يا ترى ما هي هدية بن لادن للمسلمين في رمضان؟؟ هل سيقوم بضربة جديدة ضد أمريكا؟؟ أم سيقوم بضرب المصالح الأمريكية.. سفارة أو مبنى زي ما حصل عام 1998 عندما تم ضرب سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا، وهو نفس العام الذي شهد ميلاد القاعدة على أساس الفكر السلفي الجهادي الذي يتحدث عن مواجهة العدو القريب "الولاياتالمتحدة والدول الكافرة المعادية للمسلمين"، والعدو القريب "الأنظمة الكافرة التي لا تطبق شرع الله"؟ سبب هذا السؤال مرور 8 سنوات على تفجير برجي مبنى التجارة العالمي (11 سبتمبر 2009)، لكن مرت الذكرى بدون حس ولا خبر، وفوجئ الجميع بتسجيل صوتي بثته قناة الجزيرة يوم الاثنين 14 سبتمبر.. يعني بعد 3 أيام كان عبارة عن كلام في كلام.. بل كان واحدا من أقصر التسجيلات التي تم بثها لابن لادن (11 دقيقة)، تضمنت 1050 كلمة، يعني حجم مقال متوسط الحجم ينشر في جريدة.. برضه مش هو ده الأساس.. لكن هناك بعض الملاحظات أهمها:
أن بن لادن كان منهكا جدا.. هل بسبب الصيام أو المرض.. الله أعلم.. بس لو الموضوع صيام.. كان يمكن يتحدث بعد الإفطار؛ لأنه حديث مسجل مش على الهوا "لايف". طيب هل لأنه مريض.. العلم عند الله.. فهناك شائعات نسمعها كثيرا عنه زي ما أشيع قبل عشر سنوات من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بناء على تقارير للمخابرات الباكستانية تفيد بأن بن لادن يعاني من مرضٍ عضال وقد لا يعيش سوى خمسة إلى ستة أشهر على أكثر تقدير.. وظهر بن لادن في الجزيرة في حينها وتحدث عن أنه يركب الفرس ويسير به لمدة 70 كيلومترا بدون توقف.
الملاحظة الثانية أن بن لادن لم يأت بجديد في خطابه الذي جاء تحت عنوان "بيان للشعب الأمريكي" حاول فيه تبرير هجمات سبتمبر بأنها ترجع إلى الممارسات الصهيونية في فلسطين، ودعم إدارة بوش اليمينية المحافظة لهذه المجازر، بتأثير من اللوبي الصهيوني.. يعني هو يحاول التبرير.. وطالب الأمريكيين بضرورة إعادة النقاش في تحالفهم مع الصهاينة حيث قال: "آن الأوان أن تتحرروا من الخوف والإرهاب الفكري الذي يمارسه عليكم المحافظون الجدد واللوبي الإسرائيلي".
"لتضعوا ملف حلفكم مع الإسرائيليين على طاولة النقاش، ولتسألوا أنفسكم ولتحددوا موقفكم: هل أمنكم ودماؤكم وأبناؤكم وأموالكم ووظائفكم وبيوتكم واقتصادكم وسمعتكم أحب إليكم، أم أمن الإسرائيليين وأبناؤهم واقتصادهم؟". لكن يبدو أنه نسي الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في وصول أي رئيس أمريكي للحكم بغض النظر عن توجهه الديمقراطي أو الجمهوري.. هذا طبعا بخلاف الناحية الدينية التي ينطلق منها اليمين المسيحي المحافظ في التحالف مع اليهود للقضاء على المسلمين أولا، ونزول المسيح بعد ذلك، ودخول الناس في المسيحية في إطار ما يعرف باسم معركة هرمجدون..
ومعنى هذا أن محاولة بن لادن الوقيعة بين الأمريكان واليهود قد لا تجدي نفعا، بل على العكس يمكن أن يستغل اللوبي الصهيوني هذه التصريحات لإحداث مزيد من التقارب بين أمريكا وإسرائيل.
أن بن لادن لم يتحدث عن تهديد بعينه، وإنما اكتفى بمخاطبة الأمريكيين قائلا: "إن أوقفتم الحرب فبها ونعمت، وأما إن كانت الأخرى فليس أمامنا بُدّ من مواصلة حرب الاستنزاف لكم على جميع المحاور الممكنة، كما استنزفنا الاتحاد السوفييتي عشر سنين إلى أن تفكك بفضل الله تعالى وأصبح أثرا بعد عين، فطاولوا في الحرب ما شئتم، فأنتم تخوضون حرباً يائسة خاسرة لصالح غيركم لا تبدو لها نهاية في الأفق".
مضيفا: "نحن بإذن الله ماضون في طريقنا لتحرير أرضنا، سلاحنا الصبر، ومن الله نبتغي النصر، ولن نتخلى عن الأقصى فتمسكنا بفلسطين أعظم من تمسكنا بأرواحنا".
وهنا يثور تساؤلان.. الأول: هل يمكن أن تنهار أمريكا كما انهار الاتحاد السوفيتي بعد الهزيمة من المجاهدين في أفغانستان؟ هل تركيبة أمريكا زي تركيبة الاتحاد السوفيتي؟ والسؤال الثاني: كيف سيتم تحرير المسجد الأقصى والقدس؟؟
وما الذي قدمته القاعدة على سبيل المثال في حرب غزة الأخيرة؟ لو كانت قدمت شيئا لقامت بالإعلان عنه.. لكن لم نسمع عن أي دعم. أم إن الموضوع سري وسيتم الإعلان عنه بعد ذلك.. ربما.. وهناك سؤال ثالث: إذا كان الهدف هو فلسطين.. فلماذا القيام بهجمات في السعودية "آخرها محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية الأمير محمد بن نايف؟ ولماذا التفجيرات في الجزائر وموريتانيا وغيرها؟ هل الهدف الضغط على الأنظمة العربية العميلة من وجهة نظرهم لوقف علاقاتها مع الأمريكان والغرب؟ ربما يكون هذا هدفا..
هل أفلست القاعدة!
خطاب بن لادن يفجر قضيتين أخريين.. هما: هل فقد التنظيم قوته المادية، وكذلك قوته الفكرية؟.. إيه السبب في السؤالين.
السبب في السؤال الأول هو عدم قيام التنظيم بشن هجمات قوية ضد المصالح الأمريكية منذ أحداث سبتمبر 2001.. وكل الحوادث التي تقوم بها التنظيمات التابعة له في بعض البلاد العربية لم تزلزل هذه البلاد. بل على العكس أدت إلى زيادة التضييق على عناصر التنظيم خاصة في ظل اتباع هذه الدول مبدأ قبول توبة هؤلاء المنضمين للتنظيم والعفو عنهم.. حدث هذا في السعودية, وحدث مثله في الجزائر.
أما السبب في الحديث عن تراجع قوته الفكرية.. فهذا وارد أيضا بعد انتشار فكر المراجعات داخل الحركات الجهادية المسلحة التي سبقت القاعدة في النشأة والتنظيم.. حدث هذا في مصر حيث مراجعات الجماعة الإسلامية التي بدأت عام 1997، والتي وصلت إلى ذروتها العام الماضي في مراجعات منظّر الجماعة الدكتور فضل.. وهي بلا شك تضرب القاعدة في الصميم خاصة فيما يتعلق بالخروج على الحكام في الدول الإسلامية والسعي لاغتيالهم، وما قد يترتب على ذلك من قتل المدنيين الأبرياء.. كما انتشرت المراجعات في دول أخرى مثل الجزائر والمغرب، وحتى ليبيا.. وهذا يؤكد أن فكرة التغيير بالقوة لها ضوابط وقيود، كما أن الأمر يوزن بحساب فقه الأولويات، والموازنات وليس الأمر على إطلاقه.. ولا شك أن موضوع المراجعات هذا يعرّي القاعدة من سندها الشرعي.
طعنة أوباما للقاعدة!
إذا كانت القاعدة قد كسبت تعاطفا كبيرا لأفكارها داخل الشارع الإسلامي بسبب ممارسات بوش السابقة ضد العالم الإسلامي واحتلاله لبلدين إسلاميين هما العراق وأفغانستان بدون وجه حق وتدميرهما من الداخل.. فإن جانبا كبيرا من هذا التعاطف قد تلاشى الآن لعدة أسباب منها كما سبق القول رفض الكثير لفكرة العنف والتفجيرات خاصة تلك التي تصيب المدنيين، بالإضافة لموضوع المراجعات..
لكن هناك سبب آخر هو رحيل إدارة بوش ومجيء أوباما الذي نجح بخطابه للعالم الإسلامي من القاهرة في 4 يونيو الماضي في جذب تعاطف كبير له داخل العالم الإسلامي، تماما كما خفت حدة الإسلاموفوبيا "العداء للإسلام" داخل أمريكا والغرب عموما.. صحيح أن خطاب أوباما يمكن أن يكون كلاما. لكن حتى هذا الكلام لم يكن موجودا في عهد بوش.. لذا فإن أي هجوم محتمل للقاعدة سيجعل قطاعا كبيرا داخل العالم الإسلامي متحاملا ضد القاعدة على اعتبار أنها قطعت الطريق أمام التعايش بين الأديان..
وهكذا نجح أوباما بذكاء في وضع القاعدة في موقف حرج لدرجة دفعت بن لادن في خطابه الأخير وللمرة الأولى إلى الإشادة بمواقف ثلاثة زعماء أمريكان لموقفهم من قضية فلسطين وهم: كيندي، كارتر، أوباما.. وإن عاد إلى وصف أوباما بأنه مستضعَف، ويرتمي في أحضان اليمين الصهيوني الذي كان يحكم في عهد بوش..