لم يحصل على أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير الحكومة القرارات الهامة، وفي المقابل فإن المعارضة لم تتمكن من الحصول عما أسمته بالثلث المعطِّل الذي يسمح لها بالاعتراض على أي قرار للأغلبية، وأخيرا تم التوافق على أن يقوم رئيس البلاد باختيار بعض الوزراء الذين يساهمون في حسم أي قرار بين الفريقين. وبالتالي طويت صفحة الخلافات مؤقتا بين الجانبين، والتي ما كانت لتحدث لولا التوافق السعودي السوري تحديدا.. لكن المشكلة الآن في لبنان، الذي يشهد حالة من الاستقرار النسبي تكمن في موضوع نزع سلاح حزب الله.. وهي مسألة مسكوت عنها كما قلنا لفترة، لكنها يمكن أن تنفجر في أي وقت.. وفي هذا الشأن أيضا يمكن القول بأن تيار الحريري يشهد حاليا حالة من الضعف النسبي بعد انسحاب النائب الدرزي وليد جنبلاط من هذه الجبهة، والذي كان من أشد المعارضين لسوريا ولحزب الله. حزب الله.. ولغة التحدي أما بالنسبة لقوى المعارضة، وتحديدا حزب الله، فيبدو أنه صار أقوى مما كان عليه من قبل.. هذه القوة لا ندري على وجه الدقة ما مصدرها.. هل مصدرها السلاح السوري والإيراني أم ماذا؟؟ لكن المهم أن الحزب يؤكد أنه يملك قوة لم تكن موجودة له من قبل.. هذا الكلام ليس من عندي، وإنما وفق تصريحات حسن نصر الله الأخيرة في ذكرى تأبين عماد مغنية وغيره؛ إذ أكد على ضعف إسرائيل، وترددها في مواجهة حزبه بعد حرب تموز الأخيرة، ووصف حزبه بأنه من القوة التي لا تستطيع إسرائيل أن تشن عليه حربا في أي وقت، كما هدد بضرب عدة أهداف في تل أبيب -الحديث عن عدة أهداف، وفي عمق العاصمة الإسرائيلية وليس في المدن الشمالية القريبة من الحدود مع لبنان- في حالة ما إذا أقدمت إسرائيل على ضرب موقع واحد في لبنان، ونفس الأمر بالنسبة للمطارات، والموانئ ومصافي البترول الإسرائيلية؛ إذ سيتم ضربها في حال تعرُّض المطارات، والموانئ ومصافي البترول الإسرائيلية لاعتداء مماثل. البعض قد يقول بأن هذا مجرد كلام.. الكل يذكر خطابه في حرب تموز عندما أعلن عن قصف سفينة حربية إسرائيلية بعد دقائق، وهو ما حدث بالفعل.. لذا فإن إسرائيل تنصت باهتمام لحديث نصر الله الذي سيسبب لها مزيدا من الرعب، ويجعلها تفكر ألف مرة قبل التفكير في شن حرب ضد لبنان. إذن يبدو المشهد اللبناني الداخلي أكثر تماسكا وأكثر قوة بعد خمس سنوات من رحيل الحريري، كما يبدو لبنان قويا على الصعيد الخارجي خاصة في مواجهة إسرائيل. ويبدو أن هذا التوافق الداخلي، فضلا عن القوة الخارجية ما كانت لتحدث لولا حادث استشهاد الحريري ومغنية، وكذلك حرب تموز.. التي جعلت الجميع يلتفون حول المصالح الوطنية فكما يقال في المثل "رُب ضارة نافعة"، لكن نأمل أن يكون هذا النفع مستمرا وليس مؤقتا.