ألف مبروك... فوز جميل ومستحق لمنتخبنا على نظيره الجزائري، وربنا يستر على المباراة الفاصلة في السودان، وأخلاق رياضية تمتع بها لاعبونا وحرص تام على قواعد اللعب النظيف، وبعيداً عن التقييم الفني لأحداث المباراة أستطيع القول إن ما حدث داخل المستطيل الأخضر كان سليماً بنسبة تقترب من 100%. لكن ما حدث خارج الاستاد وفي المدرجات وحتى قبل المباراة، يجب أن نتوقف عنده طويلاً، وأن نضع عليه ألف علامة تعجب واستفهام؟؟!! ليس من طبيعة ما حدث بالفعل بل التناقض بين روايات الأحداث الواحدة -حسب جنسية من يرويها بالطبع. خذ عندك موضوع الحجر الذي تم إلقاؤه على أوتوبيس البعثة الجزائرية، الصحف في الجزائر نددت بالحادثة طبعاً واعتبرتها إرهاباً أو على الأقل ممارسة "ضغط نفسي" على اللاعبين قبل المباراة، بينما حاول الجانب المصري التأكيد أن الحجر لم يُلقَ أصلاً وإنما قام اللاعبون بتحطيم نوافذ الأوتوبيس، وحتى إن فرضنا وجود الحجر، فهذا لا يُبرر حجم الإصابات الجسيمة التي شاهدناها، كما إنه لا يُبرر تكسير اللاعبين للزجاج أو الاعتداء على السائق.
وكالعادة، تم تصعيد الأمر بصورة أسوأ عندما اتهم الإعلام الجزائري الأمن المصري إما بالإهمال أو بالتواطؤ، ووزع الاتهامات بالجملة على المصريين بالغرور والكبر وأننا لا نستطيع الاعتذار، كما أن الإعلام المصري لم يسلم من تهم "الفبركة"، وأن السائق الذي ظهر على قناة "نايل سبورت" لم يكن هو سائق حافلة البعثة الجزائرية. شاهد: وصلة الفيديو التي تظهر اللقاء مع سائق الأوتوبيس إضغط لمشاهدة الفيديو: والصورة المرفقة مع المقال التقطها زميلنا البارع "عمرو عبد الله" لأوتوبيس البعثة الجزائرية أثناء انتظارهم في المطار وقبل وصولهم، وهي تظهر بجلاء صورة نفس السائق الذي تعرّض للضرب وهو ينتظر البعثة داخل الأوتوبيس، مما يعني انهيار خرافة "اختلاف السائقين". وهذا في رأيي لن يُقدّم أو يُؤخر في الأمر شيئاً، من الممكن أن يتم اتهام السائق فيما بعد بأنه سبّ الجزائريين أو قام بحرق العلم أو أخرج مدفع بازوكا من جيبه وحاول اغتيال اللاعبين، أي شيء يُحاول تبرير الاعتداء الوحشي والمهين على شخص لم يكن له أي ذنب سوى تواجده في الزمان والمكان الخطأ. الغريب أن نفس قائمة الاتهامات التي تجدها في الإعلام المصري ضد الجزائريين، نراها في الإعلام الجزائري ضد المصريين، وهو أمر قد يُحيّر حتى أصحاب نظريات المؤامرة. فالصحفية "إيناس مظهر" التي تم الاعتداء عليها دون وجه حق، نجد أن صحف الجزائر تطلق نفس الاتهامات ضد الأمن المصري في الاعتداء على الصحفية "وسيلة بوعطيش". والمرأتان الجزائريتان اللتان تم تفتيشهما وخلع ملابسهما في غرفة مغلقة قبل أن يقتحم بعض الرجال الغرفة عليهما نرى نسخة مشابهة للموقف في السيدة المصرية التي أهينت بالسباب والشتائم من لسان أخرى جزائرية. وكذلك الاتهامات التي وُجهت لبعض مشجعي الجزائر حول التشويش على لاعبينا أثناء إقامتهم في الجزائر لتأدية مباراة الذهاب، تم الرد عليها باتهامات مماثلة ضد مشجعينا في هذه المباراة، ولا ننسى حادثة حرق العلم المصري على يد بعض المتعصبين في الجزائر وانتشرت على اليوتيوب، ظهرت حادثة حرق العلم الجزائري والتي انتفضت بسببها الكاتبة "أحلام مستغانمي" ونست في لحظة "ذاكرة الجسد" العربي الواحد وأطلقت تصريحات سخيفة ضد مصر -نقلتها صحيفة الشروق الجزائرية كاملة- متسببة في "فوضى حواس" ومشاعر قوية جداً لدى جمهورها المصريين. المثير للسخرية في الأمر أن وسائل الإعلام المصرية والجزائرية على السواء (بعد استعراض سلسلة الاتهامات التي نعرفها جميعاً) يؤكدون في النهاية أن موقعة 14 نوفمبر "مجرد مباراة"، وأن على الطرف الآخر التزام الهدوء؛ حفاظاً على الوحدة التي تجمع بين "الأشقاء"، هذا بالطبع بعدما يجري كل طرف إلى "مندوب الفيفا"؛ ليطلب منه التدخل أو التوسط أو التهدئة أو العقوبة، كل حالة وظروفها! وأنا فعلاً أتفق معهم "أنها مجرد مباراة"، لكن لا أعلم أي مباراة هذه التي تبرر أن يشتمني أحدهم بأنني بلا أخلاق وبلا حضارة، وأنني أحقد على العرب والمسلمين وأن عقلي يهودي وتفكيري يهودي وأنني دنيء وأبغض جميع الجزائريين -وذلك بنفس ترتيب سياق الإهانات التي أوردتها إحدى الصحف الجزائرية عن المصريين. أنا لا أستطيع متابعة كل الجرائد المصرية، لكني لا أتصوّر أن إحداها قد انزلقت إلى حد الإهانات الصريحة كهذا، وكيف يمكن أن نتحدّث عن التهدئة وإزالة آثار الاحتقان بينما تسمح السلطات الجزائرية بنشر مثل هذا الكلام المهين؟ أعترف أنني غير محايد، فأنا بالطبع بالضرورة منحاز لأهل بلدي، وأرى بعض الإهانات التي لحقت بي والتي لن أسامح فيها أبداً، لكن التفكير العقلاني يُثبت أن معظم الاتهامات المتبادلة بين الطرفين هي دخان بلا نار، ولا دليل أو حتى برهان على صحتها، وأن محاولة التصدي لها يُحقق مكاسب كثيرة لدعاة الفتن، ومع ذلك يجب ألا نسمح لأحد أن يستغل الضجيج أو "يزيط في الزيطة"؛ ليوجه إهانات مباشرة دون اتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية صارمة؛ لأن هناك فارقاً بين الانفعال في التشجيع وبين السباب العلني الصريح. أنا أعلم أن التاريخ الكروي بين المصريين والجزائريين لم يكن مشرقاً، منذ حادثة اعتداء الأخضر بلومي على طبيب الجهاز الفني المصري عام 1989، حتى مباراة الذهاب والتي جمعت بين الفريقين في الجزائر، تعرضنا طويلاً لاستفزازات وإهانات لا داعي لها، لكن الرد الأمثل ليس بالهجوم المتبادل أو تعميم الاتهامات، بل الردود القانونية والدبلوماسية المنسقة بعناية والموجهة لأشخاص بعينهم يطلقون كلاماً بعينه في وقائع محددة، هذه هي الوسيلة الوحيدة لإخراس كل الجبناء الذين يُشعلون فتيل الأزمة ثم يختفون وسط الغبار المتناثر من آثار المعركة. في النهاية، تمنياتي لمنتخب مصر بالفوز، فهو الأكثر قوة وجدارة على تمثيل القارة السمراء والكرة العربية في مشوار المونديال، لا سيما وأن هذا الجيل من اللاعبين حقق إنجازات كروية ضخمة فلم يتبقّ له إلا التأهل للمونديال وتحقيق مستوى مشرّف في جنوب إفريقيا يخلد أسماء اللاعبين في تاريخ كرة القدم. بالتوفيق لمصر،،،،