الشعب المصري صبور، ولكنه إن نفد صبره يقتل ويثور، هذا ليس بيت شعر، ولا إحدى الجمل الغنائية لتتر مسلسل رمضاني، ولكنه واقع، صحيح أن هذا الشعب قد يتحمّل الظلم والجوع، ولكنه لا يتحمّل تزوير إرادته، فأبشع جريمة يرتكبها نظام هي أن يزوّر إرادة الشعب الذي يحكمه، وأن يعتقد ذلك النظام بأنه أذكى من شعبٍ عُمر حضارته أكثر من سبعة آلاف من السنين، كان هذا هو تداعي الأفكار الذي تولّد داخلي وأنا أرى وأعايش تزييف إرادة الأمة المصرية، وفرض نواب زور يتحدثون باسمها بما لا يرضيها ولا يعبر عن مصالح أبنائها، وقد تخيّلت حالنا لو أن كل دائرة واجهت نائبها المزوّر، أو رفضت تماما التعامل معه، ومع من حوله من بلطجية، فبماذا ستنفعهم الحصانة؟! إن ثورة الغضب في البرلّس التي قطع أبناؤها الطريق الدولي، وبيلا التي أشعلت النيران في إحدى اللجان أثناء ملء البطاقات لصالح مرشح الوطني، أقول إن تلك الثورة قد تمتدّ من كفر الشيخ إلى مصر كلها، والثورة فيروس سياسي معدٍ أرجو أن نعالجه بمضادات التزوير وبترياق الديمقراطية والحكمة، قبل أن يبطش بالجميع، ولقد رأيت في دائرتي الانتخابية (دكرنس دقهلية) أحد المرشحين كان يحمل سلاحا ليهدد به الجميع، ومن حوله يحملون ماء النار، لذا دخل في جولة إعادة، والغريب أنه يعيد أمام أحد اللواءات السابقين أيضا، فهل تشتعل الحرب بينهما؟ ويا ترى أي سلاح سيحمله كل منهما؟ وهما بالمناسبة ينتميان لنفس الحزب، الوطني بالطبع! إنه إذن الْتفاف على الديمقراطية بالمسميات، وبصناديق اقتراع مفتوحة، قبل أن يضع الناخب ورقته الانتخابية بها، فهي إما ذات الحزب الأوحد، الذي يحارب الأحزاب الأخرى، ويضعفها ويضيّق عليها، أو دول تكتفي بانتخابات شكلية، والسبب في رأيي هو في صياغة الدستور لأي بلد يريد أن يكون ديمقراطيا، فكتاب النحو للصف السادس الابتدائي أكثر دقة من دستور الحكومة في بلادنا العربية. والذين لم يقرؤوا التاريخ يعتقدون أن الشعب المصري لم يخلق للثورة، وأقول لهؤلاء إن هذا الشعب حارب الإمبراطورية الرومانية في أيام جبروتها، متسترا على الأنبا أقناسيوس لمدة عشرين عاما من ولايته قضاها في المنفى، وكانوا أثناءها يقتلون كل بطريرك جديد ترسله الإمبراطورية رغما عنهم، بل يمثّلون بجثثهم في طرقات العاصمة (الإسكندرية)، وخلال هذه الأعوام لم تحدث خيانة واحدة، ولم يلن عزم المصريين، ورغم ذلك ليست الديمقراطية هي الحل، فالعرب حقيقة لا يستقيمون ولا يتوحّدون إلا بالحاكم الواحد -وهذا ثابت تاريخيا- وسلبيات العصر الآن تثبته أكثر، وأعني هنا الحاكم العادل، العامل على مصلحة شعبه وليس مصلحة كرسيه. وحتى يتحقق ذلك لا بد أن يكون المواطن صاحب فكر، ولديه الوعي الكافي بما له وما عليه، وما هي حقوقه، ويستطيع التأثير الإيجابي في مجتمعه الأصغر على الأقل.. حين يصنع المواطن دستوره الصحيح، ويعرف ماذا يريد.. حين لا ينجرف المواطن خلف تيار أو طائفة أو حزب، ويهجر هذه الأحزاب الصورية والشكلية والعاملة لمصلحتها.. حين يرفض المواطن المشاركة في صناعة كذبة تنطلي عليه.. وحين لا يبيع المواطن صوته أو نفسه أو ضميره من أجل عدة جنيهات، تحت مقصلة صعوبة لقمة العيش، وحينها ستعمل الحكومة له ألف ألف حساب، بل ستبحث عنه لتعطيه حقوقه، فلقد كان الخلفاء وملوك بني أمية وبني العباس وملوك قرطبة، رغم قوتهم وجبروتهم يخافون العامة؛ لأن العامة في ذلك الزمان مختلفون تماما عن عامتنا الآن، أو ما يسمّون مجازا "مواطنين"، ولكن احذروا غضبتهم، وتذكروا جيدا أحداث يناير 1977 وما تبعها. لقد اكتسح الحزب الوطني الديمقراطي، وأصبح ينافس بعضه، ليكون شعاره يوم الإعادة "بعضي يمزق بعضي" وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء.. والقدر.