أ ش أ أعربت المحكمة الدستورية العليا عن رفضها الكامل والتام لكل النصوص التي تضمّنتها المسوّدة النهائية للدستور، والتي أعدّتها الجمعية التأسيسية، في شأن المحكمة الدستورية العليا، معتبرة أنها تمثّل ردة للوراء، وانتهاكا بالغا لسلطة المحكمة، وسلبا لاختصاصاتها، وتبيح تدخّل السلطات المختلفة في شئون المحكمة، على نحو يمثّل انتهاكا صارخا في عملها ومكتسباتها الدستورية والقانونية المستقرة. وأشارت المحكمة -في بيان صادر عن جمعيتها العامة- إلى أنها ستظل في حالة انعقاد دائم لحين تعديل النصوص المقترحة بالمحكمة الدستورية العليا في الوثيقة الدستورية. وأعلن المستشار ماهر البحيري -رئيس المحكمة- أنها تابعت النقاش الدائر حول نصوص الوثيقة الدستورية المقترحة من قبل الجمعية التأسيسية، خاصة فيما يتعلق منها بتنظيم شئون المحكمة الدستورية العليا. وأضاف أن المحكمة فوجئت بأن النصوص المنظمة لعملها قد جاءت على خلاف ما اقترحته، على نحو يؤدي إلى عدم تمتعها بالاستقلال الذي يلزم لأداء دورها، وكذا سلب اختصاصات جوهرية منها لا غنى عنها. وأوضح البيان أن النص الأول في مسوّدة الدستور محل الاعتراض، نص على أن المحكمة الدستورية العليا تعد هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، ومؤدى ذلك أن يكون موضعها في الدستور بعيدا عن سلطات الدولة المختلفة، وألا تكون جزءا من أية سلطات منها، بما فيها السلطة القضائية؛ ضمانا للحيدة المطلقة لها، وحتى تكون أحكامها في دستورية القوانين واللوائح ملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة.. غير أن النصوص المقترحة من الوثيقة الدستورية أوردت النصوص المنظمة للمحكمة كفرع من مشروع السلطة القضائية. وأشار البيان إلى أن النص الثاني محل الاعتراض يتعلق باختصاصات المحكمة تضمّن عبارة أن المحكمة الدستورية العليا لا تختص بالفصل في الدعوى الموضوعية، وهو ما لم يقل به أحد ولم تدّعِ المحكمة الدستورية يوما بأنها تختص به، معتبرا أن إيراد هذا النص في الوثيقة يعد أمرا يتنزّه عنه المشرع الدستوري بالضرورة، فضلا عن خلوّ النص من 3 اختصاصات رئيسية هي الفصل في تناقض الأحكام النهائية، ومنازعات التنفيذ الخاصة بأحكام المحكمة الدستورية، وطلبات أعضائها. وذكر أن النص الخاص بتعيين أعضاء المحكمة أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة، بما يشكل ردّة غير مسبوقة عن مبدأ استقلال هذه المحكمة، واختيار قضاتها، كما يمثل تسليطا لإحدى سلطات الدولة وهي السلطة التنفيذية على سلطة أخرى على نحو من شأنه أن يتجاهل ما ناضلت من أجله المحكمة الدستورية بعد ثورة 25 يناير، بما يقصر سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة على الجمعية العامة للمحكمة. وأضاف أنه لوحظ أن هذا النص قد أناط بالجمعيات العمومية لمحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف سلطة اختيار أعضاء المحكمة مما يعد تسليطا لهيئة قضائية على المحكمة الدستورية العليا، في الوقت الذي لا تتدخل فيه المحكمة الدستورية في تشكيل هيئة محكمة النقض أو مجلس الدولة أو محاكم الاستئناف، كما أن هذا النص قد حرم هيئتين قضائيتين وهما هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية من حق أعضائها في الترشيح للتعيين بهذه المحكمة، فضلا عن حرمان أساتذة الجامعات والمحامين من هذا الحق. وجاء بالبيان أيضا أن إضافة الاختصاص بالرقابة السابقة على دستورية مشروعات القوانين من شأنه أن يحصن القوانين من الرقابة اللاحقة على نحو غير ملزم للسلطة التشريعية في أن تلتزم بما أبدته هذه المحكمة من أوجه العوار الدستوري بقرارها الصادر بهذا الشأن. وقال المستشار ماهر سامي -نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المتحدث الرسمي لها- خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته المحكمة بكامل تشكيلها اليوم لإبداء الرأي في النصوص الدستورية المتعلقة بالمحكمة: "إنه بدا واضحا وجليا منذ اليوم الأول لعمل الجمعية التأسيسية، أن البعض داخل الجمعية وخارجها يسعى لتصفية حسابات قديمة والانتقام من المحكمة؛ تحقيقا لمصالح خاصة، على الرغم من سابقة تأكيد المحكمة أنها ليست في خصومة مع أحد". وأشار المستشار سامي إلى أن الجمعية العامة للمحكمة استعرضت مسوّدة الدستور فيما يتصل بعملها وتدارستها، وانتهت إلى أنها جميعها في الشكل والموضوع قد جاءت مبهمة وغامضة ومضطربة، وتمثل جورا على اختصاص المحكمة واستقلالها وردة إلى الوراء. وشدد على أن المحكمة الدستورية العليا تترفع عن الرد على تطاولات البعض ضدها، في الوقت الذي اختار هذا البعض أن يكون خصوما لها وهم خصوم الحرية والشرعية، وأن ولاء المحكمة كان وسيظل للشعب المصري الذي أولاها ثقته في إعلاء الشرعية وسيادة الدستور.