قد يتساءل بعض الشباب.. لماذا يُجاهِد المسلمون؟! أليس الإسلام هو دين السلام وهو الذي يدعو إلى التسامح مع الغير؟!! ثم هل يُجاهد المسلمون في حالة أن يكون الضحية مسلماً فقط؟ أم يُمكن أن يجاهدوا لنصرة غير المسلم؟؟ هذه الأسئلة هامة بالفعل، ولا بد أن يعيها الشباب المسلم في وقتنا هذا، بحيث يعرف متى يتسامح، ومتى يُدافع عن حقه، وكذلك متى يقف مع غير المسلم إن كان مظلوماً. نبدأ بالنقطة الأولى، وهي أن الإسلام بالفعل دين السلم والسلام، ولم يفرض الجهاد إلا في حالات معيّنة لأسباب مشروعة واضطرارية، كما أخبرنا الله سبحانه في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}. [البقرة - 216] وقوله في موضع آخر: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال - 61] إذن هذا هو المبدأ الأساسي التسامح والميل إلى السلام، لكن ماذا لو رفض الطرف الآخر المعادي للمسلمين نبذ استخدام القوة؟! هل يسكت المسلمون في إطار التسامح أم لا بد من المواجهة؟ إن فكرة التسامح قد تكون في حدود معينة، لكن الذي يعتدي على حرمات المسلمين ويضطهدهم ويُعذّبهم، بل الذي يضطهد غير المسلمين، أليس من الواجب الوقوف ضده والأخذ على يديه؟ الجهاد جائز حتى في الدفاع عن غير المسلمين إن هذا المبدأ بات مستقراً ليس فقط في الشريعة الإسلامية، ولكن أيضاً في القانون الدولي، خاصة ما صار يُعرف باسم "القانون الدولي الإنساني المعني بالإنسان وحقوقه"، ومن ثم صار لدينا ما يُعرف باسم "التدخّل الدولي الإنساني" من قِبل المجتمع الدولي لإنقاذ المواطنين الأبرياء الذين يتعرّضون لإيذاء من قِبل الأنظمة الحاكمة، بعدما كان غير مسموح من قبل بهذا التدخّل على اعتبار أنه يتعارَض مع سيادة الدول.. لذا سمعنا التدخل الدولي في السودان لإنقاذ مواطني دارفور وغير ذلك.. إذن الإسلام عندما يقر الجهاد لمنع الاضطهاد الذي يتعرّض له ما أسماهم القرآن ب"المستضعفين في الأرض"، فإنما هو يُقرّ مبدأ جميلاً يحمي الإنسان، ويقف إلى جانب الضعيف بغض النظر عن ديانته ما دام مظلوماً. إذن الإسلام لا يعرف التعصّب والدفاع عن المسلم فقط، وإنما يهتم أيضاً بالدفاع عن الإنسان كإنسان.. لذا اعتبر الإسلام الدفاع عن أهل الذمة من غير المسلمين -مثل اليهود والنصارى- بمثابة دفاع عن المسلمين ما دام هؤلاء في أرض الإسلام، وأن هذا الدفاع نظير ما يؤخذ منهم مما عرف في السابق ب"الجزية"، يعني باختصار أن الجزية كانت بسبب الدفاع عن هؤلاء، أما في عصرنا الحديث إذا شارك هؤلاء في القتال مع المسلمين فلا جزية عليهم. ماذا نفعل في مواجهة أعوان قابيل؟ لقد شرع القتال إذن لمواجهة الشر ودفع الاعتداء الواقع على المسلمين؛ إذن فالجهاد من أجل الدفاع عن النفس في مواجهة المعتدين.. وكما يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. وحول هذا المعنى يُؤكّد الدكتور القرضاوي في كتابه "فقه الجهاد" أن هذه الآية وما يليها تشير إلى مجموعة من الأحكام لعل أبرزها أن الأمر بالقتال موجّه ضد من بدأ المسلمين بالقتال، كما أن هناك نهياً عن الاعتداء بصفة مطلقة، فالله لا يحب المعتدين، والمسلم يحب أن يحبه الله، إذن فلا ينبغي عليه الاعتداء.. ويقول في موضع آخر "ماذا يفعل الناس إذا كثُر أتباع قابيل الشرير -الذي قتل أخاه هابيل- وكان لهم قوة وسلطان. هل يتُركون ليطغوا في البلاد ويُكثِروا فيها الفساد؟ دون أن يردعهم أحد؟". هل يمكن أن يقف الناس موقف الأخ الطيب هابيل الذي ترك لأخيه الفرصة للقتل والتدمير؟ الواقع أن الحياة لا تستقيم بغير القوة التي تحمي الحق وتقاوم الباطل، وتفرض العدل وتحارب الظلم، وتمنع قابيل من التعدّي على هابيل، وهو ما أخبر به سبحانه في قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: 126] إنقاذ المستضعفين واجب ديني لقد شرع الجهاد كذلك -والكلام للقرضاوي- إنقاذ المستضعفين في الأرض، وإن لم يكونوا مسلمين؛ لأن رفع الظلم والأذى عن جميع الناس مطلوب من المسلم إذا كان قادراً عليه ما لم يكونوا محاربين للمسلمين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] بل إن المسلم مطلوب منه أن يرفع الأذى عن الحيوان إذا كان قادراً عليه، سواء أكان هذا الأذى ناشئاً عن ظلم إنسان آخر له، أو عن أسباب طبيعية أخرى. بل إن المسلم مطلوب منه أن يرعى البيئة ويحميها من التلوّث والفساد، ويقف في وجه الذين يفسدونها ويلوّثونها؛ لأن الله لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين. إن الإسلام ليس دين سفك دماء، وإنما شُرع القتال لأغراض مشروعة أكدت عليها المواثيق الدولية بعد ذلك, ولم يزِد عدد القتلى في غزوات الرسول عن 400 شخص، في حين بلغ ضحايا الحربين العالميتين -اللتين كانتا بسبب النصارى- ملايين الأشخاص.. فهل بعد ذلك يُنسَب العنف للمسلمين؟ اقرأ أيضاً: في معنى الجهاد.. جاهد نفسك قبل مجاهدة عدوك مع القرضاوي.. الجهاد ولا التربية.. ربّي نفسك أولاً (2) مع القرضاوي: رسالة للفنانات المحجبات.. الاعتزال ليس الحل(3) مع القرضاوي: الجهاد بالنفس من أجل أرض فلسطين (4) مع القرضاوي: هل يجب الجهاد مرة كل سنة؟ (5) مع القرضاوي: هل لازم نجاهد في فلسطين؟ (6) مع القرضاوي: انتشار الإسلام بالسيف.. قول مردود عليه (7) هل تجاهد المرأة مثل الرجل؟ (8) الجهاد السلميّ في ظل سلطان جائر (9) الصح والغلط في مفهوم الجهاد المسلح (10) لا تستطيع الجهاد المسلح؟.. يمكنك الجهاد عبر الإنترنت (11) تُذاكِر وتَبَرّ بوالديك وتعمل.. أنت مجاهد في سبيل الله (12)