أنا فتاة عندي 27 سنة وكنت عاوزة اسأل سؤال ومحتاجة إجابة متخصصة، لأني حاولت ألاقي الإجابة وماعرفتش. أنا باتخيل كتير مواقف وباتكلم مع نفسي كأن حد قدامي، طبعا بابقى عارفة إن ده خيال ومستوعبة، بس تقدروا تقولوا إني بافرّغ شحنات جوايا من الغضب.. مثلا أكون مضغوطة من الشغل أو عندي مشكلة مع إنسان وماقدرش أقول له الكلام اللي جوايا فأتخيل نفسي في الموقف نفسه من تاني وأقول كل اللي في نفسي، وأحيانا أتخيل مواقف تانية ممكن تحصل وبانفعل وباغضب، ويمكن أعيط كأنها حصلت بالظبط.. أنا عاوزة أعرف ده شيء طبيعي ومجرد تفريغ شحنات كأني بافضفض على الورق مثلا، ولا ده شيء مقلق بالنسبة لي لو زاد أو اتطور عن كده!
monmonaia
أهلا وسهلا بك يا صغيرتي، وأبشّرك بأنه لا داعي أبدا للقلق أو الخوف مما يحدث معك، فما تتحدثين عنه يُعرف علميا ب"أحلام اليقظة"، وهي أحلام نحلم بها ونحن في حالة اليقظة وليس في حالة النوم، وأحلام اليقظة ليست شرا على إطلاقها كما تصورت، ولا يوجد شخص على كوكب الأرض لم يحلم حلم يقظة من قبل.. بل إن أصحاب الشهرة الواسعة في أي مجال أثّر في البشرية مثل إسحق نيوتن، وأينشتاين، وليوناردو دافنشي، وكل مبدع ومتفوق في مجال من مجالات الحياة، بل ومن اخترع اختراعا أفاد به البشر، إلا وكان مجرد حلم يقظة لصاحبه في بادئ الأمر. حتى أنه في كتب السيرة يقولون إن معرفتنا لبعض ما سيكون في الجنة من أوجه النعيم والملذّات، وما سيكون في النار من أوجه العذاب والتنكيل، كان من مراد الله تعالى لنا بألا نراه رأي العين ويظل في نفوسنا على شكل أمور يتم سردها لنا من خلال القرآن الكريم، أو أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لنتشبث بالدخول في الجنة ونبتعد عن أسباب دخول النار من خلال أحلام يقظتنا التي ستربطنا بالجنة، أو ستنفرنا من النار فننتبه. وأعود لحديث العلم في المجال النفسي فأقول لك: إن أحلام اليقظة ليست كلها مساحة مرضية، أو تستوجب القلق على العقل والنفس، بل على العكس، فقد وجدنا أن هذه الأحلام تعتبر ضرورة للبشر حيث تعمل عمل التنفيس عن الضغط النفسي الناتج عن عدم القدرة على التحكم في الواقع، أو حل مشكلاته.. فيقوم الإنسان من خلال تلك الأحلام بالتخلص من تلك الضغوط حين يظل يتصور في أمور يتمناها وتسعده، فيشعر بالراحة والفرح، أو يواجه مواقف تؤلمه في الواقع فيتعامل معها، أو يواجه شخصيات لا يستطيع أن يواجهها في واقعه فيفعل ما يريده في تلك الأحلام، فمثلا قد نجد فتاة تحلم بفتى أحلامها، كيف سيكون شكله، وكيف ستستقبله وكيف ستسعده، وفيما سيتحدثان.. وهكذا. ونجد فتاة أخرى تواجه أخاها الأكبر الذي يتسلط عليها، فترفض طريقته وأوامره في الحلم، أو تقول لمديرها في العمل ما يجيش في صدرها عن ظلمه، وتخطيه لها في تقدمها في العمل مثلا، ونجد من يحلم بفكرة أو جهاز أو غيره من إبداعات البشر، بل إننا في المجال النفسي نطلب من بعض أصحاب المشكلات خصوصا التي لديها اضطراب القلق المتعمم مثلا، أو التي تعاني من بعض أنواع الرهاب، أو غيره، بأن يقوم بتدريب ذهني يعتمد كله على التخيّل ليتخلص تدريجيا وبشكل علمي من قلقه أو خوفه! ولكن متى نقلق من أحلام اليقظة؟ نقلق منها إذا أخذت ثلاث مساحات في الغالب، مثل: أن تتحول حياة من يحلم من الواقع للتخيّلات والأحلام معظم وقته، أي يستبدل واقعه بالأحلام فيقضي فيها ساعات طويلة جدا قد تصل إلى عشر ساعات، أو أكثر عند البعض، فلا يكون هناك مجال لواقعه ليتعايش فيه، فيفقد تواصله الواقعي مع أفراد عائلته ولا يتمكن من القيام بالمسئوليات الخاصة به، كالدراسة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية.. إلخ. فيتحول إلى كائن يعيش في الخيال ولا يقترب من الواقع إلا قليلا، بل يتعمد أن يغلق عليه بابه ويبقى وحيدا مع أحلامه، والحالة الثانية: حين تبدأ أحلامه في السيطرة على واقعه، فيقع في الوهم، مثلا لو رجعنا إلى مثال الفتاة التي تتخيل فتى أحلامها فتقابله في العمل في الحلم، أو عند إحدى صديقاتها في الحلم، فيحدث بالفعل أن تقابل شابا في عملها، أو عند إحدى صديقاتها في الحقيقة، فتبدأ في التعامل معه على أنه الحب المنتظر، وأنه فتى أحلامها فتتعامل معه بخلفيات تلك الأحلام، ثم تصدم فينكسر قلبها وبيدها، وغيره من بعض من يحلمون والذين لا يتمكنون من الفصل بين الواقع والخيال.. وقد يكون بسبب مرض لديهم، فما يتصورونه أحلاما يكون في الواقع ضلالات وأوهام مرضية، والحالة الثالثة: حين يرفض الشخص بشكل صريح، أو غير صريح عن طريق تعثره الدراسي، أو تعثره المهني، أو تعثره الاجتماعي بالتواصل مع واقعه، ويفضل العيش في الأحلام، فيهمل كل الأدوار المطلوبة منه بمرور الوقت، ويستبدل الواقع بالخيال، والحمد لله فأنتِ لم تتخطي أبدا المساحة الطبيعية ولا زلت فيها، فلا تقلقي، فأنتِ مدركة تماما أنها مجرد أحلام وخيال، وتقومين بمسئولياتك الشخصية والاجتماعية والدراسية المختلفة، فقط أريد أن نتعامل مع الأمر دون إفراط ولا تفريط.. بل ويمكنك الاستفادة من أحلام يقظتك بأفضل طريقة ممكنة لتكون أحلاما إيجابية في حياتك تقوم مقام المُنفّس والبروفة الخيالية، وحتى يتضح أكثر ما أقوله.. فلتجعلي نفسك أنت من يملك الأحلام وليست الأحلام هي من تملكك، فتحددي لها وقتا محددا في يومك، وتحددي لها مكانا معينا في حجرتك بالاستعانة بالمنبه، والجلوس على كرسي محدد في غرفتك لأحلام يقظتك، فهذا يخفف من شدتها ويساعدك على التخلص المنتظم والصحي من الضغوط التي تؤثر عليك وتظهر في شكل تخيل تلك الأحلام.. وكذلك يمكنك أن تجعلي تلك الأحلام هي البروفة الخاصة بك لتواجهي مشكلاتك، كأن تتدرجي بنقل الأحلام من الخيال إلى الواقع، فمثلا لو لديك مشكلة مع والدك فأنت في الغالب تصمتين، أو تخافين التحدث معه بكل ما تريدين قوله أو تفسيره، فتجعلي ذلك في حلمك، وهنا أريدك أن تتدخلي في الحلم لتجعليه قريبا من الواقع، فلا تصرخي مثلا في وجهه أو تلقي بأي شيء على الأرض، ولكن حدّثيه بطريقة تناسب شخصيته وبأدب وباختيارك ألفاظا مناسبة ليرغب في سماع رأيك ومناقشته بهدوء معك، وهكذا حتى تتمكنين من تفصيل الحلم على مقاس قريب جدا من الواقع.. ثم تقومين بعدها بنقل ما فعلتيه على مدار تلك الأحلام بمرات فشلها ونجاحها للواقع الخاص بك، فتبدئي بالحديث مع والدك بالفعل كما كنت تحلمين، وكما كنت تختارين كلماتك وطريقة تعاملك معه.. وهكذا، فالبروفة والتدرج والتكرار سيجعلك تستفيدين من أحلامك لتحسني بها واقعك.. كما يمكنك تحويل تلك الأحلام إلى شكل آخر مثل الكتابة، فتكتشفي في نفسك ملكة جديدة قد تسهم في تغيير حياتك، وقد تحتفظين ببعض الأحلام الخاصة كما هي لوقت الحاجة، كأحلامك مثلا عن شريك حياتك لتدخريها بإبداعها وتخيلها كما هي حتى يحين وقت تنفيذها مع الشريك الحقيقي في الحياة، والذي يناسبك ويرغب في مواصلة حياته معك، فلا تقلقي وتدرجي في القيام بما اقترحته عليك وستجدي اختلافا كثيرا بإذن الله تعالى.