بروتوكول تعاون بين مجلس الدولة وأكاديمية السادات للعلوم الإدارية لتنمية القدرات العلمية    مروة حسان مرشحة القائمة الوطنية بالدقهلية: أطمح بمساحة أكبر لمشاركة المرأة في صنع القرار    سعر الدولار مقابل الليرة في مصرف سورية المركزي اليوم الأحد    نتنياهو: لا أعرف إلى متى يستمر وقف إطلاق النار في غزة    زين الدين زيدان يظهر في ريال مدريد مع بيريز، ما السبب؟    موعد مباراة منتخب مصر ضد كاب فيردي والقنوات الناقلة    منتخب البرازيل يعلن تفاصيل إصابة جابريال.. وموقف كالافيوري من دربي أرسنال وتوتنام    ِ«AI».. مصدر أمني ينفي صحة فيديو مزيف عن انتهاكات انتخابية بسوهاج وأسيوط    إحالة أوراق شاب للمفتي بعد قتل شقيقته في نجع حمادي    نقيب الموسيقيين مصطفى كامل: عمر خيرت مصاب بنزلة شعبية وحالته مطمئنة    السفير المغربي وأبطال "زنقة مالقة" أبرز حضور ريد كاربت "القاهرة السينمائي" (صور)    الجمهور لزوج مى عز الدين: أوعى تزعلها.. والعريس يرد: فوق راسى    الصحة: تطبيق المنظومة الرقمية يخفض تكاليف التشغيل بنسبة تصل ل25%    مصر تتألق بتحقيق ثلاث ميداليات في بطولة العالم للرماية    أخبار الإمارات اليوم.. استكشاف الفضاء والتجارة على جدول زيارة الرئيس الكوري لأبوظبي    التشكيل الرسمي لمنتخب إنجلترا أمام ألبانيا فى تصفيات مونديال 2026    حصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    رئيس جامعة المنصورة يبحث مع سفيرة المجر التعاون الأكاديمي والعلمي    بروتوكول تعاون بين الغرف التجارية و "I-Score" لدعم الشمول المالي    يونيسف: نبذل كل الجهود لإغاثة أهالي غزة في ظل موجة البرد الشديد    زيزو يقترب من حلم تدريب منتخب فرنسا    طريقة عمل الدجاج المشوي المسحب بتتبيلة لا تقاوم    تعليم دمياط يواصل لقاءات مبادرة صوتك مسموع    محافظ الجيزة: الشعار الجديد للمحافظة يجسد إرثها الحضاري والعلمي    وزير الثقافة: المبنى الجديد لأكاديمية الفنون فرصة لتطوير مهارات الموهوبين    فارس الرواية المعاصرة    خطبة مؤثرة من إمام الحرم المكي حول برّ الوالدين تشعل تفاعلاً واسعًا    فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بسوهاج يحتفل بمرور 18 عاما على افتتاحه    ارتياح في ليفربول بعد استبعاد صلاح من مباراة كاب فيردي    وزارة التعليم الفلسطينية تشكر مصر على استيعاب عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين    الإحصاء: ارتفاع عدد المشتغلين ل32.5 مليون فرد خلال الربع الثالث من العام الحالي    محافظ أسوان يستقبل المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    نتنياهو يواجه انتقادات عنيفة من اليمين المتطرف بعد بيان أمريكي يدعم إقامة دولة فلسطينية    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    جهود صندوق مكافحة الإدمان.. تخريج 100 طالب من دبلوم خفض الطلب على المخدرات بجامعة القاهرة    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    تشمل إمدادات الغاز.. زيلينسكي يعلن عن اتفاقيات جديدة مع شركاء أوكرانيا    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب: أنا أتذكّر (1).. سديم
نشر في بص وطل يوم 26 - 10 - 2011

صوت ألحان شتراوس العبقرية ينبعث من هذه السماعة العملاقة..
هناك فتاة ترقص وقد سقط شعرها على وجهها بالكامل، ومعنى هذا أنها لا تدرك ما يدور حولها ولا تبالي به.. إنها في غيبوبة كاملة. ومعنى هذا أنها قد اتحدت باللحن ذاته لتتحول إلى ظاهرة فيزيائية..
أقطع شريحة أخرى من اللحم، لكني لا أبتلعها.. في الواقع لا أتذكر ما يجب أن أفعله بها.. أعبث بالشوكة طويلاً وأرفع عيني لأجد ذات الفتاة ما زالت ترقص.. صارت أكبر من الواقع.. صارت ظاهرة كونية كما قلت..
يقول لي عادل والسيجارة تتدلى من فمه:
- "أنت شارد الذهن جدًا.. هناك في عينيك كتاب كامل من الذكريات لا تقل صفحاته عن ألفي صفحة.. كم حياة عشت؟"
بالفعل عشت أكثر من حياة.. ألف حياة..
ألتهم قطعة اللحم ومن جديد أنظر إلى المسرح حيث تلك الفتاة ترقص.. تهز شعرها.. لحن شتراوس.. هل هو "الدانوب الأزرق"؟ لا.. "نساء وندسور" على الأرجح.. لا.. "مارش رادتسكي"..

************

كان نفس اللحن يعزف في تلك الليلة..
في بيتنا كان اللحن يعزف من المذياع، وكان أبي غاضبًا لكن أمي لم تخفض صوت المذياع..
كنت أنا غارقًا في الحب.. كنت أتنفس بصعوبة تحت محيط من الحب عزلني عن العالم الخارجي، فلم أعد أرى أو أسمع أو أشم..
كان اسمها سديم.. سديم اسم من أجمل الأسماء التي سمعتها، ولم أسمعه بعد ذلك سوى مرة أو مرتين برغم أنني في الأربعين من عمري..
سديم.. الفتاة الشاحبة الرقيقة.. الفتاة التي كنت أقابلها في المقابر، وألعب معها ساعات متواصلة..
سديم ذات الأطراف الباردة.. سديم ذات العينين الشفافتين..
منذ البداية كنت أعرف أنها ميتة، وأن هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا.. ولو كان حقيقيًا فلا مستقبل له.. كنت ناضجًا وكنت أفهم كل شيء، لكن قلبي ظل أخرق غبيًا يأبى أن يستجيب لأوامري..
كنت عائدًا للبيت بعد مباراة كرة مع الأصدقاء، وكنت أختصر الطريق بأن أجتاز المقابر..
في ذلك اليوم كان البرد شديدًا والغيوم كثيفة جدًا.. لهذا توارى الجميع في بيوتهم يصطلون ويشربون العدس أو يأكلون محشوّ الكرنب ويتخيلون العاصفة بالخارج..
كنا نحن المجانين الذين قررنا أن نلعب الكرة في طقس غائم فعلاً، وسرعان ما عرفنا أنها فكرة فاشلة عندما بدأ المطر ينهمر.. وازداد الأمر سوءًا عندما شق السماء لسان برق.. أضاءت وجوهنا وأظلمت، وشعرنا بالقشعريرة قبل أن يقول مصطفى عامر:
- "لا جدوى.. ألغيت المباراة.."
ألغيت المباراة إذن وتفرقنا.. كل واحد ركض في اتجاه.. بينما أنا أركض وسط الوحل وأغطي وجهي.. كنت ألبس العوينات لأول أسبوع في حياتي، وبدا لي من المستحيل أن أركض وأنا ألبسها؛ لأنها تتغطى بالماء في ثوانٍ، لكني كذلك لم أستطع الركض من دونها..
كنت في مأزق.. خاصة أنني سأجتاز المقابر والله يعلم كم أن المشي فيها وعر وزلق..
************
راحت تركض بين المقابر وأنا أركض خلفها (رسوم: فواز)
المطر ينهمر خارج القاعة..
ليلة شبيهة بتلك الليلة منذ ثلاثين عامًا.. لكن لا توجد هنا مقابر.. هناك حديقة ورجال أمن وتماثيل ساحرة وإضاءة ليلية وحسناوات غنوجات ورائحة عطرية غريبة في الجو. يقال إن هناك طاووسًا في الحديقة لكن من المستحيل أن يتركوه وسط هذه الأمطار..
بيت جلال الشريف هو قصر في الحقيقة، ولا نطلق عليه لفظة بيت إلا بحكم العادة.. السؤال هو متى يجمع هؤلاء القوم كل هذا المال؟ ادخرت كل مليم حصلت عليه في حياتي، وبرغم هذا لا أقدر على شراء تمثال واحد من تماثيل الحديقة هذه.. هل معنى هذا أنني فشلت في حياتي أم إن جلال نجح أكثر من اللازم؟
هناك برق في السماء كذلك..
معدتي تتقلص.. البرق يجعلني عصبيًا جدًا ولا أعرف السبب.. ثم هذا الألم الغريب في فكي. أعرف هذا الألم الغريب في فكي..

************
في تلك الليلة كان فمي يؤلمني كذلك..
تعلمت منذ ذلك الحين أن البرق والعواصف يسببان لي ألمًا في الفك.. هناك من يشعرون بدنو العاصفة من ألم الركبة..
كنت أشعر بألم الفكّ وأنا أنزلق بين القبور مرارًا.. بدأت أشعر بالذعر وأنا أدرك أنني تورطت وضللت الطريق.. وحْلٌ وظلام.. كيف أعود للبيت إذن؟
ثم رأيتها هناك واقفة خلف قبر عال عن الأرض.. كانت تلبس ثوبًا طويلاً وتنظر لي.. العينان الواسعتان الشفافتان..
عرفت كذلك من اللحظة الأولى أنها ميتة.. هذا واضح ولا شك فيه، لكني لم أشعر برعب.. فقط شعرت بانجذاب هائل لها، ولم أتساءل عن كنهها ولا ما أتى بها هنا.. فقط أذكر أنها راحت تركض بين المقابر وأنا أركض خلفها عالمًا بشكل ما أنها طريقتي الوحيدة للخروج من هنا..
- "ما اسمك؟!"
صحت أناديها بصوت غمرته مياه المطر فقالت دون أن تنظر للخلف:
- "سديم!"
- "ماذا؟"
- "سديم!"
بدا لي الاسم غريبًا.. لكني عرفت أنني وقعت في حبها وحب اسمها..
فيما بعد قيل إن اسم هذا المرض "نكروفيليا".. ليس هذا دقيقًا.. النكروفيل ينبش المقابر ليخرج جثة يعاشرها.. هذا يثير القشعريرة في نفسي.. ليس هذا هو الوضع هنا وأظنك توافقني..
سديم.. سديم.. سديم..
الحب الأول وربما الأخير.. الرجفة الأولى وخفقان القلب الأول..
وكانت متاعبي في البداية كما تعلم..

يُتبَع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.