في أعقاب الثورات أو الانتفاضات الشعبية أو أيا كان المسمى يكون اختيار الأمم والشعوب فيما بعدها مصيريا، وكتابة الدستور يكون هو المهمة الأسمى والأعظم؛ لأنه يكون ميثاق الحرية الذي يضمن حقوق جيل الثورة وكل الأجيال التالية فيما بعد. ولهذا أردنا أن نتعرف سويا على تصرفات الأمم الأخرى التي قامت بثورات مشابهة، كيف تصرفوا حيال كتابة الدستور؟ كيف كان شكل النظام السياسي الذي ارتضوه لأنفسهم بعد سنوات من القمع والقهر الذي أشعل فتيل ثورتهم؟، وقد انتقينا رومانيا؛ لأن ثورتها حديثة نسبيا (1989).
فبعد التخلص من أسطورة الديكتاتورية برومانيا شاوشيسكو والإطاحة به وتولي إيون إيليسكو مقاليد الأمور تم طرح الدستور الجديد للاستفتاء العام، وتمت الموافقة عليه في 8 ديسمبر 1991 أي بعد عامين من قيام الثورة؛ حيث استغرقوا بعض الوقت في انتخاب الرئيس الجديد والبرلمان التشريعي.
والدستور الروماني مستوحى بالأساس على نظام الدستور الفرنسي الذي أقر في الجمهورية الخامسة التي أسس لها الجنرال شارل ديجول في الرابع من أكتوبر عام 1958، ويقوم الدستور الروماني على أساس التعددية الحزبية والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وقد اختارت رومانيا لنفسها نظاما شبه رئاسي وشبه جمهوري في الوقت نفسه؛ حيث يتم توزيع السلطات التنفيذية بين كل من الحكومة ورئيس الدولة، ولا يحق لرئيس الجمهورية الترشّح لأكثر من فترتين بمعدل خمس سنوات للفترة الواحدة، ولرئيس الجمهورية الحق في اختيار رئيس الوزراء، على أن يتولى هذا الأخير مهمة اختيار مجلس الوزراء الذي يباشر مهام عمله من قصر فيكتوريا الذي تأسس عام 1937.
وبناءً على ما أقر بالدستور الروماني فالشقّ التشريعي للدولة ينقسم إلى جناحين؛ الجناح الأول هو مجلس الشيوخ، ويتكون من 140 عضوا يتم اختيارهم عن طريق الاقتراع المباشر، أما الجناح الثاني فيسمى مجلس النواب، ويتكون من 346 عضوا، وكلا البرلمانين يتم انتخابهما كل 4 سنوات، وقد أقرّ الدستور الروماني أن يكون انتخاب أعضاء البرلمان وفقا للقائمة النسبية.
أما فيما يتعلق بالنظام القضائي الذي أقره الدستور الروماني فهو مستقل عن السلطتين التشريعية والقضائية كلاهما وأعلاها محكمة النقض العليا، وقد تأثر القضاء الروماني بصورة واضحة بالنظام القضائي الفرنسي، وتكون المحكمة الدستورية العليا هي المسئولة عن الفصل في دستورية القوانين المختلفة، ولا يجوز للبرلمان مهما كانت أغلبيته أن يلغي قراراته؛ لأنه يستند في شرعيته إلى الدستور الذي أقر في استفتاء عام.
وقد تعرّض الدستور الروماني منذ نشأته عام 1991 إلى التعديل مرة واحدة فقط عام 2003 حتى يمكنه مطابقة متطلبات ومعايير الاتحاد الأوروبي حتى يقبلها عضوا في الاتحاد، وهو ما لم يتم سوى عام 2007، حيث تم تعديل 79 مادة من الدستور.
وكان من بين هذه التعديلات على سبيل المثال منح الأقليات حق استخدام لغتهم الأصلية عند التعامل مع الإدارات المحلية والمحاكم المختلفة، كذلك التقليص من الحصانة من المقاضاة الممنوحة لأعضاء البرلمان، ومدّ فترة الولاية الرئاسية إلى 5 سنوات، وإلغاء التجنيد الإلزامي، وقد وافق 55.7% من الشعب الروماني على هذه التعديلات.
ولكن على الرغم من كل التعديلات السابقة فإن الاتحاد الأوروبي ما زال يعتبر رومانيا أكثر دول الاتحاد الأوروبي فسادا مع اليونان وبلغاريا، ويعتقد البعض أن المسألة لا تتعلق بإصلاحات دستورية والتغلب على الفساد الداخلي بقدر ما هو تخوف من شريحة الغجر في أوروبا، والمتركزة بصفة أساسية في كل من بلغاريا ورومانيا، وبالتالي فدخولها للاتحاد الأوروبي سوف يسهل من انتشارهم في باقي الدول بحكم التسهيلات الممنوحة فيما يتعلق بالتنقل بين دول اليورو، وقد اضطرت فرنسا بالفعل إلى ترحيل مجموعة منهم بالقوة في وقت سابق.