"إن التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس محمد حسني مبارك بتعيين وزيرين وتبديل خمسة محافظين، من خلال تعيين أحمد زكي بدر وزيراً للتربية والتعليم خلفاً ليسري الجمل، وعلاء فهمي وزيراً للنقل في المنصب الشاغر منذ أكثر من شهرين باستقالة محمد لطفي منصور؛ أثار العديد من التساؤلات الهامة...". فالكثيرون كانوا في انتظار هذا التعديل، ولقد استمرت صحف المعارضة والصحف المستقلة على مدار أكثر من شهرين سابقين في التنبؤ بحدوث تغيير وزاري قريب، ولقد ارتفع سقف التوقعات بتغيير وزاري ضخم يشمل عدداً كبيراً من الوزارات، واستمرت التكهنات بمن سيرحل مِن الوزراء؟!! ومن سيحصل على كرسي الوزارة الجديد؟!! وشملت الأسماء الكثير من رؤساء الجامعات والمصالح والشخصيات العامة والمحافظين، ولذلك عند حدوث التغيير الوزاري بهذا الشكل المحدود حدثت صدمة للكثيرين. فآخر تعديل وزاري تم في مصر كان في شهر مارس من عام 2009، وقد كان تغييراً محدوداً أيضاً، فلم تتغير سوى وزارة واحدة وهي وزارة الري في تغيير لم يرضَ عنه عدد كبير؛ حيث صرّحوا -عبر الإعلام- عن رضائهم النسبي عن وزير الري السابق "محمود أبو زيد" وعدم رغبتهم في تغييره، وتم فصل وزارة الصحة عن وزارة السكان، وتعيين مشيرة خطاب وزيراً لوزارة السكان الجديدة، وبنظرة مدققة لهذا الفصل سنجد أنفسنا ننتقل لسؤال هام.. ففي تعديل وزاري سابق في عام 2005 تم دمج وزارتي الصحة والسكان مع بعضهما البعض، وها هما ينفصلان بعد 4 سنوات فقط. لذا فالتساؤل الذي يجب أن يُثار هنا.. هل هذه القرارات مدروسة بعناية حقًا؟!! وهل يثق بها المواطنون سواء المواطن البسيط أو الشخصيات العامة والإعلاميون وغيرهم؟!! وهل يتوقعون تغيّر في السياسات أو تحسّن في الأداء بسبب هذه التعديلات؟؟ وهل يهتم المواطن من الأساس بمعرفة أفكار وآراء الوزير الجديد المعيّن أم لم تعد تفرق معه هذه الأمور؟!! لو أردنا أن نتجوّل أولاً في نظرة سريعة على ردود الأفعال الخاصة بالشخصيات الإعلامية والعامة المصرية على التعديل الوزاري؛ فسنجد مثلاً أن هناك تطابقاً قد حدث في الآراء بين كل من "أحمد موسى" الصحفي المحسوب على الحكومة، و"محمد مصطفى شردي" النائب الوفدي عن محافظة بورسعيد، فالاثنان في مداخلات معهما أشادا بالتعديل الوزاري الجديد، ولكنهما اعترفا أن التعديلات الوزارية لا تهم الناس، ولكن ما يهمهم هو التغيير على أرض الواقع، وحل المشكلات المتراكمة سواء في وزارة التربية والتعليم أو في وزارة النقل. في حين نجد أن الصحفي المعارض "إبراهيم عيسى" عبّر عن غضبه وضيقه من محدودية التغيير الوزاري وعن كون د.أحمد نظيف ذاته ما زال على رأس الحكومة، ولم يتغير، بل اكتفى في هذا التغيير بتغيير وزارتين فقط (وقد تولى الدكتور أحمد نظيف رئاسة الوزراء في 14 يوليو 2004 خلفًا لعاطف عبيد، ولم يتم تغيير رئاسة الحكومة من يومها حتى الآن أي ما يقارب 6 سنوات). ولكن ماذا عن المواطن العادي الذي يتلقى خبر التغيير الوزاري بلا خلفية سياسية محددة؟؟ بنظرة بسيطة على ردود الفعل على خبر التغيير الوزاري عبر الصحف ومواقع الإنترنت، نجد حالة عامة من الإحباط بمحدودية التغيير، فلقد أمّل المواطنون أيضًا أن يكون التغيير أكثر توسعًا وجذرية، بل وعبّر الكثيرون عن آمالهم السابقة في أن يشمل التغيير وزارات محددة، وفازت بعض الأسماء بالنسبة الأكبر من السخط والرغبة في تغييرهم ورحيلهم عن وزاراتهم، فجاء على رأس القائمة وتقريبًا في كافة التعليقات بمواقع الأخبار وزير المالية؛ فشريحة كبيرة عبّرت عن أملها المفقود في تغييره؛ وبرروا ذلك بكون سياسته هي التي تسببت بكثير من المشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار والأزمات الجارية مع أصحاب المعاشات، ثم تتويج مشواره بالضريبة العقارية، كما تمنى البعض تغيير وزارات كالتعليم العالي والإعلام والزراعة. في نفس الوقت نجد أن النسبة الأكبر من ردود فعل المواطنين توجهت إلى كون هذه التغييرات الوزارية بلا أي طائل، ولن تفيد بشيء؛ فالسياسة العامة واحدة ولن تختلف، ولن يغيّرها إقالة وزير وتعيين آخر، وعبرت النسبة الأكبر عن كونها لا تعتقد أن هناك أي تحسّن في الأداء سيحدث بعد هذه التعديلات، وأنهم لا يهتمون من الأساس بمتابعة تصريحات الوزراء الجدد؛ لأنهم يعلمون مسبقًا بأن هذه التصريحات مجرد كلام لن ينفّذ. في حين اختلف البعض الآخر فقد رأت علياء محمود زهران -محللة بيانات- أن الحكومة غالبًا ما "تزيح" الوزراء الذين يرى بهم الشعب بعض الأمل، وأحصت عدداً من الأسماء على مدى سنوات طويلة؛ مثل: "عمرو موسى، وأحمد الجويلي، ومحمود أبو زيد، وأحمد الليثي، والجنزوري"، وأضافت أنه رغم عدم رغبة المواطنين في بقاء وزيري التعليم أو النقل هذه المرة إلا أن الحكومة قد ضنّت على الشعب بالفرحة بأن تزيح معهما عددا آخر ممن تسببوا في بؤس الشعب. وجاء الرد الجامع للدكتور جمال الفقي -طبيب الأمراض النفسية- ليلخص الكثير مما قاله عدد كبير من المواطنين، فقد أكد: "استقبلت خبر إقالة الوزير يسري الجمل من وزارة التربية والتعليم، وتعيين أحمد زكي بدر بدلا منه -كما استقبله غيري- بالذهول والدهشة والفرحة والإحباط وخيبة الأمل. ثم كان مما قاله في تفصيل رأيه.. "الذهول: من مفاجأة الحدث؛ فالوزير نفسه قد فوجئ بقرار إقالته مثلي بالضبط، عندما صدر القرار -تقريبا- في نفس الوقت الذي يظهر فيه الوزير وهو يتناول التطعيم الحكومي أمام الناس في محاولة منه لإقناع الناس -بشكل درامي- بصلاحيته وعدم الخوف منه. الدهشة: من الطريقة الفجَّة التي أقيل بها الوزير الذي تم اختياره بسبب قُربه وولائه وخضوعه لحكومة الحزب، وما تدل عليه من عشوائية في القرار، وتأكيد على الفظاظة. الفرحة: من بصيص الأمل في إمكانية التغيير، والتحريك، والتفكيك لتلك الحكومة الحجرية الثابتة طويلة المدى التي تقبع على صدورنا وتكتم أنفاسنا، وتسلب ممتلكاتنا، كما هي الفرحة من إمكانية النظر والتعديل في الأحوال المُزرية التي وصل إليها التعليم والتربية في بلد العلم والإيمان. الإحباط: من تخطي التغيير للعديد من الوزراء، ممن هم أسوأ أداءً، وأشد ابتلاءً، وأكثر ولاءً للفساد. أما خيبة الأمل: فكانت متمثلة في تثبيت مبدأ التوريث بدلاً من تذويبه المطلوب، فبعد أن كان بصيص الأمل في قلوبنا من إمكانية مناقشة ذلك المبدأ، وتصويبه، امتد الضباب ليشمل تطبيق التوريث حتى في الوظائف الحكومية الرسمية، وليصبح ابن الوزير وزيراً بالوراثة، وليستمر ابن المظلوم مظلوماً إلى الأبد. ويعيش أولياء الأمور في الأيام الحالية حالة ترقب للشكل الذي سيتبعه الوزير الجديد "أحمد زكي بدر" في إدارته للعملية التعليمية، خاصة وأنه معروف عنه الشدة الزائدة في التعامل مع أي مشكلة تقابله وليست أحداث جامعة عين شمس ببعيد.