اسمحوا لي أن أبدأ بهذا التساؤل القرآني: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}؟؟ لا أظن، لا أظن أن إنسانا طبيعيا قد يُقبل على لحم أخيه، كما لا أظن أن بشرا ما زال يحمل بداخله عقلا واعيا وضميرا يقظا قد يقبل على امرأة مذبوحة ومغتصبة ويجد فيها أي متعة، لذلك دعوني أتساءل معكم: إن لم يكن الجنس مع امرأة مغتصبة ممتعاً تماما مثل أكل لحم البشر والجيفة، فلمَ يتم الاغتصاب والتحرش وخاصة الجماعي منه؟؟ في الأيام التالية لتنحي مبارك كتبت لكم عن التحرش في ميدان التحرير، البعض هاجمني ولم يصدّقني، وأعتقد أن الأمر احتاج عامين كاملين ليتحول التحرش اللفظي والجسدي إلى اغتصاب جماعي كامل يتم فيه أحيانا التعدي على الضحية بآلات حادة، ولمن لا يصدقني فلتذهب إلى المستشفيات القريبة من الميدان وجاردن سيتي وشاهد بنفسك الجريحات والمصابات في الأيام الأخيرة نتاج ذلك. لو كان لديكم بصر وبصيرة لن تحتاجوا للحظة واحدة لتصدقوا أن حالات التحرش وشهادات الناس عن حالات الاغتصاب الجماعي هي حقيقة واقعة يجب التعامل معها، التفكير فيها، معرفة دوافعها وأسبابها ومن ثم علاجها. منذ شهر تقريبا طلب مني رئيس التحرير كتابة موضوع عن "فتاة دلهي" القصة التي لم يمر شهر على حدوثها حتى أثارت الناس في كل مكان بالعالم، ولكني لم أستطع، جمعت المعلومات وبدأت في القراءة، وكلما وصلت في ملف من الملفات إلى تفاصيل الحادث وتخيلت ذلك الرجل وهو يُدخل "مفتاحه الانجليزي" في مهبلها ورحمها ومعدتها ويخرجه ب5% من أمعائها كما تقول التقارير الطبية أتوقف، أتوقف عن القراءة، ولا أستطيع الكتابة أيضا، ماذا أقول؟! إن هذا الحادث مثل حي على انعدام إنسانية البعض. الفتاة طالبة طب عمرها 23 سنة عائدة من السينما مع زميلها الذي تحبه ليلة 16 ديسمبر الماضي، متأخرة وترغب في الوصول إلى بيتها بأقصى سرعة، يقودهما القدر لأتوبيس مزيف يركبه 6 أصدقاء منهم سائقه، يقضون الوقت في العبث والاحتيال على الركاب ويعتبرون هذا متعة، يضربونها ويضربون زميلها ويسحبونها إلى مؤخرة الأتوبيس ليتبادلوا اغتصابها، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، لا أعرف أي فكرة شيطانية دارت في رأس أصغرهم (17 سنة) بعد أن اغتصبها مرتين بأن يضع في جهازها التناسلي نفس الآلة التي ضربوها بها وهي أقرب إلى "مفتاح إنجليزي" ويُخرجه ليخرج معه أجزاء ممزقة من معدتها تقول التقارير الطبية إنها 5% من أمعائها، ويدمرون لها جهازيها التناسلي والهضمي، ثم يرمونها هي وزميلها بعد أن كُسرت ساقه من الأتوبيس إلى الشارع، بل يحاولون دهسها بالأتوبيس لولا أن صديقها سحبها، لتبقى الفتاة ممزقة تنزف حتى يستيقظ مسئولو العالم المتخلف من غفوتهم وينقذوها، ولكنها لا تحتمل جراحها الكثيرة، يبدأ جسدها في التهاوي خلال أسبوعي العلاج، وتتوقف خلايا مخها وتموت قبل أن ترى العام الجديد في 29 ديسمبر في مستشفى ب"سنغافورة". هذه الفتاة التي لم يتم الإعلان عن اسمها كما ينص القانون الهندي، بدأ المناصرون لقضيتها في إطلاق أسماء مستعارة عليها مثل جاجرتي ومعناه (الوعى) وأمانات (كنز) ونيربهيا (الشجاعة) وداميني (النور)، قام من أجلها العالم وخرج المناصرون لقضايا المرأة في تظاهرات، وربما يصدر قانون جديد للحد من التحرش في الهند باسمها. فتاة الوعي والكنز والشجاعة والنور، تم اغتصابها جماعيا في ميدان التحرير عشرات المرات في العامين الأخيرين، تم تمزيق ملابسها، وسحبها عارية إلى الشوارع الخلفية، ثم ضربها بالأحزمة، وأحيانا تمزيق جلدها بآلات حادة، واغتصابها بالدور. هذه الفتاة مصرية، عمرها دائما ما يتراوح بين 17 و30 عاما، قد تكون متزوجة وأمّاً أحيانا، هذه الفتاة نتعمد التضحية بها مرتين بنشر اسمها وصورها أحيانا والتشهير بها أكثر من المجرمين الذين فعلوا بها ذلك، فنتكلم أحيانا عن لون ملابسها الداخلية! أو نتساءل باستهتار عن "إيه اللي وداها هناك؟؟" كل يوم أقرأ فيه شهادات هذه الفتيات، أتخيل أنني قريبا سأكون مكانهم، أو أختي، أو إحدى قريباتي، أمي نفسها السيدة المسنة لم تعد تسلم من الأذى النفسي والجسماني، خاصة لو كانت تمشي مع إحدانا. لذلك كان يجب أن أكتب، أخيرا انفكّت عقدة لساني وقررت أن أصرخ، إن ما تفعلونه لا علاقة له بالمتعة بالتأكيد، ليس له علاقة أيضا بسلوكها أو ما ترتديه أو درجة إغرائها، إن تمزيق جسد امرأة بالمطواة أو إدخال قضيب معدني في جسدها لا علاقة له بالجنس أصلا، له علاقة بالمرض النفسي، برجال ضعفاء، خانعين، يتم الاعتداء عليهم يوميا بشكل أو بآخر، يتم اغتصابهم أولا وسرقة عقلهم وضميرهم وإنسانيتهم، فيظنون أن في الاعتداء على امرأة إثباتا لقوتهم ورجولتهم الضائعة، إن اغتصاب النساء في العالم كله لا معنى له سوى أن إنسانيتنا انعدمت واغتصبت، إن أكل الجيفة لا يحدث حقيقة إلا عندما نواجه خطر المجاعة، فهل يعاني الرجال مجاعة جنسية حقيقية من أجلها يغتصبون أجسادا بعد أن يقتلوا روحها ويلغوا إرادتها ويأكلوها ميتة؟ أم إنهم مغتصَبون وأذلاء ينتقمون في الكائنات الأضعف شر انتقام، بعد أن نالت منهم مجاعة أخلاقية.