كتب: السنوسي محمد السنوسي رغم ما شاهدناه في الذكرى الأولى للثورة من مناوشات يوم الجمعة في التحرير والمنصورة بين بعض الشباب والإخوان؛ فإن التظاهرات الحاشدة التي خرجت في هذه الذكرى والجموع التي انتفضت في عشرات المحافظات والميادين.. جددت فينا الأمل والثقة بأن الشعب لم ينسَ ثورته، وأكّدت أنه يصرّ على استكمالها. وكيف ينسى الشعب ثورته وهي الحلم الذي انتظره عقودا وعقودا.. وضحّى من أجله بزهرة شبابه وخيرة أبنائه؟! ولكن علينا أن نبحث عن طريقة نخرج بها من المأزق الحقيقي الذي يواجه الثورة، وهو ضبط العلاقة بين الميدان والبرلمان. الواقعي والمثالي وأنا أعتقد أن العلاقة بين الميدان والبرلمان ليست بالتناقض الذي يحاول البعض أن يُصوّره لنا؛ لأن البرلمان هو فعلا برلمان الثورة حتى ولو لم يكُن هو البرلمان الأفضل؛ فهذا العدد الكبير من الإسلاميين، وهذا التنوع الهائل من الأحزاب والحركات، بل وهذه الملايين التي شاركت في اختيارهم في انتخابات نزيهة.. هل كان من الممكن أن يحدث كل هذا لولا الثورة التي غيّرت وستُغيّر مسار مصر كلها إن شاء الله. يجب أن ننظر بإنصاف لواقعنا ومستقبلنا.. وألا يكون الحرص على ملء نصف الكوب ليكتمل، سببا في أن ننكر أن نصفه مملوء بالفعل. نعم الثورة أمامها تحديات وخطوات يجب أن تنجزها، وإلا تحوّلت إلى مجرد انتفاضة، وربما ترتد إلى نسخة أسوأ من النظام القديم، ولكن في الوقت نفسه هناك إنجازات تمت، والضامن الحقيقي لاستكمالها هو اتحادنا "إيد واحدة" ووعينا وثقتنا المتبادلة.. وليس التشكيك أو التخوين أو النظر بمثالية حالمة إلى طبائع الأشياء؛ أي أن الإنسان "الواقعي فقط" الذي لا همّ له إلا تبرير الواقع هو بالضبط زي الإنسان "المثالي جدا" الذي ليس مشغولا إلا بالثورة على الواقع. لكن يجب أن نكون أكثر ثقة في أنفسنا وقدرتنا على تخطّي العقبات. وأنا أعتقد -خاصة بعد الجلسات الأولى للبرلمان- أن المسار الديمقراطي قادر على إنجاز بقية الأهداف، بعيدا عن المجازفة وتشتيت الجهود. وأعتقد أيضا أن الميدان -وأعني بالميدان ميادين مصر كلها وليس ميدان التحرير فقط حتى وإن كانت له رمزيته الأكبر والأعلى- له دور مهم وكبير في إيجاد الضغط والزخم اللازمين لتحقيق بقية أهداف الثورة.. ولا يوجد داعٍ لافتراض وجود تناقض بينهما مهما تعددت الوسائل. سِحر الميدان من حق الميدان أن يراقب وأن يطالب وأن يضغط؛ فالثورة مِلك للجميع.. والميدان فعلا له سحره وتأثيره الذي يتميّز عن أي أداة ضغط أخرى.. بدليل أن كثيرا من المطالب -كإسقاط وثيقة السلمي المشبوهة وتحديد موعد انتخابات الرئاسة- جاءت من خلال ضغط الميدان، وليس من خلال المفاوضات مع الأحزاب. لكن يجب أن تدرك الائتلافات الشبابية، أهمية التواصل مع الجماهير، والإبقاء على هذا "الكنز الاستراتيجي"؛ لأن نجاح تلك الائتلافات في بداية الثورة لم يكن بسبب "عدالة" المطالب التي نادت بها، وإلا فإن الأحزاب والحركات ظلّت لعشرات من السنين تطالب بها ولم تحقق شيئا يُذكَر، أو بالأدق لم ينجحوا في إشعال ثورة.. إنما نجحت الائتلافات لأنها استطاعت أن تتواصل بفاعلية مع الجماهير وأن تقنعها بأنها تعبّر عنها وتحمل همومها، وليس لها - أي للائتلافات- مطالب خاصة.. هنا تم تحويل الحركات الاحتجاجية إلى ثورة بجد؛ فالأفكار وحدها وعدالة القضية وحدها، لا يمكن أن يتحوّلا إلى واقع جديد، إلا من خلال الضغط الشعبي الذي يترجم الأفكار إلى حاضر ومستقبل. ولذلك يجب أن تدرك هذه الائتلافات أنها إن طالبت بشيء -حتى لو كان عادلا- ولكن ليس له قاعدة جماهيرية يستند إليها، فلن يتحقق هذا الشيء!! وأنه لا بديل أمامها إلا التواصل الجاد مع الجماهير، واحترام خياراتها، لا شتمها وازدراءها. تكامل الأطراف كذلك البرلمان له دوره في تقنين مطالب الجماهير والتعبير عنها بدقة ومسئولية وأمانة.. فأعضاؤه قد ائتمنهم الشعب على حاضره ومستقبله، ولا يجوز بحال من الأحوال التهوين أو التقليل من شأن البرلمان بزعم أن دوره تمثيلي فقط وليس مُعبّرا عن الثورة كما قال بعض "الثوار". لأنه إذا كان دور البرلمان "تمثيلي" فقط، فهنا سؤال: من الذين يمثّلهم البرلمان؟! أليس الشعب.. إذن التهوين من دور البرلمان هو في الحقيقة تهوين من إرادة الشعب التي اختارت ورشحت وأيدت.. وهذا ليس مقبولا إلا في حالة الديكتاتورية.. لا الديمقراطية. المعادلة الصحيحة التي تتكامل فيها الأطراف، والكفيلة بإنجاز بقية الأهداف هي: البرلمان يراقب ويضغط.. والبرلمان ينفّذ ويُقنن.. والشعب هو الذي يقول لهذا أو ذاك: أحسنتَ أو أخطأتَ. فالشعب هو -بالتعبير القانوني- "الأصيل" في اللعبة السياسية، وغيره فرعٌ ووكيل عنه.. هذا إذا أردناها ثورة ديمقراطية بجد.