في البداية باشكركم أوي على الموقع الجميل ده علشان بنقدر نفضفض زي ما إحنا عايزين، ودي مش حاجة سهلة اليومين دول. أنا مشكلتي باختصار إني عايشة بعيد عن مصر من ساعة ما اتجوزت من 8 شهور، وحاسة بغربة فظيعة، ومش قادرة أبعد عن الإحساس ده بأي طريقة.. جوزي إنسان كويس ومحترم جداً؛ بس المشكلة إن شغله واخد كل وقته، ومش بالاقيه معايا على طول، وهو شخصيته عصبية شوية، ولما بيحصل أي خلاف بيننا على طول باحس كده إني لوحدي.
نقطة ضعفي هي أهلي وبُعدهم عني، وحاسة إني ما ليش لازمة من غيرهم، وبالذات بابا لأنه مصدر الأمان بالنسبة لي، وإني أكلّمهم على النت مش كفاية.. نفسي أعيش حياتي من غير ما الإحساس ده يضايقني كل شوية؛ لأني ساعات بانهار وبافضل أعيّط لوحدي كتير قوي من غير سبب مقنع.
شكراً لكم لأنكم خليتوني أفضفض لأني مش قادرة أقول لبابا علشان ما يقلقش، وهو مش ناقص قلق عليّ.. والسلام ختام.
S.A
كانت أمي تدعو لي بدعاء -ولا تزال- لم أشعر بمعناه وأهميته إلا عندما نضجت؛ فكانت دائماً تقول "ربنا يكفيك شرّ الغربة".. آه من الغربة، إنها ذلك الإحساس القاتل بالابتعاد عن وطنك وأهلك وأسرتك، أماكن لا تعرفينها، وجوه لم تألفيها، عادات لم تتطبعي بها من قبل.. إحساس موجع بالوحدة رغم وجودك مع أقرب الناس إليك.. كم كان هذا المكان سيكون رائعاً لو كان الأب والأم حاضرين، كم كان سيكون شقياً لو كانت الأخت موجودة، كم كان العالم كله سيتغير لو كانوا معي.
في الغرب والولايات المتحدة يتمّ تخصيص أطباء متخصصين للتعامل مع حالات الاكتئاب التي تنجم أحياناً لأفراد القوات العسكرية المرابطة خارج البلاد نتيجة هذا الإحساس الموحش بالغربة أو الHOME SICKNESS، كما يُطلق عليه الغربيون.
صديقتي العزيزة.. أنا متفهم -لأقصى درجة- الإحساس القاسي الذي تعانين منه؛ فهو إحساس مضاعف لأن مجرد فكرة الزواج في حدّ ذاتها تعطي إحساس الغربة والوحشة للأهل؛ فما بالك لو كانت غربة زوجية وغربة وطنية؛ فكيف سيكون الحال.
ولكن بيدك أنت أن تخفّفي من أثر هذه الغربة الموحشة على نفسك من خلال السماح لزوجك بأن يكون زوجك بحق.
وقبل أن تتسرعي في التعجّب من هذا القول، أجيبي أولاً على هذا السؤال: هل تعرفين أساساً من هو الزوج؟.. الزوج هو الأمان الذي تشعر به الزوجة لمجرد وجوده بجوارها؛ فهو دافع الأذى عند وقوعه عليك، هو الحب الذي يستوعبك في لحظات الضعف، هو إحساس الدفء الذي تتمتعين به في ليلية شتوية الهوية.. هذا هو الزوج؛ فهل سمحتِ له حقاً بأن يكون زوجك؟
أنا أعرف أن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب وقتاً ليس بقليل، وهذا في حدّ ذاته بارقة الأمل؛ أن الوقت سوف يعمل على مداواة الجروح التي خلّفها لك مرض الغربة، وستكون هذه المداواة بِيَد زوجك ولا أحد غيره، سوف يُزيل هذه المساحات الشاسعة من الوحدة التي تقحّلت في قلبك بفعل الغربة، وسيزرع مكانها مساحات أخرى خضراء من الحب والدفء، فقط لو سمحتِ له بالدخول، فقط لو اعتبرتِه شريك حياة وليس مجرد شريك بيولوجي.
فلتسمعي ما يقول الله عز وجل عن الزواج في كتابه الكريم {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.. لقد اختار الله لفظ زوج؛ لأن زوج الشيء هو وليفه ومشابهه ومُلازمه في كل شيء، وبالتالي فزوجك هو ملازمك مدى العمر، وهو حاميك أبد الدهر؛ هذه واحدة.. النقطة الثانية أن الله عز وجل يرى أن العلاقة المُثلى التي فُطِر من أجلها الزواج -بخلاف إعمار الأرض- هي المودة والرحمة التي تسكن بين الطرفين؛ فهل وصلتِ معه إلى هذه المرحلة؟ أعتقد أن الإجابة هي "لا"؛ ولكنك في الطريق.
ولكن بما أن المسألة مسألة وقت؛ فيمكنك أن تتناولي بعض المسكّنات للتخلّص من هذا الألم حتى يأتي العلاج النهائي على يد زوجك من خلال أن تطلبي منه النزول -بمفردك أو سوياً- إلى القاهرة من أجل زيارة أهلك والتودّد إليهم وصِلَة الرحم بين الفينة والأخرى، والجزء الثاني الذي لا مانع من أن تحاولي فيه، هو إقناعه بالاستقرار في مصر لو كانت الظروف ستسمح بذلك، ولو قضيتما الفترة الكافية لتأمين مستقبلكما؛ فالغربة هي وسيلة وليست هدفاً.
كفكفي دموعك فليس لها مكان؛ خاصة وقد وهبك الله زوجاً صالحاً يراعي ربه فيك ولا يسيء معاملتك، وصدقيني هي فترة وستزول، وستعود الأمور إلى مجاريها بالعودة النهائية لللقاهرة أو التكيّف على الوضع بعد طول العشرة مع الزوج.
وفّقك الله إلى ما يحبه ويرضاه لو عايز تفضفض لنا دووس هنا