بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا شاب أبلغ من العمر 19 عاما، متعلم تعليم جامعي. أواجه مشكلة كم يراها أصدقائي سهلة وليست مشكلة، ولكن أراها أكبر مشكلة في حياتي.. المشكلة هي إني باتكلم مع نفسي كثير، مش معنى كده إني ماعنديش أصحاب؛ لكن في أي وقت باقعد فيه مع نفسي بالاقي سيل من الأسئلة بتطرح نفسها عليّ. والمشكلة إني بالاقي لأسئلتي إجابات ومقنعة جدا كمان، بس مش عارف إيه المشكلة يا ترى في تلك الإجابات التي لم أجد بداخلها الراحة أم أن هناك شيئا آخر؟؟ عندما أمر بمشكلة أحاول أن أحلل أسباب تلك المشكلة، وعندما يحدث ذلك تبدأ المشكلة الأساسية وهي مشكلتي اللي جوايا.. السؤال دلوقتي: هل أنا مريض نفسي؟؟ مع إني شايف نفسي سوي وكل الناس بتشوفني سوي، كمان ليّ أصحاب بيحبوني وبحبهم، نفسي يكون ليّ حد كبير ينصحني ويساعدني ويأخد بايدي؛ لأن أنا والدي متوفى من وأنا صغير، كمان أخويا الكبير سايب كل حاجة على كتفي وسايبني أعافر لوحدي في الدنيا، ووالدتي ربنا يخليها ليّ مش مقصرة معايا في حاجة خالص. في النهاية أنا آسف إني طولت عليكم.. بس ليّ أمنية منكم ورجاء أخير، يا ريت تردوا عليّ بسرعة؛ لأني نفسي ألاقي حل.. أنا آخر لما باتعب من الكلام مع نفسي بانام.. حتى النوم بيجيني بعد حوالي ساعة من نومي على السرير. وعلى فكرة.. أنا والله ملتزم وكويس، ومعاملتي حلوة مع أصحابي، كمان الحمد لله باناجي ربنا كل يوم، وعلاقتي حلوة الحمد لله مع ربنا.. كمان سمعت إن حسن أحوال العبد مع العباد من حسن أحوال العبد مع الله.. آسف على الإطالة.. وشكرا. bondo
صديقي العزيز.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما تتحدث عنه هو الكلام أو الحوار مع النفس، وهو أمر طبيعي ويحدث لنا جميعا من وقت لآخر وهو مفيد؛ لمراجعة النفس والأفكار وتصحيح أخطاء التفكير والسلوك والوعي بالذات والمشاعر.. لكن ماذا لو زاد الأمر عن الطبيعي ودخلنا في حلقات مفرغة من التفكير لا تنتهي؟؟ نبدأ وننتهي عند نفس النقطة، فهي أفكار تؤرقنا وتحرمنا من الراحة والنوم ولا تدفع بنا للأمام من أجل أن نطور ذواتنا ونعدل سلوكنا، ونثري خبراتنا من الأحداث والمواقف الحياتية. حينئذ نتكلم عن "اجترار الأفكار"؛ وهو أحد أعراض الوسواس القهري أو الشخصية الوسواسية.. ويتصف اجترار الأفكار بالرغبة الدائمة في التحليل للمواقف والتنقيب والتفتيش عن تفاصيل التفاصيل، والتي قد تكون مزعجة لصاحبها، وقد يخصص الشخص الذي يعاني هذه المشكلة وقتا يوميا دون أن يدري للتفكير في تفاصيل الأمور، دون أن يدرك من أين بدأت الأفكار.. كما أنه في الغالب لا يستطيع إيقاف الأفكار بسهولة؛ فهو يبدو وكأنه مسلوب الإرادة أمام سيل الأفكار الجارف، وهنا التحدث مع النفس بصوت مرتفع ما هو إلا رغبة في تقليل التوتر العصبي الناتج عن تدافع الأفكار. والآن سأعطي لك بعض الأفكار التي قد تساعدك على تقليل حدّة اجترار الأفكار. 1- حاول التأمل في أفكارك.. وهل هي تساعدك على حل المشكلات؟ أم أنك دائما لا تخرج من التفكير إلا بآثار سلبية؟ كمضيعة الوقت والقلق وعدم النوم.. فإذا كان الأمر كذلك؛ فحاول أن تدرك حلقة الأفكار عندما تبدأ.. تقرر أنت تقوم فورا لتنهك نفسك في عمل يحتاج لطاقة جسمانية؛ كالجري أو إعادة ترتيب حجرتك مع الإصرار على ممارسة رياضة بشكل منتظم. 2- حينما تشعر أنه أصبح لديك القدرة على السيطرة على أفكارك بعض الشيء أبدأ مرحلة مواجهة الأفكار، وحاول أن تكتشف الأفكار السلبية؛ كنقدك المتكرر المجحف لذاتك مثلا، وحاول أن تستبدل ذلك بأفكار أكثر إيجابية؛ كأن تبحث عن قدراتك ومواهبك مثلا، خاصة وقد ذكرت أن لك أصحابا كثيرين.. فأنت شخص اجتماعي كما يبدو من كلامك. 3- حاول دائما أن تقلل التفاعل العاطفي مع المواقف؛ لأن كثرة الانفعالات مع المواقف المختلفة هي المسئولة عن توليد المزيد من الأفكار.. لذا يجب عليك أن تكتشف خبرتك الشعورية لحظة بداية التفكير وتدونها.. فمثلا كنت غاضبا ونتج عن ذلك هذه الأفكار فاكتب من 1 إلى 5؛ أي الأفكار التي أنتجتها مشاعر الغضب.. كنت حزينا ومكتئبا فنتجت هذه الأفكار اكتب من 1 إلى 5.. وهكذا حتى تتعلم من أين تبدأ حلقة الأفكار فتوقفها قبل أن تبدأ. لكن كن واقعيا.. فالأمر يحتاج للمزيد من الوقت والجهد والإصرار، وإذا لم تشعر أنك قادر على إنجاز ما سبق بمفردك؛ فأنت تحتاج للمتابعة مع معالج نفسي لعمل برنامج علاجي معرفي سلوكي للوسواس القهري، وضبط القدرة على تشغيل التفكير؛ أي متى نبدأ ومتى ننهي الأفكار، وفي أي وقت نفكر، وفيما نفكر، وما لا يجب أن يشغل حيزا من عقولنا، ولا ننهك فيه أنفسنا ونضيع فيه وقتنا على الإطلاق.. وفقك الله.