كنت متأكدا من أن السلفيين سيتبرؤون من هرطقات بعض شيوخهم العابثين، وكنت واثقا من أن فيهم معادن الرجال وجواهر المصريين، وكنت أنتظر حادثة كحادثة فتاة العباية لأعرف الحق من الباطل.. فبمجرد أن شاهدنا الجريمة التي ارتكبها عدد من جنود الجيش المصري بدأت المواقف تتوالى، وبدأ معدن المصريين يتكشف، وبدأ المدافع عن منطق يظهر والمنافق يكشف عن نفاقه وادّعائه ورغبته الخفية في الوصول، حتى لو كان الثمن الرضا بجسد فتاة مصرية يتعرى ويداس بالأقدام، ويا عم صلّ ع النبي!! أما عن العذر فليس هناك أي عذر في هتك عرض الفتاة ولو بطريق الخطأ.. أما الفعل نفسه فلا أجد لفظا يرادف بشاعته، أصارحك بأنني نأيت بنفسي أن أرى الفيديو لعدة أيام؛ خوفا من الصدمة من كثرة ما قرأت من تعليقات، وحين رأيته لم أستوعب تماما أن هذا حدث بالفعل على أرض مصر.. هذه اللحظة الكاشفة فضحت الجميع.. البطال والمحتال والسياسي واللي طالب مزيد من الأصوات.. على نغمة الملهم زين الهاربين بن علي.. فرغم أنها كشفت وجها في غاية الروعة؛ لشباب يملؤه النور والطهر وقلوب حية وضمائر يقظة، رفضت وسترفض أي انتهاك لرجولتها، فإنها كشفت في المقابل عن أوجه قذرة للابتزاز السياسي، والتحايل على النخوة، ومحاولة ليّ عنق الصورة الحية الواضحة لخدمة مصالح قصيرة.. وكانت المفاجأة الكبرى بل الصاعقة هي موقف مجموعة من أقطاب السلفيين!! أي نعم خرج البعض ليقول إن الفتاة هي المخطئة وليه ما لبستش حاجة تحت العباية؟؟ على كده بقى المفروض الأمهات يوصوا بناتهم وهم رايحين الكلية: خدي فلوس في شنطتك علشان التاكسي، وشيلي دبوس في جيبك علشان التحرش، والبسي حاجة تحت علشان العساكر! وأي نعم خرج البعض ليثبت أن الفيديو فوتوشوب، والحقيقة إن برنامج فوتوشوب آخره يحط "صورة" راس مكان راس، ولا بيادة مكان كوتشي، إنما "مشهد" بالصعوبة دي صعب يعمله، ده بيتعمل ببرنامج تاني غير فوتوشوب اسمه موتوشوب! وأي نعم كذلك خرج البعض ليؤكد أن الفتاة فقط لبست النقاب علشان تورط الإسلاميين، يا للعار، وعلشان كده باوصي أخواتنا السلفيات والإخوانيات بخلع النقاب علشان ما يورطوش مشايخ الفتة والفتنة والفتات.. ولي مع هؤلاء وقفة طويلة.. أتفهم تماما الميل إلى التهدئة، وأدرك تماما حساسية اللحظة الحالية ودقتها، وأعرف تماما مستوى ما قد تتطور إليه الأمور، ولكن لم أجد أي مبرر منطقي لمن حاول دفن رأسه في الرمال، وتعامى عن الحقيقة الواضحة التي قد تكون منحنى مهما في الثورة إن لم تكن بداية موجة جديدة منها.. أحد مشايخ السلفيين (أتحرز من نشر اسمه حفاظا على ما بقي له من هيبة ندعو الله أن يستكملها باعتذار) كشف حقيقة الفتاة، وعراها كما عراها الجنود، وقال إنها ليست منتقبة وإنما انتقبت لاستثارة الأحداث واستفزاز الإخوة السلفيين، وكأن الفتاة إذا كانت متبرجة فتعريتها حلال وضربها في صدرها المكشوف حلال؛ لسببين؛ الأول أنها ليست في الأصل منتقبة، والثاني أنها ليست من السلفيات.. ألا خيّب الله كل فهم قاصر.. محاور سلفي آخر (أتحرز من نشر اسمه لنفس السبب) عزا الموضوع إلى أن اللي بيدافعوا عن الفتاة الآن كلهم نصابين، متهكما "يا واد يا مؤمن، كله بقى متدين بيدافع دلوقتي عن المنتقبة.. وإحنا مش عارفين المنتقبة دي منين أصلا".. هتكون منين يا عم الشيخ؟ بلاستيك يعني؟؟ بنت مصرية، ولو كانت مسيحية حتى هيكون سحلها حلال؟ ألا لعن الله النفاق! لكن ليس هؤلاء هم السلفيون، كلمة السلف تعني السابقين، وفي مصر رجال فعلا سلفيون، فيهم نخوة السلف ورجولة السلف ودماء السلف الحارة، في مصر شباب درسوا سيرة السلف وعرفوا كيف يغارون على نسائهم، حين تنادي وامعتصماه، في مصر رجال طلّقوا عواجيزهم الذين هرموا خلف أقدام أرباب السلطة، ثم حاولوا التماشي مع نظام لم يبذلوا فيه قطرة عرق فضلا عن قطرة دم. على شباب السلفيين -الذين رفضوا تهاون مشايخهم وتقاعسهم وتحايلهم على الحق- أن يحذروا وأن يعرفوا أنهم أمام واقع جديد، واقع يحتاج إلى عقول وقلوب الشباب لا عقول مشايخ عفّروا رؤوسهم سابقا في وثنية الحاكم تحت مسمى الدين، يحتاج شباب السلفيين إلى تمحيص الحق من الباطل، وقراءة تاريخ مشايخ ركبوا على عقولهم برهة من الزمن، وآن الأوان أن يقرأ الشباب التاريخ بعين الفاحص لا بعين المتّبع، ويقيس شيخه على الحق لا أن يقيس الحق على شيخه، ويعملوا بالمبدأ المحفور: نحب شيخنا لكننا نحب الحق أكثر منه.. هذه يد ممدودة بالحب لكل سلفي، أن ينقح الحق من الباطل ويجرّد الصواب من الزيف.. وللحقيقة فأنا لا أتهم كل مشايخ السلفية أو أدّعي عليهم بالباطل، ففي مصر أئمة يدعون إلى الهدى ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وفي مصر أعلام يعملون بميثاق الله لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وفي مصر رجال أمناء على دين الله وشريعة السماء.. لكن كل ذلك يتضح حين نتجرّد للحق والحق وحده، ونخلع عن عيوننا غشاوة الانقياد الأعمى.. لهذا أدعو أصدقائي وإخواني وأستاذتي من السلفيين أن يحقوا الحق ويبطلوا الباطل ويهدموا أصنامهم وينحازوا للحق لا للرجال.