يطمئن من يتابع تصريحات السياسيين فى العديد من دول المنطقة إلى أن الهدوء قادم مع تحقيق السلام.. ومن يستمع إلى التهديدات المتبادلة بين العسكريين فى إيران وإسرائيل وسوريا ولبنان وحماس وحزب الله سيقتنع تماما بأن يوم القيامة سيكون غدا لا محالة.. الإسرائيليون تحدثوا عن إعادة سوريا إلى العصر الحجرى.. وتدمير البرنامج النووى الإيرانى.. وتحويل البنية التحتية فى لبنان إلى رماد.. وفى المقابل رد الخبراء فى إيران وسوريا وحزب الله برسم صورة أقرب ليوم القيامة.. وتحدثوا عن آلاف الأطنان من المتفجرات التى ستتساقط على إسرائيل يوميا.. وعن أسبوع واحد سيتاح للإسرائيليين البقاء فيه أحياء قبل أن يقضى عليهم الرد الإيرانى على أى هجوم إسرائيلى. ومن يتابع حرب المناورات العسكرية والتدريبات على مواجهة الحرب القادمة سيتأكد من أن التهديدات يمكن أن تتحول فجأة إلى جحيم تجرى الأطراف المختلفة التدريب على مواجهته.. من مناورة «بيت المقدس» التى قامت بها - الأسبوع الماضى - القوات الإيرانية فى منطقة نصر آباد بمحافظة أصفهان بالقطاع الأوسط من إيران.. والتى تضمنت تدريبات على حرب غير متكافئة واستخدام التكتيكات الدفاعية والهجومية الليلية والنهارية ردا على هجوم أمريكى - إسرائيلى محتمل.. إلى المناورات الإسرائيلية «نقطة تحول - 4»، وهى عبارة عن تدريب عسكرى ومدنى شامل لمواجهة هجوم صاروخى مكثف تقوم به إيران وسوريا وحزب الله وحماس.. وخلال المناورتين وضع حزب الله مقاتليه على الحدود اللبنانية فى حالة تأهب قصوى.. واتهمت إسرائيل سوريا بنشر أكثر من سبعين ألف صاروخ سكود وإم - 600 وصواريخ مضادة للطائرات على حدودها الشمالية.. وتحدثت وسائل الإعلام العبرية عن قيام سوريا وحزب الله بالبدء فى إقامة أطول خط عسكرى يمتد من قرية «رشا الوادى» الواقعة على المنحدرات الغربية لجبل الشيخ - 85 كم من بيروت - باتجاه الشمال إلى قرية عيتا الفخار فى البقاع اللبنانى. مخاوف نووية وصاحب المناورات العسكرية التى زادت حدة التوتر فى المنطقة رسائل سياسية أشعلت هذا التوتر.. فمثلا عندما اتهمت إسرائيل سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود.. هددت بتوجيه ضربات موجعة لكل من دمشقوبيروت إذا قصفها حزب الله بهذه الصواريخ.. كما عبرت إسرائيل عن مخاوفها من أن تفلت إيران من مجموعة رابعة من العقوبات الدولية بعد الاتفاق الثلاثى «إيران وتركيا والبرازيل» لتبادل اليورانيوم الإيرانى.. وقال تساحى هنجبى رئيس لجنة الدفاع فى الكنيست للواشنطن بوست 5/18: «نشعر بالإحباط كون إيران لا تشعر بضغط المجتمع الدولى عليها.. ولا تبالى بمطالب الوكالة الدولية للطاقة أو الأممالمتحدة ونشعر بأن الوقت يضيع». عن حقيقة المخاوف الإسرائيلية بنشرها تقارير تفيد بأن أية عملية ضد إيران اليوم أصبحت غاية فى التعقيد لأنها تحتاج إلى مشاركة 120 طائرة حربية قد لا تعود بسلام بعد إتمام عملياتها.. وهى تحتاج إلى عبور أجواء دول عربية فى طريقها إلى طهران، وهو أمر غير متوافر.. والأهم أن نتانياهو متردد بسبب احتمال أن تؤدى الضربة إلى حرب شاملة فى المنطقة.. وقد يقصف أثناءها مفاعل ديمونة الذى انتهى عمره الافتراضى، وبالتالى فإن أى ضربة له ستؤدى إلى تسرب إشعاعات نووية قد تؤدى إلى وقوع كارثة لا يمكن تصور أبعادها.. ويزيد من حدة المخاوف الإسرائيلية تغير الموقف الأمريكى من التسلح النووى.. بعد أن تم الحديث بحدة بالغة عن الملف النووى الإسرائيلى فى مؤتمر مكافحة الإرهاب النووى.. والاتجاه الأمريكى إلى منع الانتشار النووى فى الشرق الأوسط.. واقتراب الموقف الأمريكى من الموقف المصرى فى هذا الشأن.. بعد أكثر من 45 عاما من التأييد الأمريكى الصامت للتسلح النووى الإسرائيلى.. هذا التغير أدى إلى شعور إسرائيل بأن المخرج الوحيد أمامها للحفاظ على أسرارها النووية هو إعادة الثقة مع واشنطن.. والتجاوب مع مطالبها بتحقيق السلام مع الفلسطينيين ومع سوريا.. وهكذا لم تعد طهران وحدها التى تعانى من مخاوف نووية.. بل أصبحت إسرائيل أيضا تعانى من مخاوف مماثلة.. ربما من هنا تأتى رسائل السياسيين الداعية للسلام على وقع طبول الحرب.. حيث أكدت طهران وأيضا تل أبيب أن المناورات مجرد تدريبات روتينية لرفع درجة الاستعداد.. ولردع نوايا العدوان عند الآخرين. الخطر الصاروخى وزاد التوتر فى المنطقة عندما نشرت صحيفة «ينزا فيسيما جازتا» الروسية تصريحات لرئيس هيئة التعاون العسكرى ميخائيل دمترييف.. أكد فيه أن بلاده تعتزم بيع أسلحة إلى سوريا تتضمن طائرات «ميج 29» ومنظومة دفاع جوى صاروخى «نانتسير سى 1» وطائرات مروحية، وصواريخ مضادة للدبابات، وانتقدت تل أبيب هذه الصفقة وهددت دمشق.. وردا على ذلك حذر محمد ناجى رئيس الوزراء السورى إسرائيل من القيام بأى عملية ضد سوريا لأنها ستتألم كثيرا من الرد السورى.. وقال: لا أحد يريد الحرب، لكن إذا فرضت الحرب على سوريا فإنها ستقاوم حتى آخر فرد فيها لرد العدوان.. وأضاف: إن الجغرافيا والمصالح المشتركة فرضتا الآن تعزيز تكتل إقليمى يلبى مصالح الشعوب ويجمع أربعة أطراف هى سوريا وتركيا وإيران والعراق نأمل أن يتحقق بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. فى المقابل لم تخف إسرائيل تخوفها من الخطر الصاروخى.. وتستعد له ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تحت عنوان «كأنها الحرب» تفاصيل مناورة «نقطة تحول - 4» وتساءلت الصحيفة العبرية: هل إسرائيل تستعد للحرب المقبلة؟ وأضافت إن الحكومة الإسرائيلية بعثت برسائل تهدئة إلى جاراتها تؤكد فيها أن ما يحدث هو عبارة عن مجرد مناورة.. وأنه ليست لديها النية لتصبح أحداثها سيناريو واقعيا.. ونشرت الصحيفة بعض تفاصيل المناورة التى بدأت يوم 5/23 واستمرت خمسة أيام.. وتضمنت التدريب على تهجير عدة آلاف من سكان الشمال إلى الضفة الغربية.. وانفجار فى مصنع البتروكيماويات فى خليج حيفا.. وتعرض وزارة الدفاع والعمارات الشاهقة فى تل أبيب للقصف.. والتدريب على مواجهة انتشار الغازات السامة فى إحدى المدن الإسرائيلية.. باختصار المناورة عبارة عن تدريب الإسرائيليين على كيفية مواجهة يوم القيامة.. المثير هنا أن بعض وسائل الإعلام العبرية نشرت آراء متشائمة لبعض العسكريين المشاركين فى هذه المناورة.. وكان من أهمها أن قادة إسرائيل لا يملكون سياسة واضحة للرد عسكريا على حزب الله وليست لديهم خطة لوقف تدفق الأسلحة والصواريخ من سوريا إليه.. وأن السياسة الوحيدة الآن فى إسرائيل هى عدم القيام بأى عملية عسكرية لوقف التدفق على حدود إسرائيل الشمالية.. وهكذا أصبح علينا الانتظار حتى يبدأ الهجوم الصاروخى لنرد عليه.. فى المقابل صرح متان فلنائى نائب وزير الدفاع المسئول عن هذه المناورة.. أن إسرائيل قادرة على حماية سكانها من أى تهديد.. وعلى أى جبهة.. وأكد كغيره من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أن «نقطة تحول- 4» لا تتجاوز مسألة ضرورة الاستعداد لوقوع حرب وأن هذه التدريبات لا تعنى أن بلاده تنوى خوض حرب ضد لبنان وسوريا. لحل المرتبك فى ظل دعاوى الحرب التى تنطلق من بعض الأوساط الإسرائيلية ويتردد صداها فى طهرانودمشق وغزة وجنوب لبنان.. بدا حل الأزمة واضحا.. ولكنه حل مرتبك إلى أقصى درجة.. فالسلام هو الحل.. ولكن كيف يتحقق ذلك تلك هى المشكلة.. وفى هذا المجال أكد إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلى فى تصريحات متتالية على ضرورة إنقاذ علاقة بلاده مع الولاياتالمتحدة مشيرا إلى أن هناك صفقة أبرمت بين بلاده وواشنطن تضع قضية السلام مع الفلسطينيين وربما السوريين مقابل موقف أمريكى متساهل فى قضية الرقابة الدولية على المفاعل النووى الإسرائيلى.. وجاء حديث باراك متزامنا مع دعوة قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للعمل من أجل مفاوضات مع الفلسطينيين ومع سوريا لدفعها للابتعاد عن إيران وحزب الله وحماس.. وبالتالى تمنع المخاطر المحيطة بإسرائيل - بدون حرب - بسبب الصواريخ التى يملكها حزب الله.. وربما يؤدى اتجاه إسرائيل إلى السلام إلى تراجع إيران عن التسلح النووى... هذا السيناريو الإسرائيلى يضيف عنصرًا جديدًا يحقق أمن الدولة العبرية.. وهو يتعلق بالخوف الإسرائيلى من تغير الموقف الأمريكى من تسلحها النووى.. وفى هذا المجال كتب شمعون شيفر فى يديعوت أحرونوت (9/5) «لقد أصبح على إسرائيل أن تدفع ثمن الحفاظ على سياسة الغموض النووى التى مارستها طوال السنوات الماضية.. هذا الثمن عبارة عن تفكيك المستوطنات فى الضفة وإقامة الدولة الفلسطينية.. وربما التفاوض مع سوريا.. والمشكلة هنا هى أن الحل كما يطرحه باراك وعبر عنه شيفر بنسفه اليمين المتطرف الإسرائيلى نسفا.. تلك هى إسرائيل التى وصفها - الأسبوع الماضى - المفكر اليهودى نعوم تشومسكى بأنها دولة تغيرت كثيرا وأصبحت محكومة من المتدينين والمتطرفين وقوى اليمين.. وأن سياستها فى السنة الأخيرة تشير إلى أنها صارت دولة فقدت عقلها... ووصفها يسرائيل ديفيد فايس - أحد أشهر الحاخامات اليهود المعادين للصهيونية - بأنها دولة إرهابية.. ربما لذلك لن يتوقف التوتر فى المنطقة.. ولن تتراجع احتمالات اقتراب يوم القيامة.. وسوف يستمر التدريب على مواجهة أحداثه.؟