عبد الباري عطوان إذا كان العام المنصرم هو عام مصر بامتياز؛ فإن العام الجديد قد يكون عام إيران وحلفائها في المنطقة، سلما أو حربا، وفي الحالين سيكون العرب هم الضحية؛ ففي حال السلم هم الغنائم، وفي حال الحرب سيكونون الأدوات، والعشب الذي ستدوسه الفيلة المتصارعة. هناك نظريتان يجري تداولهما في المسرح الغربي؛ الأولى تقول بأن الإدارة الحالية قد تلجأ إلى احتواء إيران، وتسلّم بدورها الإقليمي كقوة نووية عظمى؛ لعدم رغبتها في التورط في حرب ثالثة، وهي التي لم تتعاف من الحربين في العراق وأفغانستان، مضافا إلى ذلك أن أي ضربة عسكرية لن تنتهي، بل ستؤخّر الطموحات النووية الإيرانية لعامين فقط، وستوحّد الإيرانيين خلف قيادتهم، وستحشد بعض العرب أو معظمهم خلف طهران، بعد أن تراجع التأييد لها بسبب دورها في دعم النظام السوري. أما النظرية الثانية؛ فتقول إن قرار الحرب قد جرى اتخاذه فعلا، والاستعدادات جارية لتنفيذه، والربيع المقبل قد يكون هو نقطة الصفر؛ فبنيامين نتنياهو -رئيس وزراء إسرائيل- دعا إلى انتخابات مبكرة يوم 22 يناير؛ من أجل الحصول على أغلبية يمينية تعزّز تفرّده بقرار الحشد والتعبئة للحرب ضد إيران التي جعلها عنوان حملته الانتخابية الحالية. نتنياهو هيّأ لهذه الحرب في الخريف الماضي، وقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي دفع الكثيرين في الإدارة الأمريكية وأوروبا لاستجدائه بعدم الإقدام عليها منفردا، ومنظره وهو يستعرض رسومه الافتراضية عن البرنامج النووي الإيراني من على منصة الأممالمتحدة ما زال ماثلا للعيان. الرئيس باراك أوباما -وتحت ضغوط نتنياهو والكونغرس التابع له- تعهّد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بكل الوسائل، ولكنه رفض في الوقت نفسه أن يقبل بالخطوط الحمراء التي طالبه نتنياهو بوضعها فيما يتعلّق بالتخصيب النووي الإيراني. في شهر مارس المقبل، ستنتهي المهلة التي حددتها القوى الغربية لقبول إيران بشروط الحلّ السلمي، بما فيها تسليم ما لديها من يورانيوم مخصّب فوق درجة العشرين في المائة، ووقف كل أجهزة الطرد المركزي، وتفكيك المنشأة النووية في قمّ (يقال إنها تحت جبل ضخم). من الصعب علينا التكهن بردّ الفعل الإيراني؛ فالإيرانيون خبراء فيما يتعلّق بطرق كسب الوقت، وإطلاق بالونات مضللة لجسّ نبض الطرف الآخر؛ فقد صرّحوا قبل أيام بأنهم مستعدّون للتعاون مع وكالة الطاقة النووية، إذا توقّفت التهديدات الإسرائيلية، ومن غير المستبعد أن يتقدّموا في اللحظة الاخيرة بمقترحات لحلّ الأزمة لإرباك خصومهم. وهناك أنباء عن مفاوضات سرية أمريكية-إيرانية في غرف مغلقة. في موازاة ذلك، تتصرّف القيادة الإيرانية وكأن الحرب واقعة لا محالة؛ فمناوراتها العسكرية لم تتوقّف مطلقا، وتجري الآن إحداها في مضيق هرمز، بينما اختبرت صواريخ بعيدة المدى بنجاح كبير يوم أمس الأول فقط. القوى الغربية أيضا تحشد أساطيلها وسفنها الحربية في مياه الخليج العربي؛ حيث توجد حاليا ثلاث حاملات طائرات أمريكية ورابعة بريطانية، وسحبت بريطانيا قوات لها في أفغانستان وووضعتها في المنطقة، وستبدأ بعد أيام مناورات بحرية إسرائيلية أمريكية يُشارك فيها 3000 جندي أمريكي، وسيظلّ ألف منهم في فلسطينالمحتلة حتى نهاية فبراير المقبل، وربما تمدد فترة إقامتهم. العدوان الإسرائيلي في نوفمبر الماضي على قطاع غزة كان بهدف تحويل أهالي القطاع إلى حقل تجارب؛ لاختبار مدى فاعلية القبة الحديدية في التصدّي للصواريخ الإيرانية فئة "فجر 5" التي تملكها فصائل المقاومة مثل الجهاد الإسلامي، وفي الإطار نفسه نصب حلف الناتو بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية السورية في إطار الاستعدادات نفسها. الإسرائيليون الذين يعيشون حالة من القلق غير مسبوقة، يخشون من أمرين في حال اندلاع الحرب؛ الأول أن تمتصّ إيران الضربات الأولى، وتردّ بفاعلية على أهداف إسرائيلية وقواعد أمريكية في الخليج، والثاني أن يجري استخدام أسلحة كيماوية سورية ضدها في ذروة الحرب أو في حال يأس؛ سواء من قبل النظام السوري أو حزب الله اللبناني. مسئول أردني كبير أكدّ لي أن حالة القلق الإسرائيلية من الأسلحة الكيماوية السورية وصلت إلى درجة وضع خطة لقصفها بطائرات حربية، ولكن الخوف الأمريكي من النتائج؛ خصوصا مقتل عشرات الآلاف من السوريين جرّاء انتشار هذه المواد في الهواء، هو الذي منع هذه الخطة؛ ولكنه لم يستبعد أن يلجأ نتنياهو إلى هذا الخيار في أي لحظة. العقوبات الاقتصادية الخانقة التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها على إيران، أعطت مفعولها في تكبيل وإضعاف الاقتصاد الإيراني؛ فقد انخفضت الصادرات النفطية الإيرانية إلى النصف، وخسر الريال الإيراني ثمانين بالمائة من قيمته؛ ولكن العقوبات لم تسقط أي نظام في التاريخ، ولنا في عراق صدام حسين نموذج؛ حيث صمد 8 سنوات دون أن يصدّر برميل نفط واحدا. يظلّ هناك مَن يُراهن على "ربيع إيراني" ينفجر قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو المقبل؛ ولكننا لا نتوقّع أن ينتظر الإسرائيليون الذين يقولون إن إيران وصلت إلى درجة "الحافة النووية" حتى ذلك الوقت. إدارة أوباما ترتعد خوفا كلما نطق أحد أمامها بكلمة الحرب ضد إيران؛ لأنها تعرف جيّدا ما يمكن أن يلحق بها من كوارث؛ فإيران مدعومة بترسانة حربية داخلية قوية، وحلفاء أقوياء مثل الصين وروسيا والهند، باتت تشكّل مجتمعة تحالفا عالميا قويا. السؤال المهم هو: أين دورنا كعرب؟ الإجابة مؤلمة؛ فالدولة الخليجية الأكبر -أي المملكة العربية السعودية- في حالة من الجمود في ظلّ شيخوخة قيادتها، والوحدة الخليجية ضعيفة، حتى إن زعيمين من ستة فقط حضروا قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في المنامة. وإذا انتقلنا إلى الجوار الخليجي، نجد أن الأردن على حافة الإفلاس، ومصر مشغولة بأزمتها الداخلية ومؤامرات لإفشال ثورتها، واليمن ممزّق، وسوريا تعيش حربا أهلية. وضع عربي مُزرٍ بكل المقاييس؛ فالعرب مجرد كمّ مهمل، وأدوارهم لا تزيد على دور الكومبارس، وأموالهم منهوبة سواء من قِبل الفاسدين أو الدول العظمى، ووحدتهم الداخلية ممزقة بفضل التحريض الطائفي... وكل عام وأنتم بكل خير،،،