"فتح": على العرب استغلال خلاف ترامب ونتنياهو لطرح خطة سلام عادلة    الصين تهنئ البابا ليو الرابع عشر بانتخابه وتأمل في تحقيق حوار بناء بين الجانبين    التشكيل المتوقع لمباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري المصري    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    تنمية المشروعات ضخ 920 مليون جنيه لتمويل مشروعات شباب دمياط في 10 سنوات    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    منتخب ناشئين اليد يواجه كرواتيا وديًا استعدادًا للمونديال    طقس اليوم الجمعة 9-5-2025.. موجة شديدة الحرارة    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    فيفى عبده عن محمود عبد العزيز وبوسى شلبى: سافروا معايا الحج وهما متجوزين    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    السقا وفهمي يواصلان تصوير "أحمد وأحمد".. ثنائي منتظر يجمع بين الكوميديا والأكشن    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    عودة الراعي، البابا تواضروس يحمل إلى القاهرة رسائل سلام من قلب أوروبا    إصابة 5 أشخاص بحالات اختناق بينهم 3 اطفال في حريق منزل بالقليوبية    اعرف أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم... البلاميطا ب100 جنيه    لقاء خارج عن المألوف بين ترامب ووزير إسرائيلي يتجاوز نتنياهو    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    بيل جيتس يخطط للتبرع بكل ثروته البالغة نحو 200 مليار دولار    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    طريقة عمل العجة المقلية، أكلة شعبية لذيذة وسريعة التحضير    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    ستحدث أزمة لتعدد النجوم.. دويدار يفاجئ لاعبي الأهلي بهذا التصريح    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    زيلينسكى يعلن أنه ناقش خطوات إنهاء الصراع مع ترامب    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    تسلا تضيف موديل «Y» بنظام دفع خلفي بسعر يبدأ من 46.630 دولارًا    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": بيت الرعب
نشر في بص وطل يوم 19 - 02 - 2013

ارتجف جسد روابي وهي تسير في حذر وتوتر عبر الممرات الضيقة لذلك البيت، الذي يبدو صغيرا في الخارج وشديد الاتساع والتشابك من الداخل، على نحو لم تتوقعه أو تتصوره..
كان الظلام يحيط بها من كل جانب، فيما عدا أضواء خافتة تنتشر هنا وهناك، ولا يمكنها تحديد مصدرها بالضبط..
ومن زمن بعيد كانت تسمع أصواتا مخيفة..
أصوات تشبه أنفاس كائن ضخم غامض..
ولكن لم يكن بوسعها التراجع..
خطيبها ماهر حذرها من دخول هذا المكان..
حذرها أكثر من مرة..
ولكنها عاندت..
وكابرت..
وأصرت على دخوله..
الكل يتحدث عن الرعب الموجود داخله..
الكل روى تجربته الرهيبة فيه..
ولكنها لم تتراجع..
كانت تريد أن تثبت للجميع أنها قادرة على تخطي الصعاب..
أيا كانت..
ولكن الحديث من الخارج شيء والوجود داخل المكان نفسه شيء آخر..
الظلام وحده له تأثيره..
في الخارج كانت الأضواء في كل مكان..
ومع الضوء يذهب الخوف..
حقيقة علمية بشرية بسيطة عرفها حتى الإنسان الأول، فكان يستيقظ مع أول ضوء ويختبئ مع آخر ضوء..
فالظلام يعني المجهول..
وكل كائن حي يخشى المجهول..
غريزة بشرية طبيعية تجعل الناس أعداء ما يجهلون..
ولكنها نشأت على نحو مختلف تماما..
والدها الراحل كان يحدثها دوما، عن ضرورة مواجهة المجهول..
أي مجهول..
كان يرى دوما أن الخوف هو الغريزة التي تعترض دوما طموح البشر وتعوق تقدّمهم..
ولقد نقل إليها تعاليمه..
وبوسيلة عملية للغاية..
كلما كانت تخشى مجهولا كان يدفعها رفقا لمواجهته، حتى لا يصير مجهولا فيذهب الخوف مع معرفته..
وطوال حداثتها وشبابها، كان هذا هو المبدأ الذي اتبعته..
التصدي للمجهول..
ومواجهته..
واقتحامه..
ولهذا أصرّت على دخول هذا البيت، على الرغم من تحذير الجميع..
وها هي ذي تسير في ممراته المظلمة وتستمع بكل توترها، إلى الأصوات التي تنبعث في كل صوب فيه..
كانت تتقدّم في بطء حذر، عندما شعرت فجأة بجسم يحتك بقدميها، ثم يسرع مبتعدا، دون أن تراه..
وعلى الرغم منها، وثبت مطلقة صرخة فزع..
ورددت الممرات صرختها، ممتزجة بما ضاعف من خوفها..
بصدى ضحكة شريرة ساخرة..
توقفت في مكانها لاهثة تتساءل عن ذلك الشيء الذي مر بها واحتك بقدميها..
ومع الرعب الذي بدأ يتسلل إلى نفسها راحت تتساءل: أكان من الحكمة أن تجازف بدخول هذا البيت؟!
وهل ينبغي لها أن تتراجع؟!
لم يطاوعها كبرياؤها على التراجع، في وجود ماهر الذي ينتظرها عند المخرج الآخر للبيت
فقررت المضي قدما في طريقها، أيا كان ما ستجده..
سارت بضع خطوات أخرى تصاعدت معها تلك الأنفاس الآتية من كل مكان، كما لو أنها تسير داخل وحش حي وليس مجرد بيت..
ثم فجأة، سطع ضوء ما أمامها..
وبحركة غريزية، أغلقت عينيها..
وعندما فتحتهما ارتجف جسدها كله في قوة..
فقبل أن يتلاشى هذا السطوع بلحظة واحدة لمحت ذلك الجسم الذي سرق أمام عينيها في سرعة، قبل أن يختفي في الجدار..
شيئان كبيران أشبه بأجنحة خفاش يرفرفان على جانب امرأة عجوز، لها أبشع وجه رأته في حياتها..
وصرخت مرة أخرى..
صرخت..
وصرخت..
وصرخت..
ثم كتمت أنفاسها، خشية أن يسمع من بالخارج صراخها..
يا له من رعب!
كان ينبغي أن تستمع إلى نصيحة ماهر..
ولكنها الآن داخل البيت..
ولن تتراجع عن عبور ممراته..
حتى النهاية..
التقطت نفسا عميقا في محاولة لتهدئة ثائرتها، ثم دفعت قدميها دفعا لتواصل طريقها، عبر ممرات البيت التي طليت باللون الأسود، وكأنما حرص صاحبه على أن يكون كل شيء فيه مخيفا..
ومع كل خطوة تخطوها كانت تلك الأنفاس المخيفة تعلو..
وتعلو..
وتعلو..
ثم فجأة، بدأت أضواء غريبة تتراقص..
وعلى الأضواء المتراقصة، بدت لها تلك المشاهد المخيفة..
رءوس بشرية، تملأ الجدران..
رءوس مقطوعة ارتسم عليها فزع بلا حدود..
وبعضها كانت الدماء تواصل النزف منها..
وكتمت صرختها، ولكنها راحت تلهث في عنف، مع الانفعال الجارف الذي سرى في كيانها كله..
وبدأت خطوتها تتسارع في محاولة للابتعاد عن ذلك المسلخ البشري..
ولكن فجأة، ارتطمت قدمها بجسم ملقى على الأرض فسقطت إلى جواره..
ومع سقوطها ظهر ضوء خافت لا تدري من أين انبعث بالضبط، ولكن كان كافيا لترى ذلك الذي سقطت إلى جواره..
لقد كان جسدا بشريا مقطوع الرأس، وملقى أرضا..
تراجعت في سرعة وحاولت النهوض، إلا أنها تعثّرت مرة أخرى من شدة فزعها مما اضطرها إلى الاستناد على ذلك الجسد، ليعاونها هذا على النهوض..
وكم هالها هذا!
كان الجسد باردا ميتا يبعث ملمسه قشعريرة عجيبة على أي إنسان..
وما أن نجحت في النهوض حتى انطلقت تعدو، مبتعدة عنه..
ومع ابتعادها خفتت الأضواء..
كل الأضواء..
وساد ظلام دامس..
ومع الظلام التام لم تعد تدري أين طريقها بالضبط..
ووفقا لنفس القاعدة السابقة تضاعف رعبها مع الانعدام التام للرؤية..
ولأن ممرات البيت ليست مستقيمة، وإنما ملتوية على نحو عجيب لم يكن أمامها سوى أن تتحسس الجدران حتى تجد سبيل الخروج..
وقد فعلت..
الجدران لم تكن ناعمة أو مستقيمة أيضا..
كانت وكأنها مصنوعة من أحجار غير منتظمة..
وكانت عليها مادة لزجة ضاعفت توترها واشمئزازها وخوفها..
ولكنها واصلت طريقها وراحت تتلمس الجدران اللزجة وهي تتحرك في بطء، و..
وانطلقت من حلقها صرخة مدوية، مع انتفاضة جسدها الضعيفة عندما لامست يدها جسما طريا باردا، ما أن لمسته حتى انزلق في سرعة مبتعدا عن أصابعها..
ووثبت روابي جانبا، وقد سيطر عليها ذلك الرعب الغريزي..
رعب المجهول..
فذلك الشيء الذي لمسته كان أشبه بثعبان كبير..
أو بسحلية ضخمة..
وهي موجودة معه في مكان واحد..
وفي ظلام دامس..
انتفضت بضع لحظات في رعب إلا أن خروجها من ذلك البيت صار أكثر حتمية، فمدت يدها في ضرر، تتلمس الجدار مرة أخرى مواصلة طريقها، وهي تتمنى رؤية ولو بصيص ضئيل من الضوء يهديها إلى طريق الخروج..
ولكنها ارتطمت فجأة بجدار آخر..
جدار يسد طريق الخروج..
تماما..
وبكل رعبها راحت تدور بيدها في الجدران قبل أن تكشف حقيقة مرعبة..
لا يوجد طريق للخروج..
ولا يوجد حتى طريق للعودة..
حتى الطريق الذي أتت منه، لم يعد له وجود..
جدران أربعة تحيط بها من كل جانب..
لقد صارت سجينة داخل بيت الرعب هذا..
أصابها هذا الشعور برعب كبير، فراحت تصرخ..
وتصرخ..
وتصرخ..
ومع صرختها دارت يدها للمرة الخامسة تتحسس الجدران من حولها، و..
وفجأة شعرت بأحد الجدران يتحرك مع ضغط يدها فرفعته بشيء من القوة وشعرت به يدور حول نفسه..
ومن خلفه بصيص ضوء من بعيد..
إنه المخرج..
حمدا لله.. إنه المخرج..
عبرت ذلك الجدار، واتجهت في سرعة نحو بصيص الضوء الذي بدا أنه يأتي من منحنى في نهاية الممر، وحثت الخطى لتبلغه، قبل أن يعترض طريقها فجأة ذلك الشيء المخيف..
هيكل عظمي، سقط نصفه العلوي فجأة أمامها على نحو جعلها تقفز من مكانها فزعة قبل أن تلهث هاتفة:
- حتى أنت ستعترض طريقي!
ما أن نطقتها، حتى تجمد جسدها كله رعبا..
ففي بطء اعتدلت جمجمة الهيكل العظمي والتفتت إليها كما لو أن الحياة قد دبّت فيه مرة أخرى..
ثم فجأة اشتعلت عيناه بضوء أحمر رهيب..
وانبعثت تلك الضحكة الساخرة الشريرة..
وبكل رعبها صرخت روابي واندفعت عبر الفراغ الذي يفصل جمجمة الهيكل العظمي عن الجدار وانطلقت تعدو بكل قوتها نحو المخرج..
وكم شعرت بالارتياح لأنه بالفعل المخرج كان من ذلك البيت الرهيب..
بيت الرعب..
"يا إلهي! تبين في هيئة رهيبة".
هتف ماهر بالعبارة وهو يعدو نحوها فحدقت فيه بوجه شاحب دون أن تنبس ببنت شفة، فاحتوى كفها بين راحتيه وهو يقول مشفقا:
- حذرتك من الدخول.
غمغمت في شحوب، ينافي وجهها:
- كنت أتصور أنني أكثر شجاعة من هذا.
ابتسم مشفقا، وهو يقول:
- ولكن هذا البيت يختلف.. إنهم يستخدمون تقنيات ومؤثرات متقدمة للغاية..
أومأت برأسها إيجابا بنفس الشحوب وتطلعت إلى أضواء مدينة الملاهي، ثم إلى اللافتة، التي تعلو بيت الرعب قبل أن تغمغم:
- صدقني.. إنها مؤثرات قوية للغاية.
وبينما تبتعد معه، خيّل إليها أنها ما زالت تسمع صدى تلك الضحكة..
الضحكة الشريرة..
الساخرة.

***


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.