أنا عندي مشكلة عايزة أخصائي نفسي يرد عليها؛ وهي الوسوسة بسبب الخوف؛ يمكن ماتفهموش قصدي إيه بس أنا هاشرح لكم؛ مثلا لما آجي أتكلّم مع راجل بييجي لي أفكار وسواسية تقول لي إني هابص لفمه وهو بيكلّمني، وفعلا لما آجي أكلّمه وأبص له بابقى مش قادرة أمنع نفسي من النظر لفمه؛ فأخاف أبص له عشان مايقولش عليّ مش مؤدبة.. أصل أنا كنت باتفرج قبل كده كتير على أفلام جنسية، وكنت باشوف مَشاهد ساخنة، وكنت بامارس العادة السرية، وأستعين أثناء الممارسة بالتفكير في هذه المشاهد عشان أثير نفسي. وبالرغم من إني توقّفت عن ممارسة العادة وعن مشاهدة الأفلام عموما بقالي سنوات؛ فإن مشكلة الوسوسة دي ما زالت موجودة، وتمنعني من الكلام بشكل طبيعي مع الرجال حتى ولو كانوا كبار في السن، علما بأني أعمل أمينة مكتبة في مدرسة ثانوية، وأجد صعوبة في التعامل مع زملائي المدرسين ومع الطلبة الصبيان؛ حيث إني في مدرسة مشتركة. كل اللي باعمله لما آجي أتعامل معهم هو إني بابص في الأرض، ولا أرفع عيني في عينهم أبدا، وده طبعا بيلفت انتباههم جدا، وبابقى متضايقة من نفسي. المشكلة الكبيرة هي إني لما أتخطب هاعمل إيه!! طبعا أي شاب هتخطب له لازم يقعد معايا ونتكلّم ساعتها هاعمل إيه لو عملت معاه زي الرجالة التانيين وبصيت في الأرض هيقول عليّ هبلة ومش مظبوطة، ولو بصيت له هابص لفمه، وساعتها هيقول عليّ مش مؤدبة.. بالله عليكم شوفوا لي حل في مشكلتي عشان هي مضايقاني أوي ومحسساني بعدم الثقة بالنفس، وإني مش طبيعية؟!! bokraahla ابنتي العزيزة.. ما تتحدّثين عنه يشير إلى أنكِ بالفعل تُعانين مرضا نفسيا شهيرا جدا في مجال الطب النفسي، ومعروف باسم "الوسواس القهري"، وهو مرض نفسي منتشر جدا؛ لدرجة أن آخر الدراسات التي أُجريت على الوطن العربي من فئة الشباب أكّدت وجود نسبة هذا المرض بنسبة أكثر من 95% من شباب الوطن العربي، وباختصار شديد -أرجو ألا يكون مخلا- هو عبارة عن فكرة تخرج من رأس صاحبها؛ أي هي فكرة ذاتية لا تأتي لصاحبها من الخارج، وتتسلّط على رأس صاحبها لدرجة تقهره، ويظلّ الشخص في صراع مرير مؤلم جدا مع الفكرة ليجعلها تنتهي، ولكنه كل مرة يخسر معركته معها وتنتصر هي بقوة وقهر. ومن شروط هذه الفكرة -حتى تكون تسلطية أو تتبع الوسواس القهري- أن صاحبها نفسه يراها غبية أو تافهة أو لا يصح أن تكون موجودة، وكلما زادت مقاومة الشخص للفكرة ازدادت شراسة في رأسه، فيضطرّ الشخص أن يقوم بما تأمره به الفكرة متصوّرا أنه بذلك سيتخلّص منها وهو ما يعرف ب"الفعل القهري"، ولكنه يكتشف الحقيقة الأخرى؛ وهي أنه لم يقضِ على الفكرة، بل زادت وزاد معها الفعل القهري، وهو في حالتكِ يتسلّط عليك مفهوم أو فكرة أنكِ ستنظرين على فم الرجل وأنتِ تحدّثيه، وتحاولي جاهدة أنت تتخلّصي من الفكرة أو تقاوميها ولكنها تزداد شراسة، فبدون وعي وبقهر تجدين نفسكِ تقولين لنفسك إذن أنظر لفمه لأتخلّص من قهر تلك الفكرة على رأسي؛ فتقعين في الفعل القهري وهو النظر بالفعل لفم أي رجل تتحدّثين معه. ومن سمات الوسواس القهري أنه مرض يتقنع إذا لم يتمّ علاجه جيدا؛ بمعنى أنه قد يزول من مساحة ما لفترة قد تطول أو تقصر، ثم يعاود الظهور في مساحة أخرى، كأن يختفي من مساحة النظر لفم الرجل لفترة لديك؛ فتتصوّرين أنكِ شفيتِ منه، ثم يعاود الظهور بالنظر في مكان آخر أو في النظافة أو الصلاة أو غيره، ولكنه يظلّ كامنا ما دمت لم تقومي بعلاجه. والحقيقة أن هناك نوعين من العلاج للوسواس القهري؛ الأول: العلاج الدوائي وهو الآن صار علاجا ناجعا كما يقولون فهو يُحقّق نسبة شفاء كاملة عند الالتزام بالجرعات التي يُحدّدها لك الطبيب وبالكيفية التي يقولها، وقد يستمرّ العلاج لمدة عام، ولكن نتيجته تكون مبهرة خصوصا كما اتفقنا بالمواظبة، والعلاج الثاني: هو العلاج الذاتي؛ وفيه يأخذ المريض وقتا أطول ويحتاج لإرادة قوية ومواظبة على ثلاثة أمور بشكل كبير جدا دون تفاوض؛ وهي: * التطنيش: وأقصد بها التعامل مع الفكرة وكأنها ضيف ثقيل الظل تكرهينه وسط الكثير من الناس وتضطرين لتحمّل وجوده، ولكن دون مقاومته، فلقد عرفنا معا أن المقاومة تزيد الفكرة قهرا وشراسة مع صاحبها، ولكنه التطنيش أي هي موجودة ولن أقاومها أو أشتبك معها. * الانشغال الذهني بشكل يكاد يكون مستمرا، ولا أقصد الانشغال الجسماني في أي من الأمور ولكن الانشغال في خطط، في تدريبات، في ألعاب، في أي أمر يجعلك منشغلة بالتفكير فيه؛ فالفراغ هو عدوك الأول، ويمكنك كذلك أثناء الحديث مع الرجال أن تركّزي في مضمون الحديث أكثر من الفكرة حتى وهي تلح عليك فستجدي تحسّنا إن شاء الله. • إن مرض الوسواس القهري مرض مثل أي مرض لن يُحاسبك الله سبحانه وتعالى على أنك مريضة به, ولكنه قد يحاسبك على أنكِ لم تلحي في العلاج لتتخلّصي منه، وأدعو الله العلي القدير أن يشفيكِ، ويُمكّنك من التخلّص من هذا الوسواس قريبا، وإن لم تتمكّني من العلاج الذاتي وحدكِ فلا تترددي في العلاج المتخصص لتهنئي بحياتك يا ابنتي.