صدمة حياتي عندما كلمتني إحدى الصديقات وتزغرد وصوتها ضائع وهي تقول: "أنا نجحت.. نجحت وجبت 80%"، بالطبع لم أتمالك نفسي وأنا أقول لها: "إيه؟ 80؟ إنتي فرحانة إزاي؟ إنتي علمي أمال مين اللي جاب التسعينات؟"، ردت وهي طائرة من الفرحة: لم يأتِ بها أحد، والأول في مدرستي جاب 89%"، أتذكر وقتها أن كل ما جال بخاطري هو سؤال سألته لنفسي 1000 مرة ومرة، لماذا أصبحت الثانوية العامة خطراً يهدد البيوت المصرية، وشبحاً يخيم على حياة الملايين من الطلبة والطالبات الذين تفرقت أحلامهم ما بين من يريد أن يصبح طبيباً أو يصبح مهندساً، وقضت عليها امتحانات الثانوية العامة.. لمَ كل هذا؟ اطرحْ هذا السؤال، ولن تجد له إجابة مهما حييت أو ربما ستجد ولكن لن تفيدك الإجابة بشيء؛ فوزير التربية والتعليم قد قضى على أحلام الملايين بالمجموع العالي، وتعويض سهر اليالي، وبتعامله مع الأمر بطريقة: "سأفعل ما أريد طالما أستطيع فعله، ولا أحد -سواء من الطلاب أو أسرهم- سيقدرون على ردعي"، أو ببساطة تعامله مع أزمة الثانوية بمبدأ "البقاء للأقوى"، ولمن بيده الحل والعَقد. وقد تعجبت أكثر وأكثر حينما علمت أن أسر الطلبة "المظلومين" -واعذروني إن قلت مظلومين- تقوم بالاستنجاد بالرئيس محمد حسني مبارك؛ لإنقاذهم من رعب امتحانات الثانوية العامة، خصوصاً بعد أن حاول طالبان الانتحار، وقام بعضهم بتمزيق أوراق الأسئلة كشكل من أشكال الاحتجاج على صعوبة الامتحانات، وقيام أولياء الأمور بالمظاهرات الاحتجاجية، وخاصة امتحان التفاضل، والذي علّق سيادة الوزير عليه بأنها مادة تراكمية.. عذرا سيادة الوزير.. دعني أوجّه إليك بعض الأسئلة.. التفاضل مادة تراكمية على أي أساس؟!! فهي ليست اللغة الإنجليزية، ونحن لسنا كالمدارس الأجنبية التي تقوم بمراجعة ما يعرفه الطلبة من معلومات عن المناهج في بداية كل عام، لتصف المنهج بأنه تراكمي. حاشا لله فما نفعله في مصر هو أن نحفظ المادة "صَمّ" ونُفرغ المعلومات التي حفظناها في الامتحانات، ولا نعيد شحنها مرة أخرى، فقد انتهى أمرها للأبد، فكيف لنا أن نتذكرها وقت الامتحان المتوقع من واضعيه أن يكون من داخل المنهج الدراسي. سيادة وزير التعليم.. هل صعوبة الامتحانات هذا العام هي الثمن الذي يتلقاه أولياء الامور جزاء ما دفعوه للمدرسين والمدرسات أول كل شهر وكل درس من قوت يومهم، وهم ينتظرون حصاد هذا المجهود النفسي والمادي والعقلي والبدني فيما بعد؟! أم جزاؤهم تصريح "يوجع البطن" من سيادتكم تقول فيه "من يحصل على مجموع 85% في الثانوية العامة هذا العام سوف أزوره في بيته".. ولكن حمداً لله؛ فهناك ستة -وليس عشرة بالطبع كما جرت العادة- من التلاميذ هذا العام يا سيادة الوزير ستقوم بزيارتهم في المنزل "حمد وعدل من عند الله، إحنا شعب مش طماع". سيادة الوزير.. ماذا سيفعل أولياء الأمور حينما يعلمون بأنهم حتى لكي يتأكدوا من حصول أبنائهم على الدرجات الصحيحة عليهم أن يدفعوا ويستدينوا -بجملة المصاريف التي دفعوها- مبلغ 100 جنيه لإعادة رصد الدرجات عن كل مادة لحساب صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية؟! هذا على اعتبار وجود مشروعات تعليمية لدينا من الأساس.. ماذا سيفعل الطلبة والطالبات حينما يعلمون أن التنسيق سيقبل فقط 700 طالب لكلية الطب و500 لكلية الصيدلة و2000 لكلية الهندسة مع إلغاء الانتساب الموجّه؟ دعني أسرد لسيادتك الاختيارات المتاحة أمامهم: 1- سيقوم القادرون من أولياء الأمور بالتوجه إلى الجامعات الخاصة ويا لها من فرصة للترويج لتلك الجامعات. 2- سيتوجه بعض الطلبة للعمل بالورش والمحلات -بما أن أصحاب المؤهلات لا يجدون عملاً في الأساس- في محاولة منهم لتعويض الأهل عما دفعوه بالدروس الخصوصية. 3- سيتوجه البعض الآخر للمدرسين الذين قاموا بتدريس المواد التعليمية لهم لإلقاء اللوم عليهم بأنهم فشلوا في تعليمهم، وقد تنتهي حالات بمشاجرات وخلافات في أقسام الشرطة. 4- سيمكث العديد من الطلبة في المنازل منتظرين حدوث معجزة وبما أننا لسنا بزمن المعجزات، فليس لهم أن يأملوا بحدوث ذلك.. والآن عندما أنظر لهذه الخيارات ليس لي إلا أن أتخيل أنه وبكل بساطة قد ضاعت أحلامهم وآمالهم بسبب الهجرة إلى "الثانوية العامة"، والتي رجعوا منها فارغي الأيدي ولا حول لهم ولا قوة. وسؤالي الأخير والذي أتمنى أن يجيبني عليه الوزير أو أي شخص آخر.. لا يهم.. هل نحن بصدد حل القضية الفلسطينية أم ماذا؟! عذرا فما هي بالنسبة لسيادتك إلا بضع درجات "لا طلعت ولا نزلت"، ومش نهاية الكون، ولكنها بالنسبة للطالب وأسرته تمثّل كل شيء؛ أحلامه ومجهوده ومستقبله.. ولكن من يهتم!! على أية حال فالتعليم في مصر في مرحلة انهيار من الأساس، سواء كمناهج أو كمنظومة، لكن المطلوب قليل من الضمير، وطلب أكيد على لسان الملايين: "حسّنوا التعليم والمعلمين الأول، وتعالوا على الطلبة الغلابة بعد كده مش هيبقى الظلم من كل ناحية".