رفضت تل ابيب منذ بداية عام 2004 العديد من اقتراحات الوساطة التركية لتحقيق السلام السوري – الاسرائيلي، وبعد عام 2006 السلام الاسرائيلي – الفلسطيني. وفسر البعض التغيير في الموقف الاسرائيلي نحو القبول بالوساطة بالعديد من السيناريوهات الداخلية والاقليمية والدولية، وفي مقدمتها هزيمة اسرائيل في حرب يوليو امام حزب الله والخوف من تكرار مثل هذه الهزيمة في حالة الهجوم الجديد على لبنان او سوريا. وهو ما اقتنع به القادة العسكريون الاسرائيليون بعد المناورات الشاملة التي جرت أخيرا، فيما اعتبر آخرون فشل تل ابيب وواشنطن في تصفية الحسابات مع حماس عبر محمود عباس او بالقصف المستمر على غزة،سببا آخر دفع تل ابيب الى السعي من اجل خيارات اخرى تساعدها والحليفة واشنطن في التخلص من حزب الله بإبعاد دمشق عنه وعن طهران ودورها في لبنان والعراق والمنطقة عموما. تعامل بأسلوب جديد ودفعت كل هذه المعطيات والحسابات والسيناريوهات تل ابيب ومعها واشنطن للتعامل مع الاقتراحات التركية من جديد باسلوب جديد، وخصوصا لما لاردوغان ورئيس الجمهورية عبدالله جول من علاقات مميزة مع الرئيس الاسد وقيادات حماس ايضا، حيث كاد جول عندما كان وزيرا للخارجية ان ينجح في اخلاء سبيل الجندي الاسرائيلي المختطف لدى حماس جلعاد شاليت لولا تسريب الاسرائيليين معلومات عن وساطته السرية آنذاك. وشجع النجاح التركي في جمع وزيري خارجية اسرائيل وباكستان في اسطنبول صيف 2006 المسؤولين الاسرائيليين على القبول بالوساطة التركية من جديد، ظنا منهم ان اردوغان قد يقنع الرئيس السوري بشار الاسد بصفقة منفردة مع تل ابيب تعيد له الجولان بالكامل، مقابل التخلي عن حماس وحزب الله، طالما ان الفلسطينيين غير متفقين في ما بينهم، كما ان حزب الله شأن لبناني داخلي يمكن معالجته بمعادلات اقليمية ودولية جديدة، يكون لسوريا ايضا فيها دور مهم في اطار موازنات اقليمية عربية – عربية بعيدا عن الدور الايراني. وترى تل ابيب ومعها واشنطن في مثل هذه الاحتمالات، ان نجحت، فرصتها الثمينة لحسم مشكلة الملف النووي الايراني وحل مشاكل العراق باستبعاد ايران التي تفتقر للدعم السوري من الساحة العراقية بانعكاسات ذلك على المنطقة عموما وخاصة الخليج. السؤال الأهم ويبقى السؤال الاهم بالطبع هو هل سيقبل الرئيس السوري بشار الاسد بهذه الصفقة التي ستنهي الدور «القومي التقليدي» لسوريا مقابل علاقات جديدة مع واشنطن وربما الغرب عموما؟ .. وكيف؟ تطورات السنوات الخمس الاخيرة اثبتت ان تركيا كانت وما زالت الصديق وربما الحليف – الوحيد للرئيس الاسد في المنطقة (بعد ايران ربما) الذي دافع عنه اردوغان وجول حتى في البيت الابيض، ايمانا منهما بأهمية سوريا في المعادلات الاقليمية، وبشكل خاص، في ما يتعلق بمستقبل العراق وشماله تحديدا، حيث إن سوريا ومعها الحليف ايران طرفان مهمان جدا في مجمل الحسابات الخاصة باحتمالات قيام الدولة الكردية في العراق، ومستقبلا في المنطقة، مع استمرار الشك التركي بالسيناريوهات الاميركية بل وحتى الاسرائيلية في هذا الموضوع. كما يرى اردوغان وجول في الرئيس الاسد – بعد الثقة المتبادلة بينهم، عنصرا مهما لمواجهة مجمل تطورات المنطقة باعتبار ان سوريا الحدود الجنوبية الآمنة لتركيا التي لا تريد المزيد من المشاكل قرب هذه الحدود مباشرة، او عبرها في لبنان وفلسطين او الشرق الاوسط عموما، خصوحصا في ضوء ما يشهده العراق من مشاكل خطيرة تهدد بتمزيقه واحراق المنطقة عموما. وقد سعى قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ استلامهم للسلطة نهاية عام 2002 لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ليساهم ذلك اولا في دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي التركي، ثم في دعم الدور السياسي والاقتصادي التركي من خلال علاقات مميزة نجح اردوغان وجول في اقامتها مع جميع دول المنطقة منذ ذلك التاريخ، في محاولة منهما لاثبات فعالية الطروحات التركية الجديدة التي تدعو لاعادة النظر في مجمل معطيات المنطقة.