الأمر بدأ معي بخبر فني عن المطربة اللبنانية دوللي شاهين التي قرنت موافقتها على بطولة مسلسل "فرح وفرقة المرح" بشرط -لا نقاش فيه- يقتضي أن يقوم بإخراجه زوجها الجديد المخرج بخوس علواني، وإلّا.. "يفتح الله"! وبغض النظر عن قرار الشركة المنتجة التي رأت أنه من الأفضل والأسهل أن تستغني عن دوللي شاهين وزوجها، بدلاً من الرضوخ لمثل هذا الشرط الذي قد يجني على مسلسل كامل مدته 30 حلقة على يد مخرج مغمور كل مقوماته الفنية وخبراته في الحياة أنه زوج دوللي شاهين، وبغض النظر عن خطايا دوللي شاهين السابقة والتي لا أعرف كيف تجاوزها الجمهور وسمح لها بالغناء، بعد تلاعبها بالأديان، وإشهار إسلامها في الأزهر الشريف لتفسخ عقد زواجها من زوجها السابق، ثم تأكيدها على أنها لا زالت مسيحية حين قررت الزواج من "بخوس" آخر، إلا أن الأمر نفسه يدفعنا للتأمل وتسليط الضوء على تلك الواقعة باعتبارها استمراراً وتطوراً وتطويراً لظاهرة فنية ظهرت منذ زمن، وها هي تبعاتها وعواقبها تتوغّل وتتفشّى يوماً بعد يوم على حساب الجمهور نفسه!
في الماضي كان الجمهور يستنكر فكرة "توريث" الفن، وكانت الصحافة الفنية تهاجم ظاهرة أن يُصبح ابن الفنان الكبير فناناً هو الآخر بالوراثة والتبعية، وابنة الفنانة العلانية، نجمة هي الأخرى بين يوم وليلة ليتصدّر اسمها التترات والأفيشات فجأة بدون أي مقدّمات أو "مرمطة" في عالم الفن، من كومبارس صامت، إلى متكلّمة، إلى دور ثانٍ، إلى نجاح وحب من الجمهور يؤهلها لتصبح بطلة لتصبح نجمة بعد أن صعدت سلم المجد والشهرة بموهبتها واجتهادها لا باسم "بابي" و"مامي"!
واليوم تطوّرت الظاهرة لتصبح "الاحتكار هو الحل" و"الشلة الفنية" هي أصل اللعبة، بعد أن صار الفن عزبة يتوارثها القائمون عليه "منهم فيهم" دون أن يتركوا الباب مفتوحاً، أو حتى موارباً، لمواهب أخرى لم يحالفها الحظ، ولم تجعلها شجرة العائلة من نسل الفنان الفلاني، أو المخرج العلاني، أو المنتج الترتاني!
- الفنان الكبير حسين فهمي يقفز بزوجته الفنانة المغمورة لقاء سويدان من بداية السلم الفني إلى درجة النجومية والبطولة، ثم لا يكتفي بذلك فيجعلها.. فجأة.. بين يوم وليلة.. مطربة أيضاً، ورغم فشل ألبومها الأول بشكل جعل معظم -إن لم يكن كل- الجمهور لم يسمع عنه شيئاً، إلا أنها تواصل التحضير للألبوم الثاني وينقصها أن تخرج لنا لسانها في شماتة وغيظ قائلة: "بفلوسي ونجومية وجوزي يا كلاب"!
- الزعيم عادل إمام، الذي بدأ حياته كومبارس وصبي يتلقّى الضربات والركلات على الوجه والقفا، ثم صار هو الذي يكيلها إلى الجميع، رجالاً ونساءً في أفلامه، لم يرتض لابنه محمد أن يبدأ المشوار من بدايته الطبيعية التي ستصنع منه نجماً حقيقياً، وخاف عليه أن يتجرّع تلك المهانة والركلات والضربات التي تجرّعها في بدايته الأولى، فجعل منه ب"الدراع" و"العافية" نجم شباك في غضون سنوات قليلة ليحذو حذو أبيه في الأحضان والقبلات والإفيهات الجنسية التي أكد -بنفسه- أنها لغة العصر، وعلى رأي المثل: "ابن الوز عوّام"، واللي مش عاجبه يروح يدوّر على أب تاني يكون في شهرة ونجومية عادل إمام!
- النجمة السورية سلاف فواخرجي اشترطت هي الأخرى -أكثر من مرة- أن يُخرج زوجها المخرج وائل رمضان الأعمال التي تقوم ببطولتها.
- المنتج والفنان محمد مختار كرر الأمر نفسه مع زوجته الفنانة رانيا يوسف التي أصبحت أيضاً مفروضة على مسلسلات وأفلام بعينها من أجل إرضاء زوجها المنتج. وغيره وغيره من النماذج والأمثلة التي خرجت عن ظاهرة "بابا وماما" لتدخل حيزاً أكبر يمتد لكل أفراد العائلة الفنية، ويصبح الفن سلعة محتكرة، لا في الأفلام والمسلسلات فقط، بل بدءاً من معهد السينما والفنون المسرحية اللذين أصبح بهما مقاعد محددة ومحجوزة لأبناء وأقارب الفنانين، خاصة تلك الشعب والأقسام المهمة "اللي عليها العين"، وقبل التخرّج يجد هؤلاء المحظوظون من الأبناء والأقارب أماكن محجوزة في الأفلام والمسلسلات!
نعم هناك نماذج ناجحة تؤكد أن الوساطة قد تجدي وتفيد أحياناً خاصة مع دنيا سمير غانم، وأحمد الفيشاوي، وغادة عادل التي حوّلها زوجها المنتج والمخرج من مجرد "موديل" إلى نجمة يُحبها الجمهور بفعل تلقائيتها وموهبتها لا بفلوس ووساطة زوجها، لكن هذا هو الاستثناء، وليس من المقبول أو المنصف أن يُصبح هو القاعدة، لذا ما بين ظاهرة توريث الفن من الأهل للأولاد، واقتصار الفن على "شلّة" بعينها تحتكر كل شعبه وأقسامه، علينا أن نمد الخط على استقامته حتى نصل إلى حل لتلك الظاهرة المأسوفة، وحتى نصل علينا أن نتساءل:
لماذا يحتكر ويستحوذ النجوم على المال والشهرة والمعاهد والجوائز والمهرجانات رغم أن الدستور المصري ينصّ على مبدأ تكافؤ الفرص، وتؤكد كل بنوده ونصوصه أن المصريين متساوون في الحقوق والواجبات؟!
أيها الجمهور "الضحية"، ويا أيتها المواهب "المجني عليها".. نحن نتكلم كثيراً عن انهيار الفن، لكننا لا ننظر للسبب الحقيقي خلف هذا الانهيار الذي أسفر عن ظهور موجات من الإسفاف والابتذال.. لم نناقش حرمان الموهوبين من حقهم في الظهور على الشاشة أو الوقوف على خشبة المسرح.. لم نقاطع تلك الأعمال التي أورث فيها النجوم الكبار البطولات "الزائفة" لأبنائهم وذويهم من أنصاف الموهوبين.. لم نتمرّد على غلق باب الصعود للنور والنجاح والمجد والنجومية وانفتاحه فقط أمام أصحاب الحظوة والقرابة والمعرفة بالكبار.. لم نفكّر في إعادة القاعدة الكونية السليمة التي تنصّ على أن العمل والاجتهاد والموهبة هم أصل النجاح، وليس بدرجات القرابة وشهادات الميلاد وشجرة العائلة.. الحل فقط في يد الجمهور.
فإلى متى سيظل الفنانون يفرضون علينا أفراد عائلتهم بالقوة؟! ومتى سنقضي على "الشلة" التي تحتكر الفن لحسابها الخاص؟!!