"قلة الحركة تثمر الشك والخوف، كثرة الحركة تثمر الثقة والشجاعة، إذا أردت قهر الخوف، لا تقبع في بيتك مفكراً فيه، بل اخرج وأشغل نفسك"، هذا ما توصّل إليه "ديل كارنيجي" -مطور الدروس المشهورة في تحسين الذات- ويبدو وكأن بطل قصتنا قد وعاه تماماً، فلم يتوقّف أبداً عن الحركة والسعي. إنه صاحب واحدة من أشهر قصص النجاح المعاصرة.. فقصة نجاحه تجمع بين العبقرية والمثابرة.. قد تتوافر العبقرية لدى أناس، ولكن بلا مثابرة.. وقد توجد المثابرة، ولكن تفتقد للعبقرية.. أما أن يتوافر الاثنان في قصة نجاح معاصرة، فلن تكون هذه القصة سوى قصة نجاح "ستيف جوبز" الرئيس التنفيذي لشركة "آبل".. إنها قصة تحتوي على الكثير من نقاط التحوّل.. البداية مع حياة التبنّي وُلِد ستيف جوبز في منتصف الخمسينيات، وكانت بدايته مع الشقاء مبكرة، فقد عرضته والدته للتبني بعد ولادته؛ لأنها لم تكن متزوّجة وطالبة في الجامعة، وكان شرطها أن يكون من يتبناه حاصلاً على مؤهل جامعي، وتبنّى الزوجان "بول وكلارا جوبز" المولود، على الرغم من عدم تلبيتهما للشرط المذكور، وذلك بعد تعهدهما بإرساله إلى الجامعة. تدرّج "جوبز" في المراحل الدراسية المختلفة، وما إن وصل إلى مرحلة الصفوف الثانوية، حتى كان شغفه بالكمبيوتر وملحقاته قد بلغ مداه، حتى أنه أراد ذات مرة الحصول على قطعة نادرة تصنعها شركة "هوليت باكارد"، فما كان منه غير أنه توجّه إلى أحد مؤسسي الشركة شخصياً، طالباً منه إرسال القطعة في جرأة يُحسد عليها.. وعلى ما يبدو فإن الرجل المسئول قد أعجبه إقدام ستيف جوبز وشجاعته، فلم يكتفِ بتسليمه ما يريد، بل دعاه للعمل في مصنع شركته خلال الإجازة المدرسية في الصيف. وكانت هذه الخُطوة هي نقطة التحوّل الأولى في حياة ذلك الشاب الواعد، فهناك التقى "جوبز" لأول مرة بصديق عمره، وشريكه بعد ذلك "ستيفن وزنياك". قرار غريب.. وجريء وفي عام 1972، تخرّج "جوبز" في ثانوية "هوم ستيد" في كاليفورنيا، ودخل إلى جامعة "ريد" في ولاية أوريجون، لكنه رسب في الفصل الأول، فقرر عدم متابعة دراسته الجامعية، لكنه بقي في محيط الكلية يلتقط بعض دروس الفلسفة والثقافات الأجنبية، وكانت هذه نقطة تحوّل ثانية قد يعتبرها البعض تهوّراً، ولكن تؤكّد على أن الجرأة كان من سمات "جوبز" الغالبة. يقول "جوبز" عن السنة الأولى التي قضاها في كليّته: "بعد ستة شهور لم أجد لها قيمة، لم يكن لدي تصوّر عن الهدف الذي أريد تحقيقه في حياتي، ولا عن فائدة الجامعة في تحقيق هذا الهدف، كما أنني أُنفِق كل ما ادّخره والداي طوال حياتهما، ولذلك قررت التوقّف. لقد كان الأمر مخيفاً وقتها، لكنني أرى الآن أنه أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي". العمل مع شركة الألعاب الإلكترونية وبعد عام تقريباً، قدّم "المبتكر الصغير" ورقة عن أفكاره في قطاع الإلكترونيات إلى شركة "أتاري" الرائدة في صناعة ألعاب الفيديو، في خطوة جريئة أخرى، وما لبث أن حصل على وظيفة فيها. وقضى "جوبز" جزءًا من عام 1974 كمصمم للألعاب. وبعد جمعه بعض الأموال، أقدم "جوبز" على قرار كاد يضيع فيه ما تبقى من حياته وما كنا لنعرفه أبداً لو أصرّ على هذا القرار، فقد توجّه إلى الهند ليدرس روحانيات شرقية. ولحسن الحظ لم يطُل به المقام في الهند، وما هي إلا أشهر حتى بدأ يعاني من مرض أجبره على العودة إلى الولاياتالمتحدة؛ حيث عاش لفترة قصيرة في مزرعة، قبل العودة إلى بيت أهله وإلى عمله السابق في شركة "أتاري" ليواصل العمل في مجاله المفضّل لتحقيق هدف كبير هو قادر على تحقيقه، وذلك بالسعي في المكان الصحيح بإصرار وجدية ودأب. في عام 1975 انضم "جوبز" إلى "هومبرو كمبيوتر"، وهو نادٍ لمطوّري أجهزة الكمبيوترات الشخصية، من بين أعضائه "وزنياك". ومرة أخرى تلاقى عقلا الصديقين الموهوبين؛ فشجّع "جوبز" صديقه على ترك وظيفته كمهندس لينضم إليه في مغامرة تتعلّق بالكمبيوتر الشخصي. ظهور "آبل" وشركة المليار دولار واستطاع "جوبز" الذي لم يتعدَّ عمره الواحد والعشرين عاماً، ورفيقه الذي كان في منتصف العشرينيات تصنيع أول نموذج لكمبيوتر شخصي، وحمل الاختراع الجديد اسم "آبل 1″. وأول ما بدأ "جوبز" بيع كمبيوتره، أقنع متجراً للإلكترونيات بشراء 50 كمبيوتراً شخصياً ليبيعها لتلاميذ المدرسة، وأخيراً نجح "جوبز" و"وزنياك" في بيع أكثر من 600 كمبيوتر محققين ثروة صغيرة. وفي عام 1977 خرج "آبل 2″ إلى النور، ومع قدرة "جوبز" على إقناع الشركات لشراء كمبيوتره، أصبح "آبل 2″ أنجح كمبيوتر شخصي في السوق الأمريكي. نجح "جوبز" في إبرام الكثير من صفقات البيع، وكما قرّر "بول آلان" بيع أسهمه والتفرّغ لحياته الخاصة فعل "وزنياك" شريك "جوبز". وفي ديسمبر عام 1980، طرحت "آبل" في اكتتاب عام أولي بسعر 22 دولاراً للسهم. وسرعان ما قفز السعر إلى 29 دولاراً، لتصبح قيمة "آبل" السوقية 1.2 مليار دولار، وكان "جوبز" المساهم الرئيسي في الشركة مع حصة 15% من الأسهم. خروج ثم عودة وفي عام 1985 ترك مؤسس "آبل" مؤسسته وباع كامل حصته، وما هي إلا أيام حتى دخل في مغامرة علامة جديدة. فأسس "جوبز" شركة تصنيع كمبيوترات ب7 ملايين دولار من أمواله الخاصة أسماها "Next Step" (أي الخطوة التالية)؛ لأنه كان مؤمناً بقدراته على تغيير الصناعة. وبعد سنوات لم تكن موفقة ل"جوبز" خارج "آبل".. ولا ل"آبل" بدون "جوبز".. حدث اتفاق في ديسمبر 1995، فاشترت "آبل" شركة Next Step ب400 مليون دولار. عاد "جوبز" عام 1997 رئيساً تنفيذياً، وأحاط نفسه بخبراء تنفيذيين في مختلف القطاعات.. إن هذا الرجل الذي حُرم من حنان أسرته، وقامت بتربيته أسرة بديلة، لم يقف ليبكي على تلك الظروف، إنما قرّر خوض معركة الحياة، والاستفادة من كل لحظاتها، وتحويلها إلى نقاط بدء من جديد كلما تعثر. وأنت أيضاً أيها الصديق تستطيع ذلك مهما كانت مشاكلك العائلية، ومهما تعرّضت للحرمان من الاستقرار الأسري، فلن يكون ذلك مبرراً لخمولك، فما زالت هناك لحظات يمكنها أن تغيّر حياتك إن فطنت إليها.. ولكن ابدأ التحرّك ولو ببطء مطبّقاً نصيحة "ج ك تشيسترون": "لو أن هناك شيئاً يستحق الفعل، فهو يستحق أن يُفعل ولو بشكل رديء". اقرأ ايضاً: