بالأمس أمام قصر الاتحادية أثناء خطاب الرئيس مرسي يقف الإخوان المسلمون المؤيدون لبيان مرسي يهتفون "حرية وعدالة مرسي وراه رجالة".. وفي نفس الوقت تقف المجموعة غير المؤيدة لبيان الرئيس مرسي في التحرير يهتفون من جديد "الشعب يريد إسقاط النظام".. هل هذا آخر ما وصلنا إليه في عهد أول رئيس منتخب انتخابا حرا؟ إن هذا ولا فخر لهو أول مسمار في نعش الوحدة الوطنية وبدء انقسام الشعب وبداية حرب أهلية.. حقيقة أن هذا هو ما فعله هذا الإعلان الذي يضع كل خيوط الوطن بين يدي الرئيس، حتى إننا نشعر كأننا رجعنا إلى عصر الفراعنة التي كان بها الفرعون هو الإله له كل شيء ويفعل أي شيء.. ولا رادّ لقراره أو حكمه. وكما لو كان دم الفراعنة الذي يسير في عروقنا ولعنتهم التي تدور حولنا لا يريدان أن يغادرانا مطلقا!! في نفس الوقت فإن القرارات الخاصة بالنائب العام وبإعادة المحاكمات وبحقوق الشهداء قرارات كافية حقاً لتكون هي القرارات الثورية التي طالب بها أغلب الثوار، وأغلب المواطنين. وكان يمكن حماية هذه القرارات بتعديل قانون السلطة القضائية، دون تحصين الرئيس لقراراته أو تحصينه لمجلس الشورى والتأسيسية المختلف عليهما منذ البداية. إن المادتين الثانية والسادسة من الإعلان الدستوري والخاصتين بتحصين قرارات الرئيس تعطيان الإيحاء بعودة للحزب الوطني من جديد مغلفا باسم الحرية والعدالة، فلا اعتراض على أي فعل يقره الرئيس وبالتالي حزبه، كما أنه من حقه إلغاء أي فعل يفعله الآخرون، حتى إن احدهم أطلق مزحة تقول: "إذن من حق الرئيس الآن أن يصدر قرارا يطلّق به زوجتي مني أو أن أتزوج غيرها، وإن لم أفعل أصبح خارجا عن ثورة 25 يناير وأصبح خائنا ومن حقه أن ينفّذ فيّ القصاص"! لقد أعطى الإعلان للرئيس توكيلا عاما من الشعب المصري دون حق، يقوم فيه بالبيع والشراء والحبس والإفراج والقتل والسماح، من حقه بيع آثار مصر إن أراد، من حقه بيع جزء من أرضها إن شاء، لا أقول إنه سيفعل.. ولكن ببساطة السلطات التي أعطاها الرئيس لنفسه تسمح بكل هذا.. والسياسة لا تخضع للنوايا الحسنة ولا لضمير الحاكم.. بل تخضع للقوانين وللضمانات التي يضمن بها المحكوم ألا يستبد الحاكم. الرئيس الآن له أن يفعل ما يشاء في أي وقت يشاء، وكأن هذا الشعب وأحزابه دمية يلعب بها كيف يشاء.. ألا يرى الرئيس أن من انتخبوه -أو بالأحرى من رجحوا كفته في ميزان الانتخابات في الجولة الثانية- هم من كانوا يطلقون على أنفسهم "لقد عصرنا على أنفسنا ليمونة حتى ننتخب مرسي ونتخلص منه (يقصدون أحمد شفيق)"، وإنهم الآن غالبيتهم يقف ضد قراره؟! ألا يعطي له هذا إشارة على الطريق الذي يسلكه؟ ألم يفكر الدكتور مرسي في أنه بهذه القرارات يعمل على تحويل الشعب إلى فريقين، عندما وقف أمام قصر الاتحادية ليخطب في مجموعة الإخوان، والتي هو متأكد تماما أنهم يساندونه مساندة عمياء، ومنهم من يساند حتى دون فهم؛ لأن هذه هي شيمة الجماعة في السمع والطاعة.. ثم فريق آخر في التحرير ضد القرارات يعترض على ما شابها من الديكتاتورية.. بل هناك فرق أخرى غير الفريقين الكبار فهناك الفلول والمنتفعون والراغبون في خراب البلاد كلها، والرافضون لكل الأطراف.. إذن لم تقسم البلاد إلى فريقين، بل إلى عدة فرق؟؟؟ لماذا خرج الرئيس ليحدث فريقا واحدا فقط أمس أمام قصر الاتحادية؟ ألم يكن من الأفضل أن يخرج من مبنى التليفزيون ليحدّث شعب مصر الذي هو رئيسه؟؟ على أية حال، ففي النهاية أرى أن الوقت لم يفت بعد لإصلاح ما فعله الإعلان الدستوري الجديد؛ فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتراجع فيها الرئيس عن قرار اتخذه حتى لا تقع البلد فيما لا تُحمد عقباه.. من الممكن أن يقوم الدكتور مرسي بعمل اجتماع مع جميع رؤساء الأحزاب كممثلين عن أعضاء أحزابهم، وبعض الممثلين عن القوى والحركات الأخرى، ليتدارسوا المقبول من الإعلان الدستوري والذي يوقف الثورة المضادة دون المواد التي تكرّس للديكتاتورية. بل يمكن للرئيس نفسه دون اجتماعات أن يجري تعديلا في الإعلان الدستوري لتنقيحه مما شابه. وأخيرا على الرئيس أن يصحح بأسرع ما يمكن ما حدث وإلا عليه أن يتوقع دخول البلاد في نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله.