مع اقتراب الاحتفال بيوم تنحي الرئيس السابق عن منصبه في 11 فبراير 2011، تبرز الحاجة أكثر وأكثر إلى تعلم ثقافة الاحتفال. ففي كل مناسبة احتفالية نكتفي بتناول الطعام واللهو، وكأننا نحتفل بعيد ميلاد أو ربما حفل زفاف، وقد نردد بعض الأغنيات أو نضرب النيران في الهواء احتفالا، ومنذ قديم الأزل وقد اعتمد اقتصاد مصر على الزراعة، وبالتالي فقد تعددت الأعياد التي ارتبطت بالزراعة والفلاح بصفة عامة. ففي كل عام كان المصريون يترقبون وصول مياه الفيضان الذي يأتيهم بالخير؛ فيبذرون البذور وينتظرون موعد الحصاد الذي كان بالنسبة لهم أحد أهم المناسبات التي تدعوهم للاحتفال، وكان موسم الحصاد هو موسم البهجة في طول البلاد وعرضها، وتعمّ فيه الاحتفالات كل أرجاء مصر، وكانت مناسبة طيبة كي تقوم الفرق الموسيقية والمغنيون والراقصون والراقصات بالتنقل من قرية لأخرى ومن منزل "نبيل" لآخر؛ لإقامة الاحتفالات التي يرعاها الميسرين من كبار حكام الأقاليم وكبار الموظفين. وخلال هذه الاحتفالات كانت تفرش الموائد ويتم طهي أشهى الأطعمة، وينال الأطفال حظهم من البهجة والسرور بفرحة هذه الأعياد، مثلما نحتفل في يومنا هذا، فيحصلون على الثياب الجديدة ويمنحون الهدايا من لعب الأطفال. وبالطبع كان يتم تعطيل العمل في هذه الأعياد، وتتوقف الدراسة بالنسبة لتلاميذ وطلبة العلم في المدارس التي كان يشرف عليها المعبد، فماذا نحن فاعلون في يوم حصاد ثورتنا المصرية الجديدة؟ ولمن يطالب بإلغاء الاحتفالات خوفا من الفوضى؛ أقول له: ليس من الحكمة تحطيم إشارات المرور للقضاء على الازدحام المروري. وأجمل ما في أعياد أجدادنا الفراعنة هو ارتباطها بالتعمير والتشييد؛ فكان يوم انتهاء مشروعاتهم الكبيرة يوم عيد بالنسبة لكل من عمل فيه، والدليل على ذلك أن اليوم الذي تمّ فيه الانتهاء من بناء الهرم كان عيدا يحتفل فيه المصريون، ويحتفلون فيه أيضا بملكهم الذي كان يحكم وفق مبادئ الحق والعدل، ولقد أثبت التاريخ في جميع مراحله المختلفة أننا كشعب نتوحد وقت الأزمات، أو المشاريع الكبرى كبناء السد العالي؛ على سبيل المثال. فلماذا لا نفعل ذلك ونجعل لكل عام هدف معين نحتفل بإنجازه في نهاية هذا العام؟ وبالتالي يكون هناك عام لإزالة ألغام الصحراء الغربية، وآخر لتطهير النيل، وثالث لتعمير الصحراء على مراحل، ورابع لرسم خريطة سياحية جديدة لمصر تشمل كل الأماكن في جميع محافظتنا التي لم أعد أعلم عددها على وجه التحديد. وقد تختلف أساليب الاحتفال بالأعياد أو بمناسبة ما في ثقافة الغرب عنها في ثقافة الشرق؛ وذلك من حيث: كم ونوع الأطعمة، وذوق الملابس، وتقاليد مراسم الاحتفال. فثقافة الغرب تؤمن بأهمية المرح في الأوقات المخصصة له، ومن الممكن أن نشاهد زوجين من كبار أو صغار السن يستمتعان برقصة رومانسية في أحد الأماكن العامة، أو خلال احتفال عائلي بالمنزل، وهو مشهد نادر الحدوث بين زوجين شرقيين، فحينها بالقطع ستثار الكثير من تعليقات النقد والسخرية وإطلاق النكات، كما سنجد أن هناك نوعا معينا من الأطعمة يتم تقديمه في الاحتفال بكل مناسبة؛ حيث يهتم الشرق بكم الطعام وليس القيمة الغذائية المتحققة منه، أما الغرب فيميل أكثر إلى الاهتمام بالقيمة الغذائية والعقلانية في تناول كميات الوجبات. ويلاحظ أيضا أن هناك اختلافات في أسلوب استغلال وتنظيم الوقت واحترام المواعيد، فقيمة الحفاظ على الوقت وحسن تنظيمه واستغلاله تعتبر من السلوكيات اللصيقة بنمط الحياة الغربية، أما في مصر والشرق الأوسط فمعظم المهام تسير وفقا لمفهوم "البركة" و"خليها على الله"، فلا يوجد احترام للوقت. أما وسائل الإعلام فعليها دور كبير، ويجب أن تُوعي الجماهير وتهيئهم قبل موعد الاحتفال بفترة ليست بقصيرة، ولا بد من دعوة الشعراء والمبدعين لحضور هذه المناسبة، فما أحوجنا إلى مثل ذلك، أما وزارة التربية والتعليم فعليها مسئولية جسيمة في غرس ثقافة الاحتفال، وتوضيح فلسفة الاحتفال بكل أنواعها لدى النشء، وتربيته على فعالية المشاركة الواعية بعيدا عن الفوضى والعشوائية. والأمر كذلك مطلوب من الجامعات لتوعية الشباب، وتدريس ثقافة الاحتفال، وحقيقة الوطنية، والانتماء، ودور المواطن الذي يضيف لبلده ومجتمعه بالعمل، والإنجاز لا بالتهليل والتصفيق وفقط. وفي سبيل تحقيق الانضباط أصبح من المهم استصدار نظام أو تعليمات وربما بشكل أكثر قبولا نسميها "ضوابط الاحتفال"؛ وهي بمثابة تعليمات يتم التقيد بها، ويعاقب من يخالفها حتى نساعد رجال الأمن على أداء مهامهم، ولندرأ عن وطننا احتمالات الأخطاء والعبث وتعطيل مصالح الناس.