آثار عين شمس تستجيب لمقترحات طلابية وتحيلها لرؤساء الأقسام لدراستها    وفد طلابي من هندسة دمنهور يشارك في فعاليات ملتقى "موبيليتي توك"    أنطاليا التركية تحصد لقب "أول مدينة سياحية للعام" بمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي    بعد هجوم صاروخي هندي.. باكستان: تأجيل الرحلات الجوية التي لم تقلع بعد    لقاء سري بين شخصيات سورية وإسرائيلية في مدينة أوروبية.. صحيفة عبرية تكشف الكواليس    سفير مصر في اليونان: أثينا تقدر دور القاهرة في غزة والعلاقات بين البلدين نموذجية واستراتيجية    الأهلي ضد الاتحاد.. موعد نهائي كأس مصر لكرة السلة    الشحات ينافس الجزيري.. رابطة الأندية تعلن الأهداف المرشحة للأفضل في الجولة الرابعة بالدوري    نقل حسام عاشور للمستشفى بعد تعرضه لأزمة صحية    3 سنوات فقط.. التعليم تكشف خطة إلغاء الفترات المسائية بالمدارس الابتدائية    تطورات جديدة في حادث طالبة علوم الزقازيق| عميد الكلية ينفي شائعة ضبطه.. ومحام يتراجع (صور)    فاطمة الكاشف تشارك في مسلسل "حرب الجبالي"    بعد التوقيع مع محمد منير وأحمد سعد.. روتانا تتعاقد مع حكيم (تفاصيل)    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يرصد صورة المرأة في السينما العربية    مؤتمر دولي بطب قصر العيني يوصي بدمج التقنيات الحديثة لمكافحة العدوى الطفيلية    البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    مدحت نافع: حجم المرونة في سعر الصرف «مقبول»    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    بيسيرو لم يتم إبلاغه بالرحيل عن الزمالك.. ومران اليوم لم يشهد وداع للاعبين    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    اليوم العالمى للربو.. مخاطر تزيد أعراضك سوءاً وأهم النصائح لتجنب الإصابة    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    كراسي متحركة وسماعات طبية للأطفال من ذوي الإعاقة بأسيوط    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    رئيس الوزراء الهندي: حصتنا من المياه كانت تخرج من البلاد سابقا والآن نريد الاحتفاظ بها    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    صحيفة: وزير الدفاع الأمريكي استخدم "سيجنال" في محادثات تضمنت خططا عسكرية سرية    لينك طباعة صحيفة أحوال المعلم 2025 بالرقم القومي.. خطوات وتفاصيل التحديث    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. ميشيل حنا يكتب.. الحجر (1)
نشر في بص وطل يوم 27 - 01 - 2013

كانت المرة الأولى التي أنتبه فيها إلى الحجر وأنا في نحو الثالثة عشرة من عمري، وقبل هذا كان وجود الحجر لا يمثل لي أي شيء غريب أو مثير للانتباه.
بداية أقول إننا نسكن في فيلا في منطقة الزيتون، لسنا في الحقيقة من الموسرين أو أصحاب الأملاك، لسنا كذلك على الإطلاق، فمستوانا الاقتصادي يقع ضمن شريحة الطبقة المتوسطة، بل نحن أقل بكثير من مستوى الطبقة المتوسطة إذا جاز لي أن أقول هذا.
أقول هذا لأن كل من يسمع أننا نعيش في فيلا فإنه يعتقد اعتقادا خاطئا في قدراتنا المالية، هذه الفيلا ورثناها عن جدي، وهي صغيرة الحجم من طابقين على الطراز القديم الذي لا يوحي بأي فخامة من أي نوع، كما أن تشطيباتها الداخلية من النوع الرخيص جدا، بلاط عادي في الأرضيات، والحوائط مدهونة بالزيت إلى المنتصف فقط، وباللون السماوي كعادة الناس في الأرياف، حوائط الحمامات مغلّفة بمربعات القيشاني الأبيض الصغيرة إلى منتصفها أيضا، والمراحيض من النوع البلدي.
بالطبع أثّرت عوامل الزمن في شكل كل شيء ليصير أسوأ مما كان قبلا، فالحوائط كالحة والطلاء قد تقشّر معظمه في كل الحوائط تقريبا، كثير من بلاطات القيشاني مشروخ وبعضها مخلوع في أكثر من موضع.
وبخلاف كل هذا فإننا لا زلنا نستعمل أثاث جدي العتيق حتى الآن، الخلاصة أن الفيلا بحاجة إلى إعادة تشطيب من جديد، مع إعادة تأثيث بالكامل، الأمر الذي يفوق قدراتنا المالية بمراحل.
كان جدي -رحمه الله- موظفا في المتحف المصري في أيام الإدارة الإنجليزية للمتحف، وقد كان الموظف الحكومي شخصا مرموقا في تلك الأيام السعيدة؛ كان المرتب الحكومي يكفي ويفيض، وكان جدي يدّخر أيضا، ولم يكن مرتب جدي عاديا، فقد كانت له حظوة خاصة لدى مدير المتحف الإنجليزي بسبب إجادته التامة للإنجليزية وثقافته العالية، إضافة إلى كونه يقوم بدور حلقة الوصل بين المدير الإنجليزي وباقي الموظفين المصريين، والذين لم يكن معظمهم يجيد الإنجليزية بالقدر الكافي لفهم نصف كلام المدير.
تزوج جدي من إحدى قريباته كعادة أهل ذلك العصر وأنجب والدي، لم ينجب سواه، وبعد فترة قصيرة ابتاع قطعة الأرض هذه وبنى عليها الفيلا، كانت هذه منطقة مخصصة لبناء الفيلات ذات الحدائق الصغيرة ولم يكن يُسمح بزيادة ارتفاع المباني فيها عن طابقين، أعتقد أن إدارة المتحف قد ساعدت موظفيها على امتلاك الأراضي في هذه المنطقة، وإن كنت لست متأكدا من هذه النقطة.
بنى جدي الفيلا وانتقل إليها مع زوجته وابنه، بعدها بوقت قصير تقاعد جدي ليبدأ الجزء السعيد من حياته بعد ذلك؛ كان يقضي وقته ما بين الجلوس في الشرفة في الطابق الأرضي يراقب الشارع الهادئ، وممارسة الزراعة في الحديقة الخلفية، نعم هذا الفناء الخلفي الخرب الممتلئ بالكراكيب والذي يحتوي على هيكل سيارة محترق وتعبث فيه الخنافس وعائلات من حيوان العرسة، كان حديقة غنّاء تمتلئ بأزهار البانسيه والباتونيا، وتعريشة عنب تقطف منها جدتي ورق العنب لعمل المحشي على مدار العام، وفي المنطقة المتاخمة للسور كان جدي يزرع النعناع الأخضر والبصل والفجل والبقدونس والكرّات.
توفي جدي بعد سنوات قليلة، ولحقت به جدتي بعده بعامين، وتزوج أبي في الفيلا التي آلت ملكيتها إليه، وأنجب ولدين، أخي الأكبر الذي يكبرني بأربعة أعوام، وأنا.

***

أما أبي فكان موظفا حكوميا في أحد إدارات مجمع التحرير الضخم، وقد تعيّن أبي في الزمن الذي كانت فيه الحكومة مسئولة عن توظيف الخريجين، عن طريق خطابات التعيين الصفراء التي كان الخريج يقبع في انتظارها إلى أن تصل.
لم نكن فقراء، ولم نكن أغنياء، كما لم تكن حالنا أفضل ولا أسوأ من غيرنا، كانت حياتنا بسيطة، وكانت الفيلا قد بدأت تتدهور بسبب انعدام الصيانة والتجديد، ولم يكن هناك فائض مالي لإجراء أي تجديدات، إلا أن أبي كان يدّخر جاهدا لشراء سيارة صغيرة كانت تمثّل حلمه الخاص، كان ذلك هو العصر الذي بدأ فيه عامة الناس في امتلاك السيارات الصغيرة المصنعة محليا.
استمر أبي في الادّخار واشترى السيارة بالفعل، كان ذلك في الوقت الذي انتبهت فيه للمرة الأولى إلى الحجر.

***

كان الحجر دوما هناك..
في بهو استقبال الفيلا يوجد حجر ضخم يبرز من الأرض ويقبع في وسط المكان، يعلو عن الأرض بنحو متر ونصف، غير منتظم الشكل، يميل بزاوية 45 على الأرض مما يجعله غير قابل للاستخدام كطاولة؛ شكله قبيح ومنفّر ولا يتناسب مع الفيلا، لكنني لم أنتبه إلى وجوده إلا عندما بلغت، كان دوما هناك كشيء عادي وكحقيقة من حقائق الحياة، الأثاث موزع حوله بينما يقبع هو في المنتصف، عندما كنت صغيرا كنت أصعد عليه وأقفز إلى الأرض، أو أصعد وأتزحلق على سطحه المائل الأملس، لكن في ذلك اليوم فقط نبَض وريد في جبهتي وبزغ تساؤل في رأسي: لماذا يقبع هذا الحجر هنا؟
كنت قد عدت لتوّي من بيت أحد أصدقائي، ظللنا نلعب في بيته لعدة ساعات إلى أن تعبنا، وعندما عدت ودلفت إلى الفيلا انتبهت إلى الحجر، اكتشفت للمرة الأولى أن بيوت الناس لا توجد بها أحجار كهذه، وأن وضعنا نحن هو المتفرّد والمختلف.
أخذت أتأمل الحجر فوجدت أن سطحه يحتوي على ما يشبه آثار نقوش ممسوحة، نقوش باهتة جدا وغير واضحة، شيء غريب؛ لأول مرة أنتبه إلى هذه التفاصيل، لماذا نحتفظ بشيء كهذا في بيتنا؟ هل له أهمية خاصة؟
ظل هذا الموضوع يؤرق بالي؛ انتظرت حتى عاد أبي من الخارج وألقيت عليه السؤال: "لماذا يا أبي نحتفظ بهذا الحجر الكبير في بهو الفيلا؟"، تأمّلني أبي قليلا، وقد بدا عليه أنه لاحظ لأول مرة أنني كبرت، سألني ساخرا عما إذا كنت قد أرى الحجر اليوم للمرة الأولى، شعرت بالخجل، وبأن هذا السؤال قد تأخّر كثيرا جدا، قال لي وهو يدلف إلى السرير أن أتركه الآن لأنه مرهق على أن نتحدث غدا؛ بتّ في تلك الليلة أفكر في الحجر وفي السرّ الذي سيخبرني به أبي غدا.
لكن لم يُتح لي أن أسأله في اليوم التالي ولا في أي يوم آخر، ففي الصباح التالي انقلبت السيارة بأبي واحترقت وهو بداخلها.
يُتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.