لا يكفّ الشارع المصري وصفحات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر عن الحديث عما يحدث في ليبيا حاليا، وما وصفوه ببوابة جهنم التي يسوقها إليه "مخطط التقسيم" الذي بدأ تنفيذه هناك ويخشى حدوثه في مصر، وأن البلاد على وشك أن تسلك نفس النفق المظلم نحو الهاوية. وكان عدد من زعماء القبائل وقادة ميليشيات عسكرية في محافظة برقة الواقعة شرق ليبيا قد أعلنوا المحافظة اتحادا فيدراليا منفصلا عن حكومة طرابلس إداريا، وإن كان يتبعها اتحاديا. وقد برر زعماء برقة هذه الخطوة بأن محافظة برقة التي هي واحدة من أهم محافظات البلاد طالما لقيت تجاهلا وإهمالا من قبل حكومة طرابلس قبل قيام الثورة الليبية، وأنها تود أن تكون مسئولة عن نفسها سواء من الناحية اللوجستية (توفير المؤن والغذاء) أو من الناحية العسكرية (الدفاع عن نفسها). ومن المعروف أن محافظة برقة تقع شرق ليبيا وتستحوذ على 8% من النفط الليبي و60% من الساحل الليبي المطل على البحر الأبيض المتوسط وتمتلك 5 موانئ لنقل الحاويات النفطية و3 مصافٍ بترولية من أصل 5 في البلاد كلها. وفي مصر يتزايد التخوف بشأن انتقال هذه الخطوة إلى البلاد، خاصة أن المحافظات التي تعاني إهمالا وتهميشا مشابها متوافرة بالفعل، لكن البعض الآخر يستبعد هذه الفرضية لسبب بسيط ألا وهو أن فكرة تحوّل محافظة برقة إلى الحكم الفيدرالي في إطار دولة اتحادية ليس فكرا جديدا، بل هو بالأحرى عودة إلى فكر قديم؛ حيث كانت تُحكم ليبيا -عقب استقلالها عام 1949- بواسطة الملك إدريس السنوسي أول حاكم لها بعد الاستقلال وفقا للنظام الفيدرالي، إذ كانت ليبيا 3 أجزاء، إقليمطرابلس في الغرب، وإقليم برقة في الشرق، وإقليم فزان في الجنوب، وعقب الانقلاب الذي قام به العقيد معمر القذافي عام 1969 قام الأخير بتوحيد هذه الأقاليم تحت سلطة واحدة مركزية في طرابلس. ولكن على الرغم من توحيد القذافي للأقاليم الثلاثة إلا أن النظام القبلي ظل سائدا ولم يخضع بأي حال من الأحوال لهذا الشكل التنظيمي، فكانت سرت لها قبيلتها التي تحكمها، وكذلك بنغازي وغيرهما، وبالتالي لم يحدث منذ استقلال ليبيا في منتصف القرن العشرين أن عايشت بشكل فعلي وواقعي فكرة الوحدة الكاملة المتكاملة. وبالتالي يمكن اعتبار محاولات المجلس الوطني الانتقالي الليبي برئاسة مصطفى عبد الجليل هي محاولات للسيطرة على ليبيا لأول مرة منذ استقلالها. وبحسب بعض المحللين فالتخوف من استقلال برقة قد يكون تخوفا من تحولها لدولة منفصلة لا تربطها أي صلة بليبيا، بعَلَم منفصل ودستور منفصل، خاصة أن برقة طالبت بنسبة أكبر في الجمعية التأسيسية للدستور ولم تحصل عليها، وبالتالي فهي لا تعترف به من الأساس. ربما لن نستغرب كثيراً من فكرة محاولة برقة الانفصال عن ليبيا إذا علمت أن أحمد الزبير السنوسي -عضو المجلس الانتقالي الليبي لشئون السجناء وقائد دعوة الانفصال- سبق أن حاول الانقلاب على حكم العقيد معمر القذافي بعد سنة واحدة فقط من هذا الانقلاب، وتحديدا عام 1970 ومن يومها وهو في السجن حتى أطلق سراحه عام 2001. وآخر ما يعتمد عليه المحللون في استبعاد فكرة انتقال عدوى التشتت والتشرذم إلى مصر هو أن تونس لم يصبها أذى؛ لأن تركيبتها الفكرية والجغرافية والديموجرافية مشابهة إلى حد كبير للتركيبة المصرية، فهي بلد واحد متكامل لا يعاني القبليات أو العصبيات، ولم يختبر الحكم الفيدرالي من قبل، ويؤمن في شخص الرئيس ومركزية الحكومة ووحدة الشعب حتى لو تفرق في صورة جغرافية في محافظات مختلفة. أما رئيس المجلس الانتقالي الليبي فيرى بُعدا آخر لهذه المسألة؛ حيث إنه يعتقد أن هناك دولا عربية تتعمد أن تزكي الفتنة بين القبائل وتحرّض على انفصال الأقاليم عن بعضها حتى تقترن فكرة الثورة بفكرة التفتت والانقسام، ويهنئوا هم ببلاد دون ثورات، حيث ستملّها الشعوب وتمقتها بعد أن يروا ما يعتقدون أنه توابعها. الخطر الأكبر الذي يخشاه أهل ليبيا من جراء تلك الخطوة -التي لاقت رفضا واسعا داخل ليبيا قبل أن يكون من خارجها- هو أن يظهر شبح القذافي من جديد في صورة شخص يقدّم نفسه باعتباره "المُخلّص" الذي سيوحد ليبيا "المفتتة"، ويعمد إلى المركزية الديكتاتورية؛ بحجة التخلص من التهلهل في الأقاليم، وتكون المحصلة في النهاية هي قذافي جديد.