نشرت دورية سيكور ميموكاد الاستراتيجية الإسرائيلية في عددها الأخير دراسة مهمة للباحثين ألون لفين ويوبيل بوستان، تحلل وضع منطقة الشرق الأوسط بعد نشوب ثورات الربيع العربي وما أعقبها من تحولات سياسية، كان أهمها وصول الإخوان المسلمين إلى مقاليد السلطة في العديد من دول الربيع العربي، وخصوصا بعد النجاحات التي حققها الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، حيث ترى الدراسة أن هذه السياسات أدت إلى إعادة ترتيب أوراق القوى في المنطقة وأعادت مصر إلى سابق عهدها كقوة إقليمية لا يستهان بها. تقول الدراسة الإسرائيلية إنه في أثناء الهجوم الأمريكي في العراق، انقسمت معسكرات القوى في الشرق الأوسط وفقا للتقسيم التالي: دول موالية للغرب، وعلى رأسها مصر ومعها السعودية ودول الخليج والأردن والمغرب، بالإضافة إلى حركة فتح ومسيحيي لبنان.. في مقابلها الدول المعادية للغرب وهي إيران وسوريا والجزائر وبدرجة ما ليبيا، ومعها حماس وحزب الله. إلا أن الربيع العربي أدى إلى تغيير هذا التقسيم وجعل العالم العربي مقسما وفق انتمائه المذهبي وليس وفق ولائه للغرب.. وترى الدراسة أن العالم العربي أصبح مقسما اليوم إلى معسكرين رئيسيين، هما: المعسكر السني، والمعسكر الشيعي، وأصبح هناك صراع سياسي- دبلوماسي يتطور في بعض الأحيان إلى مواجهات عسكرية فعلية، مثلما نرى في سوريا والعراق. المعسكر السني مصر: تقول الدراسة الإسرائيلية إن مصر كانت في عصر المخلوع مبارك أحد أهم العناصر الموالية للغرب في المنطقة، ولكن مع صعود الرئيس المنتخب محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، وقيامها بتطهير الجيش المصري من رجالات مبارك، حوّل مصر من دولة تمثل عنصرا يخدم استقرار نفوذ القوى الغربية في المنطقة إلى دولة تتطلع إلى قيادة المنطقة بأسلوب مستقل عن الغرب. فمشاركة مصر في مؤتمر دول عدم الانحياز بإيران أظهرت الرئيس مرسي كزعيم للعالم السني، لأن انتقاداته التي وجّهها من قِبل طهران إلى سوريا التي تعد أقرب حليف لإيران، حظيت بثناء وتمجيد التيار السني، بينما في المقابل حاول الإيرانيون تحريف أقوال مرسي من خلال استبدال كلمة "سوريا" بكلمة "البحرين" عند ترجمة خطابه، وبعدما قوبل هذا التحريف بالسخرية من قِبل المعارضة الإيرانية نفسها تعلّل النظام الإيراني بأنه خطأ نتج نتيجة أن الرئيس مرسي كان يتحدث بسرعة. وتضيف الدراسة الإسرائيلية أن نظام مبارك ترك تِركة ثقيلة أمام الرئيس مرسي تتمثل في وجود عشرات الملايين من الشعب المصري يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد، لذا يقوم مرسي بجولات مكوكية للعديد من الدول لتوفير الطعام لشعبه، وتزعم أن زيارة مرسي إلى الصين كانت بمثابة إشارة إلى الأمريكيين بأن مصر أصبحت تبتعد عن واشنطن. السعودية: تقول الدراسة إن السعوديين الذين كان يربطهم تحالف قوي مع المخلوع مبارك، يدعمون تقوية المعسكر السني في الشرق الأوسط وتوحيد قوى هذا المعسكر، خصوصا بعد أن أصبح التهديد الإيراني الشيعي ملموسا أكثر وأكثر، في الوقت الذي لا تعمل الولاياتالمتحدة بالجدية الكافية ضد هذا التهديد، وبما أن السعودية تُعد أكثر الدول المُهددة من قِبل إيران نتيجة لقربها الجغرافي، فقد قام السعوديون بتخصيص مبالغ ضخمة للتقارب مع كل من مصر وتركيا، لأنهما الدولتان اللتان تمتلكان أقوى جيوش المنطقة، إلى جانب الجيش الإيراني والجيش الإسرائيلي، بحسب الدراسة. قطر: يشير المحللان الإسرائيليان إلى أن القطريين يستغلون ثروتهم المالية الطائلة لتعويض انتمائهم إلى دولة صغيرة في المنطقة، حيث يواصلون التدخل فيما يجري بالشرق الأوسط عن طريق المال وقناة الجزيرة، فقطر اتخذت على طول الخط موقفا مؤيدا للثورات التي تشهدها المنطقة، وتمثل دعمها في إرسال مساعدات للثوار، والدعاية لهم تليفزيونيا، وربما أيضا تكون قد قامت بإرسال جنود إلى سوريا للمساعدة في الإطاحة ببشار الأسد، كما أن قطر تدعم وتساعد حماس في غزة. تركيا: كما هو معروف فإن تركيا تُعد إحدى أهم دول المحور السني، وشهد العامين الأخيرين تحولات سريعة في قدرة الأتراك على التأثير في المنطقة، وحتى عام 2011م كانت تركيا تُعد من أقرب حلفاء سوريا، حيث كان يُنظر إلى سوريا آنذاك كصوت بارز ضد الغرب، وخصوصا ضد إسرائيل في المنطقة، وسعت تركيا إلى استخدام سوريا كجسر يمكّنها من العودة إلى بسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط التي هجرتها منذ 90 عاما. ولكن المذابح التي يرتكبها نظام الأسد العلوي حاليا ضد السنة في سوريا، أظهرت للأتراك أنهم كانوا مخطئين، وأردوغان الذي أظهر صرامة أمام إسرائيل خلال أزمة السفينة التركية مرمرة، وجد نفسه في مأزق، وعندما أسقطت قوات الأسد طائرة تركية، تجنب أردوغان القيام برد فعل خشية التورط في صدام مع الروس حلفاء الأسد. هذا ونجد أن توسع دائرة العنف في سوريا وضعت أردوغان أمام تحديات خطيرة، حيث تدفقت موجات اللاجئين إلى داخل الأراضي التركية، الأمر الذي يُثقل كاهل الاقتصاد التركي الذي يشهد أصلا مشكلات اقتصادية جمّة، أضف إلى ذلك مشكلة الإقليم الكردي السوري، الذي يخشى الأتراك من أن يعلن عن إقامة حكم ذاتي به، على غرار ما حدث لأكراد العراق، الأمر الذي قد تنتقل عدواه إلى أكراد تركيا، لذا نرى أن أنقرة زادت خلال العام الأخير من عملياتها ضد الأكراد في تركيا. المعسكر الشيعي إيران: ترى الدراسة الإسرائيلية أنه لولا العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لتمكنت هذه الدولة الشيعية من بسط سيطرتها على المنطقة بدون أي عراقيل، فطهران كانت قد نجحت في مرحلة ما من توسيع نفوذها في المنطقة، بما في ذلك شمال إفريقيا، لكن العقوبات جاءت لتضعفها، والآن يقوم الإيرانيون بضخ مساعدات بشكل ثابت لسوريا، للمحافظة على نظام الأسد، لأن هذا النظام كان يمثّل محطة انطلاق لطهران للتوغل في الشرق الأوسط، وسقوطه سيفقِد طهران هذه الميزة، كما سيؤدي إلى قطع قناة الاتصال الرئيسية بين إيران وحزب الله. العراق: أمام هذا الضغف الإيراني، يظهر لاعب جديد- قديم في المنطقة، ألا وهو العراق، تلك الدولة التي تحولت مع سقوط صدام حسين من دولة سنية معادية للغرب إلى دولة شيعية موالية لإيران، فالقيادة العراقية الحالية على الرغم من أنها وصلت إلى وضعها الحالي بفضل المساعدات الأمريكية، لكنها تُعد أكثر قربا من إيران وليس من أمريكا.. وتقول الدراسة إنه مع مغادرة آخر جندي أمريكي العراق، ستقوم القيادة الشيعية العراقية بسحق الأقلية السنية بالدولة بشكل ممنهج وعلني، بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية الطائفية الدائرة هناك. لبنان: يتمتع حزب الله بوضع رائد في لبنان من فترة قريبة، وتمكّن في عام 2011 من تعزيز مكانته في بلاد الأرز, إلا أن ضعف شركائه الإيرانيين وبشار الأسد، سيضع حزب الله في موضع دفاعي، ومن شأن ذلك أن يقوده إلى العمل على ضمان بقائه بشكل مستقل دون الارتباط بخطوات المعسكر الشيعي الذي ينتمي إليه، لأن حزب الله يعلم علم اليقين أن سقوط الأسد معناه انتقال سوريا من المعسكر الشيعي إلى المعسكر السني. الجزائر: تزعم الدراسة الإسرائيلة أن هناك دولة أخرى ما تزال حتى وقتنا هذا أكثر قربا إلى التيار الشيعي، ألا وهي الجزائر، فهذه دولة شمال إفريقية تواصل دعمها ومساندتها لنظام بشار الأسد، وهي تشكّل بذلك صوتا منعزلا داخل جامعة الدول العربية، وتشير الدراسة إلى أن الجزائر تقوم خلال الأعوام الأخيرة ببناء جيش حديث، الأمر الذي سيجعلها صاحبة ثاني أكبر جيش في شمال إفريقيا وفي العالم العربي بعد مصر، مضيفة أن التهديد الجزائري موجّه في أساسه اليوم إلى جارتها اللدودة المغرب.