من سمع مكالمة الإعلامي الكبير طارق عبد ربه أخو النجم الفلتة حسني عبد ربه في قناة النادي الأهلي أمس (الإثنين)، وتبريره لانفعال شقيقه على رئيس ناديه الإسماعيلي بأنه: يجب أن يعرف رئيس النادي هو بيتكلّم مع مين.. مع نجم بحجم حسني عبد ربه.. اللي ضحى كتير عشان خاطر النادي ده. أي تضحية تقصد عزيزي الإعلامي، وشقيقكم يأخذ خمسة مليون جنيه في العام؟! كم بطولة أهداها اللاعب الكبير لناديه الإسماعيلي منذ أن لعب له؟! وأخيراً ما مؤهل سيادتكم لتكون إعلامياً، غير طبعاً علاقة الدم باللاعب الأسطورة؟ هذه هي أحد مظاهر "ثقافة الفهلوة" التي أصبحت لغة للتعامل اليوم، والتي تمتد جذورها إلى ما بعد نكسة 67 مروراً بفترة الانفتاح، وما صاحبها من تغيّرات جذرية في طبقات المجتمع، في ظل غيبة من يدقق أو يتابع. فالشخصية الفهلوية والتي لا تمتلك الإمكانيات اللازمة من أجل القيام بمهام وظيفية معينة، أو أدواراً محددة -كأبو العربي أو اللمبي أو حتى القرموطي- فتجلت كسلعة رائجة في وقتنا الحالي، خاصة بعد أن تخطّت حدود ما هو اجتماعي. فهناك المثقف الفهلوي الذي يخطف كلمة من هنا ويسرق مقالاً من هناك، ويحاول أن يفرض نفسه على السياق الثقافي كمثقف واعد، والتاجر الذي يؤسس تجارته على بيع أي شيء وتحقيق أي مكسب دون فهم حقيقي لمفهوم التجارة وأهميتها. ورجل الأعمال الذي يسابق التاجر في فهلوته مؤسساً لصناعة وهمية من خلال التركيز على استيراد أي بضاعة، والحرفي الذي يوهمك بإمكانياته التي يثبت فشلها بعد أوّل تجربة، كما تذهب الفهلوة لما هو أبعد من ذلك وأخطر، فقد يوهمنا بعض الأطباء بخبراتهم الواسعة، معتمدين على ضعفنا الإنساني أمامهم، ومن طبيب الأشعة إلى طبيب التحايل، إلى الصيدلي، وهكذا… فالشخصيات الفهلوية غالباً ما تتواءم مع بعضها البعض، وتتفق بغض النظر عن مجال تخصصها وطبيعة عملها؛ حيث يجمعها في النهاية بوتقة الفهلوة بتفسيراتها وتأويلاتها الفضفاضة والعبثية في الوقت نفسه، وللأسف المرير لا نكتشف الحقيقة إلا بعد فوات الأوان. فما زالت مدينة المنصورة والتي تشتهر بالسياحة الطبية تتذكّر قصة الدكتور "لطفي" الذي استطاع أن يُعالج كبار الفنانين؛ كمحمد فاضل وزوجته فردوس عبد الحميد ونجوى فؤاد وغيرهم، وكتب عنه أنيس منصور مقالين في عموده اليومي بالأهرام، وهو خريج زراعة الزقازيق. إن هناك مجموعة من العوامل التي تساعد على استشراء الشخصية الفهلوية؛ يأتي في مقدّمتها التساهل في تقدير الكفاءات وتقييم أوضاعها، ففي ظل نقص الكفاءات في عالمنا العربي يسهل وجود أشخاص غير أكفاء يعتمدون على بنية مجتمعية تقبل بذلك، وتستفيد من ورائه؛ بحيث تصبح الكثير من المؤسسات في النهاية مرتعاً للعديد من الشخصيات الفهلوية التي تحاول أن تُثبِت كفاءاتها بالعلاقات الاجتماعية أكثر من أي شيء آخر. ويحيط بنا العديد من الشخصيات الفهلوية على كافة الأصعدة والمستويات والطبقات، من أول بتاع ال3 ورقات والبنت فين، مروراً بالميكانيكي الذي يستلقط أي قطعة غيار نص عمر ويقنعك بأنها مستوردة وإنتاج بلدها، والمعلّم الكبير صاحب المحل التجاري الذي يركّب عداد نور، وبالفهلوة يسحب من النور العمومي، حتى نصل إلى الأستاذ الجامعي الذي يُحضّر رسالة ماجستير أو دكتوراه، فيذهب إلى المكتبة أو يجلس أمام النت، ويتطلّع على رسالات مَن سبقوه ويضعه ما يجده في رسالته وينسبه إلى نفسه، مع تغيّر الأسلوب وطريقة العرض، وسلملي على أعضاء لجنة المناقشة الكرام؛ فالمصري أبو العُريف ما يغلبش، ده ما فيش حد في الدنيا بنا هرم واحد، أما هو بسلامته فبنى تلاتة، طبعاً هذا شعار الفهلوة. فهل الواقع الثقافي في مجتمعاتنا العربية يحتاج لمثل هذه الشخصيات في ظل عدم وجود معايير حقيقية للتقييم؟ أم إن هناك طرقاً للتصدّي لثقافة الفهلوة والعشوائية والتي تعشش في رؤوسنا قبل مدننا؟ أعتقد أن السبيل الوحيد للمواجهة هو غرس ثقافة الإتقان في العمل عند الأطفال، في البيت والمدرسة -محوري غرس هذه الثقافة- حتي تصير طريقة حياة، خاصة ونحن أمة دينها قائم على فكرة الإتقان، لكننا للأسف نسينا هذا المعنى؛ فالطلبة يُذاكرون فقط من أجل الامتحان، ولا يهمهم الاستيعاب والفهم، حتى أولياء الأمور لا يحرصون على أن يفهم أبناؤهم أو يُتقِنوا ما درسوه، بل كل همهم أن ينجح أبناؤهم بأي شكل من أجل ورقة اسمها "شهادة". وأنت كذلك إذا رأيت منتجاً كُتب عليه "صُنع في دولة عربية أو إسلامية" تبدأ بداخلك بذور الشك في الإنبات، ولكن إذا كُتب عليه "صُنِع في دولة أجنبية" تختفي تلك البذور تماماً، وتخرج النقود على الفور. لذا يجب أن نكتب الآية الكريمة التالية: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}، وحديث المصطفى صلى الله عليه: "إن الله يُحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه"، ونعلّقهما في كل مكان، من أول حجرة نوم أطفالنا إلى استاد القاهرة، بدلاً من صور النجوم أمثال حسني عبد ربه وشيكابالا… وعصام الحضري… وشفيق يا راجل،،،،