وسط الأجواء الملبدة بالغيوم التي تظلل سماء منطقة الشرق الأوسط علي خلفية التوترات المتزايدة الناتجة عن تعقد الملفات العالقة والقضايا الخلافية التي تموج بها، بدءا من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تيبست مساعي تسويته علي جميع المسارات المعلقة، مرورا بالأزمة النووية الإيرانية، التي تتصاعد وتيرة سخونتها بشكل مقلق خلال الآونة الأخيرة، وانتهاء بما يجري في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق، لم تتورع إسرائيل عن مضاعفة سحب التشاؤم بشأن مستقبل السلام والأمن والاستقرار في ربوع الشرق الأوسط عبر إطلاق التهديدات بإشعال المنطقة والتلويح بعودة المواجهات المسلحة بين دوله. ففي مسعي منها لاستهداف الاستقرار والأمن في المنطقة، عمدت إسرائيل علي لسان بعض قادتها ومسئوليها إلي إطلاق تهديداتهم ووعيدهم لبعض الأنظمة الحاكمة كما حركات المقاومة المسلحة في العالم العربي.فلا يكاد يمرّ أسبوع إلا ويصدر قادة إسرائيليون تهديدات موجهة باتجاهات مختلفة، وتقوم وحداتهم العسكرية بالمناورات قرب حدود لبنان، وتخرق طائراتهم الأجواء. ففي نوفمبر الماضي، وإبان مساءلة له أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بدأ رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي جابي أشكنازي حملة التهديدات والتصعيد الإسرائليين حينما أكد أنه في حال قيام حزب الله بأي عملية انتقامية ردا علي اغتيال قائده العسكري عماد مغنية فإن ذلك سيحتم علي إسرائيل الرد وبقوة وسيؤدي إلي تدهور الأوضاع الأمنية علي الحدود بين إسرائيل ولبنان واندلاع مواجهة عسكرية جديدة. تزايد الضجيج الإسرائيلي بشأن التهديد بالحرب منذ شهور.، وقبل أشهر قلائل، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أن عدم التوصل لاتفاق سلام مع سوريا وفقا للشروط والتصورات الإسرائيلية التي تنادي بالسلام مقابل السلام مع احتفاظ إسرائيل بهضبة الجولان السورية المحتلة قد يؤدي إلي صراع مسلح يمكن أن يتطور إلي حرب شاملة.وفي ذات السياق، وحينما اتهمت دمشق قادة إسرائيل بدفع المنطقة نحو الحرب رد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان في وقت سابق هذا الشهر بقوله إن دمشق ستهزم وسيفقد الرئيس بشار الأسد السلطة في أي صراع في المستقبل. وبالتزامن مع ذلك، كانت المنطقة تشهد تحضيرات عسكرية ملفتة في أكثر من موضع كالمناورات العسكرية الإسرائيلية، وآخرها تلك المناورة التي أجريت في منطقة النقب أواخر الشهر الماضي، والتي حاكت حرباً إسرائيلية ضد سورية، وهو الأمر الذي تواكب مع نصب منظومات الدفاع الصاروخي في إسرائيل، والتي يطلق عليها"القبة الحديدية" فضلا عن أخري في أربع دول خليجية تضمنت صواريخ باتريوت، إضافة إلي تسريع عمليات بيع صفقات الأسلحة إلي دول الخليج العربية. كذلك، كشف تقرير إعلامي أن إسرائيل بدأت تطور قدراتها العسكرية بجيل جديد من الأسلحة المصممة لمواجهة أي هجوم إيراني أو خوض حرب محتملة مع حزب الله اللبناني أو حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة.فقد نقلت وكالة أسوشيتد برس للأنباء عن مصدر في الشركة الإسرائيلية الصانعة لما تعرف ب"القبة الفولاذية" أن القوات الإسرائيلية اختبرت بنجاح نظاما يطلق سحابة من الصواريخ لاعتراض وإسقاط أي صواريخ قد يطلقها حزب الله من جنوب لبنان أو حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية من غزة.وأوضح المصدر أن الحكومة الإسرائيلية تعد لنشر النظام الجديد خلال العام المقبل وسط تأكيدات إسرائيلية بأن حزب الله اللبناني ضاعف قدراته الصاروخية ثلاث مرات قياسا لما كان عليه قبل حرب 2006، كما طورت حماس مخزونها الصاروخي بنماذج جديدة تضع تل أبيب في مرمي نيرانها لأول مرة، علي حد قول رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين.وفي رد منها علي التهديدات والاستفزازات الإسرائيلية، دعت الحكومة السعودية المجتمع الدولي إلي اتخاذ موقف حازم من تلك التهديدات الإسرائيلية للبنان وسوريا والفلسطينيين. وقال بيان لمجلس الوزراء السعودي بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة الملك عبد الله بن عبد العزيز إن الحكومة تناشد المجتمع الدولي ضرورة اتخاذ موقف صارم إزاء هذه التهديدات الإسرائيلية. وفيما يخص الأزمة النووية الإيرانية، عمدت إسرائيل أيضا إلي مواصلة سياسة تفزيع المجتمع الدولي من مخاطر البرنامج النووي الإيراني توطئة لحضه علي اتخاذ تدابير تصعيدية ضد طهران، ففي أثناء زيارته لموسكو في ديسمبر الماضي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إن جميع الخيارات متاحة للتعامل مع إيران، مؤكدا عدم جدوي أي وساطة تبذلها روسيا ودول أخري لتسوية الأزمة النووية مع هذا البلد، واعتبر إعلان نجاد نية إيران إنشاء عشرة مواقع نووية جديدة لتخصيب اليورانيوم، معتبرا أن ذلك كان بمثابة صفعة قوية لكل من ساوره أمل بأنه من الممكن التوصل إلي اتفاق مع إيران بطرق سلمية. ولم تقتصر تهديدات المسئولين الإسرائيليين علي نذر الحرب والمواجهات العسكرية فقط، وإنما إمتدت لتطال عملية السلام أيضا، حيث تباروا في إطلاق التصريحات التي تبعث علي التشاؤم بشأن مستقبلها الغامض، ففي ديسمبر الماضي، توقع وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان خلال لقاء مع سفراء أجانب في إسرائيل ألا يتحقق السلام مع الفلسطينيين في العقدين المقبلين حتي لو تم الانسحاب إلي حدود 1967 مع التنازل عن أجزاء من القدسالشرقية، وأن تركيا لن تكون وسيطا في مفاوضات مستقبلية بين إسرائيل وسوريا ما دام هو يتولي منصب وزير الخارجية، وإن هذه المفاوضات يمكن أن تكون مباشرة فقط.وقبل أيام، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن الوزير الإسرائيلي يوسي بيلد قوله خلال ندوة بمدينة بئر سبع جنوب إسرائيل إن تل أبيب لم تضع السلام مع جيرانها هدفا ينبغي تحقيقه، وإن الهدف الأولي لها هو ضمان وجودها كدولة لليهود فقط إلي الأبد، وفي مسعي منه لتعقيد الأمور علي المسار السوري من خلال سد الطريق أمام الوساطة التركية، أعلن أنه لن تكون هناك وساطة تركية طالما بقي هو وزير خارجية إسرائيل وحزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه في الحكومة، وطالب السوريين بالحوار المباشر مع إسرائيل إذا كانوا يريدون التفاوض واعتبر نشوب حرب جديدة مع حزب الله اللبناني مسألة حتمية. وفي ذات السياق، يؤكد المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، أن مواقف أعضاء المجلس الوزاري المصغر، الذي يتخذ القرارات المهمة، حيال المفاوضات مع سورية تبين أن وزيرين فقط هما باراك ودان مريدور، يؤيدان التوصل إلي سلام معها مقابل الانسحاب من هضبة الجولان، فيما يعارض الخمسة الآخرون وهم نتنياهو وليبرمان وموشيه يعلون وبيني بيجن وإلياهو يشاي هذا الانسحاب. وفي محاولة لوضع عقبة جديدة أمام السلام، صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علي سن قانون يمنع التوصل إلي اتفاق سلام دون حصول اللاجئين اليهود علي ظروف مماثلة للاجئين الفلسطينيين، ويطالب مشروع القانون حكومة إسرائيل لدي بحث موضوع اللاجئين الفلسطينيين في إطار مفاوضات السلام المرتقبة بأن تطرح موضوع منح اليهود الذين هاجروا من الدول العربية ويقدر عددهم ب1.5 مليون شخص تعويضات لقاء فقدانهم أملاكهم وحقوقهم في الدول التي جاؤوا منها.ووفقا لنص مشروع القانون، فإن مواطني إسرائيل اليهود الذين قدموا إلي البلاد من الدول العربية التي كانوا يقيمون فيها، في أعقاب قيام دولة إسرائيل، وتركوا أملاكهم في البلاد التي جائوا منها هم لاجئون بموجب تعريف ميثاق اللاجئين للأمم المتحدة، وهو المشروع الذي أقره الكونغرس الأمريكي في فبراير من عام 2008. وتعكس التهديدات الإسرائيلية أيضا مستوي التطرف الذي وصلت إليه حكومة إسرائيل اليمينية الحالية وأنصارها إلي حد كراهية السلام والظمأ للحرب والصراع، فثمة من يري فيها مسعي لإحباط اتصالات سرية غير مباشرة تجري بين إسرائيل وسورية هذه الايام، وفق ما ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية. وهي الحالة التي من شأنها، إذا ما استمرت وتفاقمت ولم تكبح جماحها، أن تزج بالمنطقة برمتها إلي مرحلة حرجة مفتوحة علي احتمالات شتي علي شاكلة دفع إيران لرفع منسوب التحدي إلي مستوي إعلان الرئيس أحمدي نجاد، أخيراً، البدء في إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة والتهديد برفعه إلي 80% مستقبلا.