أبلغت إسرائيل رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان. عبر أكثر من جهة أوروبية. وأمريكية ضرورة وقف تحركاته السياسية والإعلامية والشعبية.. وأي إجراء قد يقدم عليه اثر الهجوم الصهيوني علي سفينة مرمرة التركية الذي أسفر عن قتل فرقة خاصة في الجيش الإسرائيلي تسعة مواطنين أتراك كانوا علي متنها. وهم جزء من حملة دولية لنقل مساعدات إنسانية إلي قطاع غزة المحاصر. قالت إسرائيل في رسالتها ان استمرار أردوغان في تصعيد مواقفه ضد إسرائيل الذي قد يحرجها كثيراً. أمام الرأي العام الدولي. خاصة إذا وجدت إسرائيل نفسها مضطرة لأن تعتقل أردوغان إذا ما قرر ركوب سفينة تركية متوجهة لميناء غزة "كما أشار إلي ذلك الكاتب التركي جنكيز شندار في جريدة "المستقبل" اللبنانية التي يملكها الرئيس سعد الحريري". وان حصول أمر كهذا سيحدث زلزالاً في العلاقات الإسرائيلية التركية. وفي مسار العلاقات الدولية بين الأمم في هذه المنطقة. لأن إسرائيل لن تتراجع في شأن بات لا يهدد أو يحدد مسار حكومة بنيامين نتنياهو وحدها. بل يهدد أمن الدولة الصهيونية بأسرها. لم يتوقف الابلاغ الصهيوني لأردوغان عند هذا الحد.. رغم خطورته. بل ان الأخطر هو التهديد الصهيوني لأردوغان بإحراجه هو داخلياً عند الشعب التركي. والأهم عند المؤسسة العسكرية التي تخوض صامتة معركة الدفاع عن الصلاحيات واستمرار سيطرتها علي الحياة التركية علناً وتحت الستار منذ نحو 75 عاماً. التهديد الصهيوني تحدث بوضوح عن استعادة دور سابق في جنوب شرق الأناضول وشمال العراق قامت به إسرائيل مع الأكراد. يمكن أن يؤذي تركيا كلها. كما العراق كما إيران وسوريا. التهديد الصهيوني شرح بأنه كان يهدئ من دوره في الوسط الكردي العام مركزاً أحياناً علي دعم أكراد العراق ضد الأنظمة التي حكمت بغداد وشاركت في القتال ضد إسرائيل في حروب 1967 1973 وما بينهما. ثم خلال احتلال الجيش العراقي للكويت عام 1990 1991 حين قصف الجيش العراقي تل أبيب بما مجموعه 45 صاروخ سكود. دعم أو تعاون إسرائيل الجزئي مع أكراد العراق كان دقيقاً جداً ومحدداً جداً. ولم يتجاوزه للتعاون مع أي جهة كردية كانت تناصب النظام التركي العداء. وتخوض معه حرب عصابات. حزب العمال الكردستاني برئاسة عبدالله أوج آلان. التهديد الصهيوني لأردوغان متوجه الآن نحو تحريض ومد يد المساعدة للأكراد في تركيا نفسها للتحرك ضد أمن تركيا. بما يحيل حياتها إلي سلسلة من التفجيرات والاغتيالات. وتصعيد قبضة الأمن التركي للمحافظة علي الاستقرار ومواجهة التهديدات الكردية. وقد يتساءل البعض هنا: أليس بين تركيا وإسرائيل اتفاقيات عسكرية يتمسك بها الجيش التركي الآن. ولا يريد التفريط بها. ويسعي للتفريق بين الخلاف السياسي الإعلامي الآتي بين تركيا وإسرائيل. وبين المصالح الاستراتيجية بينهما التي تجعل الحلف الأطلسي أهم داعمي إسرائيل في المنطقة. وتجعل الجيش التركي ثاني أكبر قوة عسكرية في هذا الحلف بعد جيش الولاياتالمتحدة الأمريكية؟ ألا يشكل هذا إحراجاً للجيش التركي ويدفعه لمناصبة إسرائيل العداء. وإلغاء كل الاتفاقيات العسكرية بين الدولتين؟ هنا بيت القصيد حيث تتصور إسرائيل أن مد يد المساعدة للأكراد من شأنه تصعيد الأمور عسكرياً. داخل تركيا واستنفار كامل ودائم للجيش التركي الذي لن يتساهل أبداً في مواجهة أي تحرك كردي. وقد يستدعيه ذلك دور أكبر في الحياة السياسية التركية. في مظهر الدفاع عن الكرامة الوطنية التركية في مواجهة التهديد الكردي. إسرائيل تعتقد أن استعادة الجيش التركي لدوره الذي يتآكل في السلطة والقرار في أنقرة بعد صعود الحالة الإسلامية المعتدلة التي يمثلها رجب طيب أردوغان وحزبه. سيكون لمصلحة تقوية العلاقات بين إسرائيل وهذا الجيش باسم الوقوف مع تركيا ضد الأكراد.. وباسم دعم إسرائيل للأكراد والحاجة للتفاهم معها لوقف هذا الدعم! وهكذا تضرب إسرائيل عدة عصافير بحجر واحد: الأول: هو إلزام تركيا الإسلامية بوقف تبني قضية غزة أو رفع الحصار الصهيوني عنها. مقابل وقف إسرائيل دعمها المفترض المهددة به. للأكراد. الثاني: إعادة الاعتبار للجيش التركي في القرار السياسي الداخلي من خلال استدراجه للمواجهة المسلحة والاستنفار الدائم. ومترتبات الاستنفار والمواجهة من دور أكيد في الميزانية والتسليح والتعبئة والحضور السياسي. الثالث: هو جعل القضية الكردية علي مستوي القضية الفلسطينية في الضمير العالمي. وفي ضمير المسلمين والعرب كذلك. فإسرائيل تملك أن تروج أمام العالم كله. ان هناك قضية حق كردية في تركيا والعراق وإيران وسوريا. مثلما يتحدث المسلمون والعرب عن قضية فلسطين. حتي إذا كان هذا الترويج قضية حق يراد بها باطل. فإن هذا لا يلغي المعاناة الكردية في هذه البلدان علي مر السنين خاصة الآن في إيران وتركيا. والاعتراض الشديد في سوريا نفسها حول مسألة الحقوق الكردية.. وهي دول تتبني بدرجات قضية الحق الفلسطيني. فمن يصدق هذه البلدان وهي "تتبني" بهذا الحماس وعلي درجات القضية الفلسطينية. وهي تضطهد وعلي درجات الأكراد الذين يطالبون بحقوقهم القومية؟ وإسرائيل تملك أن تروج إعلامياً حتي وهي تعيش وتستهدف الباطل انها بصدد البحث في إقامة دولة فلسطينية ظهرت تباشيرها في اتفاقية أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية.. وها هي تدخل مفاوضات غير مباشرة مع السلطة الوطنية الناتجة عن هذه الاتفاقية للبحث في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة!! فمن هي الدولة العربية والإسلامية من المتحمسين للقضية الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية مستعدة لإقامة دولة كردية علي أراضيها: إيران. تركيا. سوريا. العراق. فماذا يعني دعم الأكراد؟ عندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان عام 1982. اقترح عدد من قادة الميليشيا المسيحية التي كانت في نزاع عسكري مع المنظمات الفلسطينية المسلحة والأحزاب اللبنانية المتعاونة معها علي الرئيس الأسبق كميل شمعون إنشاء دولة مسيحية تمتد من شرق بيروت حتي زحلة لتضم جبل لبنان وبعض البقاع وبعض الشمال. رد الداهية المخضرم كميل شمعون بالقول: "اسمعوا لبنان لا يتقسم إلا إذا تقسم العراق. إذا شاهدتم العراق يتقسم. فهذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة. عندها يمكن أن تنشأ دولة مسيحية صغيرة في هذا المشرق كما تنشأ دولة كردية في تركيا. ودولة علوية في سوريا وإلي جانبها دولة درزية وأخري سنية. ودول كردية وعربية وأذرية وبلوشية في إيران". إذن. نجاح قيام أي دولة جديدة علي أساس طائفي أو عرقي بين تركيا وإيران والعراق وسوريا سيؤدي إلي دويلات ربما تتجاوز العشر في هذه الدول. وتزول تركيا وإيران وسوريا والعراق الحالي كما زالت يوغوسلافيا أمام أعيننا لصالح دول كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا والجبل الأسود وأخيراً البوسنة والهرسك. انه المشروع الحلم الصهيوني الذي قد يكون آخر الكي. خاصة وان المشروع التوسعي الإيراني يعمل لصالح هذا المشروع الحلم الصهيوني. فاسقاط الروابط القومية باسم الإسلام كما تنادي إيران والجماعات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين وملحقاتها.. ثم اسقاط الروابط الإسلامية الجامعة لحسابات مذهبية كما هو حال النظام الإيراني من خلال أدواته في العراق "حزب الدعوة المجلس الأعلي الصدر" وفي لبنان "حزب الله" وفي اليمن "الحوثيين" وفي دول الخليج العربي "الجماعات الشيعية المرتبطة بإيران" كل هذه الاختراقات باسم فلسطين هي الباب الملكي لتفتيت المنطقة خدمة للمشروع الصهيوني الحلم. وتهديد إسرائيل لأردوغان بالكف عن تصعيد مواقفه ضدها ومزيد من تبني القضية الفلسطينية عبر بوابة "حماس" الإخوانية. هو مدخل التنفيذ الفعلي لهذا المشروع الصهيوني الحلم. حماس أما الابلاغ الصهيوني الثاني لرجب طيب اردوغان. فجاء علي شكل تذكير بأن محاولة استعادة تركيا لدور لها في المشرق العربي يجئ هذه المرة عن طريق حركة "حماس" باسم حصار غزة التي يجمعها مع حزب "العدالة والتنمية" الذي يرأسه اردوغان المنهج الإسلامي وملهم الاثنين هم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. لكأن إسرائيل تقول إن سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية مطلع القرن العشرين. هو الذي ألهم الشيخ حسن البنا إنشاء جماعة الإخوان عام 1928. ان استعادة اردوغان "لأحلام" هذه الخلافة. يتم عبر أحد فروع جماعة الإخوان المصرية.. حماس الفلسطينية "اقرأوا مرة أخري ترحيب رئيس حكومة حماس في غزة إسماعيل هنية بعودة الخلافة العثمانية اثر هجوم إسرائيل علي سفينة مرمرة التركية". ومن شأن هذا الدخول التركي للمشرق العربي عبر حركة الإخوان الفلسطينية. وضع حاجز ضخم أمام التحرك التركي بسبب العداء المستحكم بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة المصرية. التي مازالت تري وفق القانون ان هذه الجماعة محظورة وغير شرعية وهي في الأصل محظورة في أكثر من بلد عربي. وفي سوريا ينص القانون 49 علي إعدام كل شخص ينتمي إلي الإخوان المسلمين! فتركيا لا يمكن أن تدخل المنطقة باسم المواجهة مع إسرائيل بالعداء لكبري الدول العربية مصر. كما ان تركيا بهذا التبني للمسألة الفلسطينية إعلامياً علي الأقل عبر البوابة الإخوانية. تقيد حركتها لأن الدولة العربية الكبيرة الثانية بعد مصر وهي المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تقبل تجاوز مصر في هذه المسألة ومازالت تحمل حركة "حماس" مسئولية فشل المصالحة مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي من شأنها انهاء حصار غزة لو شاءت حركة "حماس" ذلك. ماذا يعني توجيه اردوغان دعوة لنصر الله لزيارة تركيا؟ إذا كان صحيحاً ونرجو أن يكون كذلك ان رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان وجه دعوة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لزيارة تركيا. فهو فتح مهم في مسار الحزب وفلسفته وسياسته. إذا استطاع تلبية الدعوة. وإذا نشأ عن الدعوة واللقاءات التي سيجريها السيد نصر الله في تركيا فتح خيارات متعددة لحزب الله تخرجه من قوقعته الفارسية الشيعية. لا أحد يستطيع توقع ما يمكن أن يدور بين الرجلين من أحاديث لكن امكانية الاستنتاج والتحليل تظل مفتوحة علي مصراعيها وتغري بأطنان من الحبر يندلق والتصريحات والتعليقات والمفاجآت تتوالي حتي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويتم فرز ما هو تركي وما هو إيراني. أول هذه الاستنتاجات: ان دعوة اردوغان لنصر الله مرتبطة بتحرك تركي سياسي نحو حزب المقاومة المسلحة في لبنان شبيه بالتحرك التركي السياسي نحو حركة المقاومة المسلحة في غزة أي حماس. التحرك نحو حماس سني التوجه. والتحرك نحو حزب الله إسلامي التوجه. ثاني هذه الاستنتاجات: ان تركيا التي صدمتها عدوانية إسرائيل تجاه غزة نهاية 2008 بداية 2009. وأجهضت لها تحركا واسعا لمفاوضات كانت تتسارع لتتحول مباشرة بين إسرائيل وسوريا. تريد اظهار قدرتها علي الاقتراب من القوي العربية المسلحة "حماس حزب الله" وليس فقط الأنظمة العربية المسالمة "سوريا". ثالث هذه الاستنتاجات: ان تركيا المهتمة كثيرا بالأوضاع في لبنان تريد تثبيت حالة الهدنة التي يعيشها هذا البلد بقرار من حزب الله وتريد تحويل هذه الهدنة إلي حالة طبيعية يتجه خلالها لبنان إلي الإعمار والاستقرار واجهاض أي فرصة تعطي لإسرائيل لممارسة عدوانها. رابع هذه الاستنتاجات: ان تركيا التي لم يعد بمقدورها إدارة ظهرها للامتداد الإسلامي "العربي والايراني" تري انه من حقها وقد توجهت نحو العرب والمسلمين أن تعيش قضاياهم إن لم يكن بحمل الهموم فعلي الأقل بالمعرفة والمعلومات.. ثم بإبداء الرأي فكل حدث يمر في هذه المنطقة بات شأناً تركيا داخليا سواء بالمشاعر الإسلامية المشتركة أو بالمخاطر الجغرافية المتقاربة أو بالمصالح الاقتصادية المتزايدة. خامس تلك الاستنتاجات: ان من حق تركيا الذي أعاد اردوغان وحزبه وضعها في خارطة الاهتمامات الجيوسياسية في المنطقة حتي باتت تركيا ملاذا وأملا حقيقة أو وهماً لكثيرين من العرب. رفع مستوي قدرتها علي مخاطبة الغرب "الاتحاد الأوروبي وأمريكا" من موقع متقدم بما يعنيه هذا الرفع من قدرة تركيا علي تحسين مواقعها في أي مفاوضات مع هذا الغرب في مختلف الاحتياجات والمطالب التركية المستعصية التنفيذ حتي الآن. سادس تلك الاستنتاجات: ان تركيا لا تطمح أبداً لمناقشة إيران في توجهها ورسم سياسة ودور حزب الله في لبنان والمنطقة.. لكن الحديث التركي المباشر مع حزب الله دون وساطة إيرانية أو إذن إيراني. خاصة إذا جاء من دولة سنية قوية كتركيا. يتطلع السنة في لبنان كما في كل بلد عربي وإسلامي آخر كسند محتمل. سيترك أثراً دائماً لدي قيادة الحزب قبل الإقدام علي أي خطوة منفردة حتي لو كانت بقرار وطلب إيرانيين. أما إذا حصل هذا اللقاء فإن نتائجه تحتمل التالي: 1 هدنة حقيقية في المشاعر بين السُنة والشيعة في لبنان والوطن العربي لوأد الفتنة التي أشعلها النظام الإيراني. في تحديه لوحدة المجتمعات العربية من العراق إلي لبنان مروراً بسوريا وفلسطين وصولاً إلي اليمن ومصر والسودان ودائماً دول الخليج العربي. 2 تفهم إيراني لدور تركي قد يبدو في طبيعة الحال منافساً وهو كذلك. لكنها المنافسة التي قد تلزم إيران بتغيير سلوكها المستفز للعرب تحت عناوين الإمساك بقضية فلسطين. والحديث عن استمرار المقاومة المسلحة وتشكيل جبهة مقاتلة ضد أمريكا ساحاتها أرض العرب لحماية الأرض الإيرانية. فربما يكون الاقتراب التركي من إيران باباً لتحسين السلوك الإيراني تجاه العرب من زاوية التأثير التركي إذا تعاظم دوره حيث مساحة هذا الدور الحقيقية هي في أرض العرب أولاً. 3 تحصين الحالة العربية باضافة دعم إسلامي غير منافس ولا يستبيح أرض العرب. لإمكانية تحصيل حقوق الفلسطينيين بدولة مستقلة ذات سيادة تخرج هذه المنطقة من حالة الارهاق وإمكانيات التفجر في أي لحظة إلي أفق أرحب في البناء وتوفير الحياة الكريمة لشعوبها. فهل يزور السيد نصر الله تركيا.. نرجو ذلك.