في ذكرى انتصارات أكتوبر، ألقى الرئيس محمد مرسي كلمة مطولة في استاد القاهرة، هنأ بها الشعب والجيش بذكرى النصر، وقام بذكر خطة المائة يوم، وما تم بها.. وعلى الفور هاجت شبكات التواصل الاجتماعي وماجت فيما يشبه الفوران؛ لينقسم أغلبها إلى مجموعة تطبّل وتزمّر للرئيس وخطاب الرئيس وشياكة الرئيس وجمال الرئيس وحلاوة عربية الرئيس... إلخ. بلا أي منطقية أو موضوعية أو الانتظار حتى ينهي الرئيس كلمته فيتم تقييمها. في المقابل رأينا على الفور مجموعة انبرت لتسخر من الرئيس وحوار الرئيس وكلام الرئيس وآراء الرئيس وفكر الرئيس، ولو طالت لسخرت من جيران الرئيس الذين لا يعرفونهم، لمجرد أنهم يرون الرئيس يومياً! وهؤلاء أيضاً لم ينتظروا حتى نهاية الخطاب لينتقدوا الرئيس بحق، بل بعضهم أدار مؤشر القناة واستمع ل30 ثانية فقط، ثم حوّل القناة ولعن كل شيء دون أن يسمع كلمة واحدة. ولذلك بين هؤلاء وأولئك فلقد قررت أن أستمع لخطاب مرسي دون تحيّز مسبق، فلست من دراويش مرسي ولست من مرضى "مرسي فوبيا" المنتشرة حاليا، مرسي بالنسبة لي رئيس تم انتخابه أرى كل فعل يفعله وكل قول يقوله؛ لأقيّمه فأشيد بالجيد وأنتقد السيئ، حتى تنتهي مدته الرئاسية ويعود لصفوف الشعب. سلبيات الخطاب حوى الخطاب عددا من السلبيات هي الأكبر بين كل خطابات مرسي في رأيي، ويعود ذلك في الأساس إلى طول الخطاب الذي يُعتبر السلبية الأكبر، فلقد استمر الخطاب لمدة تقترب من الساعة ونصف، وقيل به عدد كبير من الأرقام وشرح مطول لأمور كثيرة كان يمكن الاختصار فيها، فكان يمكن ذكر نسب تحقيق الأهداف في كل من الملفات الخمس الخاصة بالمائة يوم، مع إرسال بيان للإعلام وعبر صفحة مرسي الرسمية بالتفاصيل الدقيقة والتي استهلكت الكثير من الوقت دون أن تسبب فارقا يُذكر، فقط أصبحت مادة ثرية للسخرية لدى المتربصين. النقطة الأخرى التي تثير الانتباه هي نوعية الحضور في الاستاد، والتي كانت أحد أهم عوامل التشتت بالهتافات المبالغ بها، والتي تخطّت حاجز المقبول والمعقول والذي يُحفّز الرجل دون أن يعيد صنع آلهة مرة أخرى، كما أن مقاطعة الرئيس في كل كلمة يقولها والتصفيق كان أمرا لا يُحتمل يزيد من طول الخطبة، ويقطع تركيز من يحاول الاستفادة مما يقال، كما أن التصفيق كان في بعض الأحيان يأتي بعد تصريحات تعترف بالعجز أو بالتقصير أو بعد تحقق هدف ما، مما يثير تساؤلا عن لماذا يصفق هؤلاء بالضبط؟؟ وسواء كان المصفّقون هم أناس تواجدوا في الإستاد وهم مؤيدون لرئيس مرسي وحضروا بغرض التصفيق أم هم جمهور حقيقي سعيد بالرئيس وحواره، فكان الحل الأمثل أن يتم تخفيض صوت المدرجات، بحيث لا يشوّش على الخطاب ولا يظهر بهذا المظهر. أما ثالث النقاط السلبية في الخطاب فأتت في الأرقام التي أذيعت، والتي يمكن للمواطن العادي الذي لا يملك أجهزة دولة لتحسب له أن يقر بمبالغتها، فأنا كمواطنة مصرية أعيش في شوارع القاهرة أغلب يومي يمكنني القسم قسما مغلظا على أن المرور لم يتحسّن بنسبة 60% وأعرف أنني لن أحتاج كفّارة لقسمي. والدليل على عدم صحة الأرقام أن الرئيس نفسه راجع الرقم الذي كُتِب له في بند النظافة، وقال إنه سيتكلم عما يراه على الواقع، وأن تحقيق الأهداف في النظافة لم يتعدّ 40%، أي أن الرئيس رأى مبالغة في رقم ما وقام بتعديله، ولو أردنا الدقة فكل الأرقام كانت مبالغة، وربما فقط الأقرب للصحة -وليس الصحيح تماما- هو رقم عودة الأمن للشارع، باقي الأرقام حوت مبالغات كان أجدى ألا يقع بها الرئيس، وأن تكون المصارحة كاملة. أما آخر النقاط السلبية التي رصدتها فهي إهمال قضايا مهمة تحوز اهتمام قطاع عريض من المواطنين، مثل الحديث عن ضباط 8 إبريل، أو ما يثار حول تأسيسية الدستور، أو القصاص من قتلة الشهداء وإعادة محاكمة القتلة، وهي كلها أمور كانت تستحق جزءا من خطاب الرئيس المطوّل، والذي لم يهتم بذكر هذه الأمور. إيجابيات الخطاب نختم إذن حوارنا بالإيجابيات، فرغم كون الخطاب حوى الكثير من السلبيات فإنه تمتع بإيجابيات تحدث حصريا للمرة الأولى في مصر وربما في الوطن العربي، وهي الإيجابيات التي أغلق المنتقدون أعينهم عن رؤيتها. أهم الإيجابيات هي أن رئيس الجمهورية يقف ليقدّم بيانا للشعب بما أنجزه وما لم ينجزه، وأن يقف الرئيس موقف المحاسَب الذي يبرر لنفسه وحكومته لماذا لم ينجز كل ما وعد به، فمن كان يحلم قبل الثورة بأن يخرج الرئيس ليقدّم عن أدائه وأداء حكومته كشف حساب؟ من الإيجابيات التي تلفت النظر على الفور أن الرئيس يتابع ما يحدث وما يقال وما يُنتقد به، فهو ليس معزولا في برج عاجي، فهو يعرف جيداً ما وُجّه له من انتقادات، وما قيل عنه طوال المائة يوم، وهو ما يجعل من ينتقد يشعر بجدوى انتقاده، فهو ليس رجعا للصوت يضيع هباء، بل هو صوت مؤثر يصل لوجهته تماماً. والإيجابية الأهم في نقطة الانتقاد هي أن الرئيس ردّ على الانتقادات، لم يترك الشعب "يهوي" مع نفسه كما كان يجرى سابقاً، لم يقل "خليهم يتسلّوا"، بل وقف وردّ وأجاب عن كل تساؤل وانتقاد، من ميزانية الصلاة مرورا بكثرة سفره للخارج وحتى اتهامه بالخوف والعجز أمام المشاكل الداخلية، إلى بدل السفر الذي يتقاضاه الرئيس ومرافقوه. وهذا ينقلنا للإيجابية الأخيرة وهي أن الرئيس وجد نفسه مضطرا أن يبرر سلوكه المالي أمام الشعب، وأنه فعل ذلك، فها هو الرئيس -الذي عشنا عشرات السنين لا نجرؤ على الحديث مجرد الحديث عن أموره المادية- ينفي عن نفسه تهمة بدل السفر، ويؤكد وضعه المادي وسكنه في شقة إيجار، وكون سيارته ملكا للدولة، ها هو الرئيس يذكر بالأرقام بدل السفر الذي يحظى به مرافقوه بالمليم. إذن لقد حاسبنا الرئيس وانتقدناه فلم يتركنا نؤذّن في مالطة، بل وقف أمام الشعب وأجاب، كانت بعض إجاباته منطقية وبعضها يحتاج للمزيد من النقد؛ لأنه لم يلامس الواقع. ولكن المهم ألا نخرج من الخطاب على أنه مادة جيدة لمزيد من التسلية في شبكات التواصل الاجتماعي والمواصلات، فنلقي النكات ونرسم الكوميكس ونكتب 100 ألف ستيتس في الدقيقة، وكذلك سنعتبره فرصة نغتنمها لقضاء الوقت وإشعال الخلافات بين المؤيدين بجنون والمعارضين بجنون؛ لتضيع الحقيقة بين الاثنين.. وينتهي الحوار كأنه فقرة لتسلية "الناس الفاضية" وليس مستقبل وطن!