"البلد دي محتاجة حد يحبها مش حد يحكمها".. جملة جاءت على لسان الفنان هاني رمزي في أحد أفلامه، كان يحمل اسم "ظاظا"؛ لتلخّص بكل بساطة مواصفات الحاكم الجديد، ولا أظن أن هناك مصريا يمكن أن يقبل بتوجيه أي إساءة إلى الجيش المصري العظيم كمؤسسة؛ لأن تاريخه العسكري كان ولا يزال مشرفا، ولأن دوره في حماية الثورة شاهدا ولا يمكن إنكاره، مهما حدث، كما لا أظن أن هناك وطنيا يمكن أن تكون له مصلحة في مواجهة تقع بين الشعب والجيش؛ لأن نتائجها ستكون بلا شك انهيارا للجميع، ورغم كل ذلك نريد حاكما مدنيا لم يرتدِ الزي العسكري؛ لأننا -بكل صراحة- نريد تغيير سياسات النظام القديم، وليس مجرد إصلاحه؛ تمهيدا لبناء نظام ديمقراطي جديد يتسع للجميع، ويسمح بتداول السلطة، وبحماية حقوق الإنسان، ويحافظ على حريته وكرامته، خاصة بعد أن أصبحنا كأسرة اجتمع أفرادها وقرروا طرد أبيهم من البيت بعدما تبيّنوا فساده لإنقاذ أمهم المسكينة من هذا الرجل الذي لم يعد هناك أمل في إصلاحه، ثم تزوّجت الأم من رجل آخر شاهد كل ما جرى سابقا، فقرر ألا يُغضب أحدا من الأولاد حتى يضمن حبهم.
لسنا بصدد قدر مكتوب، ولا وضع يستحيل التعامل معه، فقط نحتاج إلى توافق الغيورين في الساحة السياسية الآن، على تشخيص الداء واقتراح الدواء؛ لتتحرر الإرادة الوطنية مما يكبلها ويقيد حركتها، ويطلق طاقات التقدم والنهضة فيها.
وأعتقد أن الداء هو تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، فهذا يعتلي منبر المسجد فيأمر وينهي، فيتحول أمره ونهيه إلى دين جديد لا يقبل النقد ولا المناقشة، فرسول الإسلام الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، والأخوة هنا ليست قاصرة على الأخوة الدينية كما يصرّ البعض على هذا الفهم، بل تتسع لتشمل الأخوة الإنسانية؛ فالإسلام لم يأمرنا بكراهية الناس، بل أمرنا بأن نحب للناس ما نحب لأنفسنا.
ويلقي قسّ محاضرة فيتحول كلامه العادي إلى نصوص إنجيلية قد تُرفع من أجلها الصلبان؛ فرسول المسيحية عليه السلام يقول: "الله محبة"، فأين تلك المحبة التي نُسبت إلى الله حين نلقّن أتباع ملتنا أن مصر دولة مسيحية؟ وأننا نحلم باستردادها من أيدي العرب والمسلمين المحتلين؟!
ناهيك عن العلمانيين والليبراليين والمتشدقين بعبارات وشعارات ما أنزل الله بها من سلطان.
ويتمثل الدواء في جملة صغيرة قالها عادل إمام في فيلم "طيور الظلام": "البلد دي اللي يشوفها من فوق مايشوفهاش من تحت"، بمعنى أن الحل ينبع من بين طبقات الشعب وليس "ديليفرى" يطلب من الخارج، فيقضي على الانتماء ويزيد التكاليف، وأن يكون حلا منصفا لجميع الطبقات، يضع فقط مصلحة البلد فوق كل اعتبار، بعيدا عن تكرار الشعار إياه: "الشعب بيقول الحكومة، والحكومة بتقول الشعب"!
مصر تضيع بجد، ونحن -مع الأسف- نعلم الفاعل أو المحرض ولا نحرّك ساكنا، لا بد أن نُفعّل الشعار الذي تعلّمناه كلنا أثناء فترة التجنيد "الجيش بيقول لك اتصرف".. لا بد أن نتصرف بأي شكل وبكل طريقة، فلقد قُسمت التورته وحصل كلٌّ على مراده إلا عامة الشعب، الذي قام بالثورة فعليا، وما زال يعيش على أمل تحقيق أهدافها ومبادئها، ولكن فين؟ الرجال على القهاوي، والشباب في الكافيهات، والستات بيتفرجوا على المسلسلات التركية.