الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الخميس 22 مايو    أسعار الدواجن واللحوم اليوم 22 مايو    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 22 مايو 2024    بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية يتلألأون بثمار المشمش    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    خفض الفائدة الرئيسية في المجر نصف نقطة مئوية    شماتة أمريكية في وفاة الرئيس الإيراني وبلينكن: لسنا حزينين والوضع أفضل بعد موته    استشهاد 10 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على غزة    نتنياهو: لا نخطط لبناء مستوطنات إسرائيلية في غزة    افعل كما يفعل الخطيب، حلمي طولان يقدم نصيحة لرئيس الزمالك لاستمرار حصد الألقاب    ضحايا لقمة العيش.. قصص مأساوية وراء «النعش الغارق» في معدية أبو غالب| بالصور    طلاب الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية يؤدون اليوم امتحان مادة الهندسة    مفتي الجمهورية: 3 عوامل تساعد على التزام الناس بتنفيذ القانون    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب.. بين قمم لا تنتهي وأحلام لا تجيء
نشر في بص وطل يوم 28 - 03 - 2010

سقطت من أعمارنا سنوات طويلة أصبحت الآن بالعشرات ونحن ننظر بأعيننا ونتطلع بقلوبنا إلى كل قمة عربية قادمة.. كنا نرسم الأحلام ونتطلع إلى الأفق البعيد ونتصوّر أمة موحدة، وشعوباً تدرك مسئولياتها في الحياة، وحكومات تخرج من هذه الأرض من خلال انتخابات حرة واختيارات سليمة ووعي كامل بقضايا وطموحات كل إنسان عربي..
ما أكثر القمم التي عبرت أمامنا ونحن نطارد أحلامنا في كل عاصمة عربية نشد إليها الرحال.. قمم عربية كثيرة جداً شهدت الكثير من بيانات الشجب والإدانة حتى أننا اعتدنا على هذا النوع من ردود الأفعال.. أن ندين وأن نشجب هذا آخر مدى وصلنا إليه ووصل إليه حكامنا، وهم يشربون القهوة العربية المرّة التي اعتدنا أن نشربها معهم كل صباح..
قمم عربية كثيرة.. اجتماعات هنا وبيانات هناك.. ولم يخلُ الأمر من خناقات وخلافات ومعارك وصلت إلى مستوى الشتائم.. وكنا نتحمّل كل شيء في سبيل أن يبقى هذا الحلم، حتى وإن أصبح في نهاية المطاف مجرد سراب كاذب وآمال عجزت أن تقاوم واقعاً عربياً ترهل واستسلم واستكان..
تأتي اليوم القمة العربية في مدينة (سِرْت) في ليبيا حيث تتكدس وتتزاحم اليوم على مائدة الحكام العرب عشرات بل مئات الملفات المؤجلة منذ سنوات بعيدة.. كلمات لم يعد فيها جديد.. وملفات أصابتها أمراض التخمة والترهل والشيخوخة في وقت واحد.. تصريحات نارية هدأت.. وقصص وعنتريات.. وبيانات شجب وإدانات.. ولكن لا شيء بعد ذلك كله غير أصداء تحملها الغرف المغلقة لأصوات لا تحمل أي شيء جديد..
يجتمع الزعماء والحكام العرب اليوم في سِرْت برئاسة زعيم عربي مخضرم هو العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية وقد شاهد هذه الاجتماعات قبل ذلك مرات كثيرة وانتقلت أمامه عشرات الصور وعشرات الزعامات وعشرات الأشخاص وعشرات البيانات الختامية ولكنّ شيئاً لم يتغيّر..
يجلس الزعيم الليبي معمر القذافي قائد الثورة الليبية وأمامه اليوم عشرات الملفات المؤجلة.. وقد يتساءل البعض من أين يبدأ الحوار؟!! وما هي القضايا التي ستكون لها الأولوية.. وما هو موقف الحكام العرب من هذا الواقع الكئيب الذي يحيط بهذه الأمة.. وما هو الأمل الذي يمكن أن تقدّمه القمة العربية في ليبيا الليلة إلى شعوب أجهدتها الإخفاقات والانكسارات ومواكب اليأس والتراجع..
أي القضايا ستكون الليلة في قائمة الأولويات أمام الحكام العرب..
في أول قمة عربية عقدت في مدينة (أنشاص) في مصر في شهر مايو عام 1946 أكدت قمة الزعماء والحكام العرب يومها على عروبة فلسطين، وأن مصيرها مرتبط تماماً بمصير دول الجامعة العربية، وأن قضية الشعب الفلسطيني هي قلب القضايا العربية..
بعد هذه القمة الأولى جاءت حرب فلسطين وإعلان بلفور ومشروع التقسيم، وخرجت الجيوش العربية تحمل هزيمة ثقيلة أمام عصابات الكيان الصهيوني، وتدفقت مواكب الملايين من المهاجرين الفلسطينيين إلى كل بقاع الدنيا تعلن عصر الشتات، وهو بداية جريمة بشعة تمثل واحدة من أكبر الجرائم في تاريخ السطو على الأوطان.. منذ هذا التاريخ.. ومنذ اجتمعت أول قمة عربية في (أنشاص) ولا تخلو قمة عربية من مشروع بيان يدين.. أو قرار يشجب.. أو احتجاج معلن أو صامت أو حديث عن المشروع الصهيوني الذي استباح الأرض العربية واغتصب وطناً بأكمله..
مرت سنوات طويلة والليلة وفي مدينة (سِرْت) في ليبيا سوف تكون قضية القدس صاحبة الأولوية في أحاديث وحكايات الحكام العرب.. سوف يتحدّثون الليلة كثيراً عن آلاف المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في القدس.. وهذا العدد الجديد الذي أطلقته الحكومة الإسرائيلية أخيراً ليتجاوز 1600 وحدة سكنية مرة واحدة، وسوف يتحدّثون عن مشروع هدم المسجد الأقصى ومعبد سليمان والحرم الإبراهيمي ومسجد بلال وعمليات التخريب التي تشهدها مدينة القدس على يد القوات الإسرائيلية..
لقد سمع الحكام العرب المجتمعون الآن في (سِرْت) آخر تصريحات زعيم العصابة الصهيونية نتنياهو، وهو يؤكد أن البناء في القدس لن يتوقف، وأنه لا فرق على الإطلاق بين البناء في القدس والبناء في تل أبيب؛ لأن القدس ليست من المستوطنات ولكنها عاصمة الدولة اليهودية.. هذه صورة من صور التحدّي الصارخ التي يمارسها الكيان الصهيوني في فلسطين طوال ستين عاماً.. على امتداد هذه السنوات لم يستطِع الحكام العرب أن يفعلوا شيئاً، وفي الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل في إقامة دولة على أحدث ما تقوم عليه الدول المعاصرة كان العرب يرجعون عشرات بلا مئات السنين للوراء..
إذا كانت الحكومات العربية قد عجزت طوال 60 عاماً عن اتخاذ موقف من المشروع الصهيوني في فلسطين، فهل يمكن لها الليلة أن تتخذ موقفاً في مدينة (سِرت) الليبية ربما أنقذ المدينة المقدّسة قبل فوات الأوان؟!!
هل يمكن أن يصدر شيء يخص القدس العربية والمسجد الأقصى يختلف عن بيانات سابقة بالشجب والإدانة؟!! وهل يمكن أن ينجح الحكام العرب في هذه القمة في تصفية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة والمتحاربة؟!! هل يمكن أن يجلس المسئولون في حماس والسلطة الفلسطينية ويفتحوا المعابر بين غزة ورام الله؟!!
هل يمكن أن تنتهي هذه المهزلة الدامية التي جعلت من القضية الفلسطينية أضحوكة أمام العالم حينما انتهت القضية إلى مستنقعات من الدم بين الإخوة الأعداء؟!!
ماذا ينتظر الحكام العرب في قمة (سِرْت) الليلة؟!! في عشرات القمم السابقة كانت هناك أحاديث مكررة عن حال التمزق والتشرذم والخلافات بين الدول العربية.. قمة الخرطوم في أغسطس 67 لجمع الصف العربي بعد نكسة يونيو.. قمة الرباط في ديسمبر 69 لوقف نزيف الدم بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المسلحة الأردنية..
قمة أخرى في الرباط في نوفمبر 74 لاعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.. قمة بغداد في مايو 78 التي رفضت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.. ثم كانت قمة تونس وانتقال جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.. وبعد ذلك شهدت العواصم العربية قمماً أخرى عام 1980 في عمّان، و81 في فاس، ثم الدار البيضاء في 85، ثم الجزائر في 88، وقمة بغداد في عام 90، ثم قمة الغزو العراقي للكويت في أكتوبر 90.. مسلسل طويل من القمم العربية التي كانت تأكيداً لانقسام هذه الأمة أكثر منها دعماً لوحدتها..
لا شيء تغيّر في العالم العربي شعوباً وحكومات حتى يمكن لنا أن نضع آمالاً على قمة (سِرْت) في ليبيا.. فالعالم العربي ما زال يُواجه مصيراً غامضاً ومستقبلاً أبعد ما يكون عن الاستقرار.. أمام قمة (سِرْت) صورة عربية قبيحة للغاية:
أكثر من دولة عربية تواجه صراعات وحروباً داخلية.. ما زال العراق محتلاً من القوات الأمريكية وانسحب العالم العربي تماماً من بلاد الرافدين وتركها حائرة ما بين القوات الأمريكية الموجودة على التراب العراقي والقوات الإيرانية المرابطة على الحدود تنتظر نصيبها من الغنيمة.. لا أحد يعرف في العالم العربي تفاصيل ما جرى للعراق طوال سنوات الاحتلال.. لا أحد يعرف ماذا بقي لشعبه من ثرواته والقوات الأمريكية تستنزف كل يوم احتياطيات البترول العراقي دون رقابة دولية أو شعبية.. لا أحد يعرف ماذا نهبت أمريكا من آثار العراق تراثاً وحضارة وبشراً.. أين علماء العراق وأين جامعاته ومكتباته؟!!!
وتاريخه وحضارته كل ما بقي من صورة العراق هو القتل اليومي والدمار الذي لم يترك للعراقيين شيئاً من وطنهم.. لقد انهارت كل المؤسسات العراقية في التعليم والأمن والدفاع والصحة والزراعة والصناعة والعلوم والآداب والفنون.. لقد استطاعت القوات الأمريكية أن تدمّر كل مقومات الدولة العراقية.. والعرب صامتون..
إذا كان هذا حال العراق المحتل.. فإن اليمن تواجه حرباً أهلية منذ سنوات ولا أحد يعلم خسائرها في الأرواح والثروات والأمن.. وما حدث في اليمن حدث في السودان بصورة أسوأ في استقلال الجنوب وهو قادم لا محالة ومآسي دارفور.. وأصبح التقسيم هو الصورة الأرجح للوطن السوداني القادم..
وفي الصومال.. انهار كل شيء ولم تعد هناك دولة، وخرج الصوماليون يعلنون الحرب على العالم كله في البحار وعلى الشواطئ.. وتحوّلت الأرض الصومالية إلى مرتع لكل من يريد شيئاً من دول الجوار..
والغريب أن الحكومات العربية لم تستوعب حتى الآن خطورة ما يجري في الصومال، وأنه تهديد للوجود العربي في البحر وباب المندب والقرن الإفريقي..
وفي لبنان.. لا يستطيع أحد أن يرسم صورة لغدٍ قريب مستقر ومتسامح بين الطوائف اللبنانية التي ظلت شهوراً طويلة تبحث عن طرف ثالث يجمع أبناء الوطن الواحد على كلمة سواء.. ما زال لبنان غير قادر حتى الآن على أن يستعيد قراره واستقراره وتطلعه نحو غد أكثر أمناً واستقراراً..
إن لغة المحاور والاستقطابات التي سادت في السنوات الأخيرة في العلاقات العربية أصبحت الآن تهدد كل الثوابت التي قام عليها الكيان العربي.. لقد تخلّى العرب عن العراق في محنته أمام الاحتلال الأمريكي.. وتخلّت الحكومات العربية عن الصومال وهو يواجه تحديات ضارية.. وتخلّت الدول العربية عن السودان وتركته يواجه مستقبلاً غامضاً في ظل التقسيم..
وشاركت أطراف عربية كثيرة في إشعال المواجهات في لبنان.. واستطاعت أمريكا أن تقسّم العالم العربي إلى معسكر للسلام وآخر للإرهاب، وأن توزّع الأدوار على الأنظمة العربية، واستطاعت إسرائيل أن تلعب دوراً في إشعال الفتن بين الدول العربية، وكثيراً ما اختلفت حكومات وتراجعت حكومات أخرى في قرارات إدانة أو احتجاج على الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بل إن إسرائيل أشعلت نيران المواجهة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وأصبح التفاوض بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أقرب كثيراً من التصالح بين فتح وحماس..
إن لغة المحاور في العالم العربي تعيد إلى أذهاننا صور الماضي البعيد التي استهدفت إهدار إمكانيات هذه الأمة في أحلاف تخدم مصالح الغرب ومشروعاته التوسعية، هذا محور يساند أمريكا وإسرائيل، وهذا محور آخر يتبع إيران، وهذا محور ثالث يتجه نحو أوروبا.. واستطاعت إيران أن تخترق العالم العربي بقوة من خلال حزب الله ونشَأ محور عربي كامل يساند إيران ويدعمها بقيادة سوريا.. وما بين محور للسلام وآخر للمقاومة تحوّل العالم العربي إلى حقل تجارب للآخرين..
وهنا انقسم العالم العربي مرة ثانية حول البرنامج النووي الإيراني.. كان الانقسام الثاني مع إيران أو ضدها.. واستطاعت الإدارة الأمريكية أن توجّه القرار العربي في أكثر من اتجاه.. وقد ترتب على هذه التقسيمات والمحاور أن سطت دول عربية على أدوار ومهام دول أخرى، وهنا غاب التنسيق وغابت هيبة القرار الموحد والإدارة الواحدة، وتحوّل العالم العربي إلى كيانات صغيرة هشّة..
بل شهدت الساحة تجاوزات خطيرة بين الشعوب، وصلت إلى حد المواجهات العسكرية كما حدث بين الحوثيين في اليمن وقوات المملكة العربية السعودية.. وما حدث من مواجهات إعلامية ضارية بين مصر والجزائر؛ بسبب مباراة في كرة القدم، وما حدث من تدخلات بين سوريا ولبنان، وما تواجهه عواصم عربية كثيرة تعاني عدم الاستقرار مثل الصومال وجيبوتي..
في ظل هذا الانقسام ظهرت كيانات صغيرة تحاول أن تصبح شيئاً كبيراً، بينما تقاعست كيانات كبيرة عن أداء دورها وتحمّل مسئولياتها فتم تهميشها وتراجع دورها، وقد ظهر ذلك واضحاً في مواقف محدودة، حينما اختارت قطر أن تلعب دوراً في المسألة اللبنانية أو قضية دارفور أو المصالحة بين دول الخليج وإيران..
هذه الصورة التي يعيشها العالم العربي تبدو واضحة تماماً أمام الحكام العرب في قمتهم في ليبيا اليوم.. فهل يستطيع الزعماء والقادة العرب أن يخرجوا بشعوبهم وأمتهم من هذا المأزق التاريخي الصعب؟!! إن معظم الشعوب العربية الآن تعاني آثار أزمة اقتصادية حادة ترتب عليها عقد قمة عربية اقتصادية في الكويت؛ لبحث تطورات الاقتصاد العالمي وأثره على الموارد العربية..
وهناك قمة ثقافية يجرى الآن بحثُ إمكانية عقدها لمناقشة مستقبل الثقافة العربية حضارة ولغة وتاريخاً.. وهذا يعني أن الأزمة لم تعد فقط قاصرة على الجانب السياسي، ولكنها انتقلت إلى هذا الكيان الاقتصادي الضخم وهذا الكيان الثقافي والحضاري، الذي يتعرّض كل يوم لعمليات تهديد واضحة وصريحة.
أمام الحكام العرب أجندة طويلة ليتهم يضعون بضع قضايا منها في دائرة القرار والتنفيذ..
كيف نواجه ما يحدث في فلسطين الآن أمام مؤامرات التوسع الاستيطاني.. كيف يمكن استخدام ما بقي من الأوراق في هذه المعركة؟!! كيف تمارس الحكومات والشعوب حقها وواجبها في رفض وتعرية ما يحدث في القدس؟!! هناك وسائل كثيرة لذلك أن تقطع الدول العربية علاقاتها السرية مع إسرائيل في التبادل التجاري والسياحي والصفقات السرية المشبوهة ورحلات رجال الأعمال والمسئولين التي لا يُعلن عنها.. وأن توقف السلطة الفلسطينية المعاملات، التي تجرى بين المسئولين فيها والكيان الصهيوني..
وأن تلغى المهرجانات والاجتماعات واللقاءات التي تشارك فيها وفود إسرائيلية.. إن إسرائيل تدخل الآن أقطاراً عربية كثيرة بعيداً عن عيون الإعلام والسياسة وهناك صفقات تجارية وبترول وغاز واتصالات.. والمطلوب أن تمارس الشعوب حقها في منع كل العلاقات المشبوهة سواء كانت في السر أو في العلن.
هل يستطيع الحكام العرب رفض السياسة الأمريكية في دعم القرار الإسرائيلي بالحق والباطل؟ هل يمكن للحكومات العربية أن تفرق بين أمريكا الصديق وأمريكا العدو الذي يساند إسرائيل؟ إن القمم العربية ما زالت تتحدّث عن السلام والمفاوضات والاستقرار في المنطقة رغم أن كل هذه المصطلحات لا تعني شيئاً بالنسبة لإسرائيل..
هل يمكن للقادة العرب أن يعيدوا حساباتهم بشأن العلاقات مع إيران؟ خاصة أن إيران لم يثبت بعد أنها امتلكت بالفعل السلاح النووي، فهل نسي العرب السلاح النووي الحقيقي في إسرائيل وأعلنوا الحرب على السلاح النووي الإيراني الذي لم يظهر بعد؟؟
تبقى بعد ذلك نقطة مهمة، وهي أن المحاور العربية التي تعمل لحساب قوى أخرى تمثّل أكبر خسارة لحقت بالعالم العربي في السنوات الأخيرة.. أن العالم العربي سيكون قوياً بوحدته وتضامنه وإمكاناته، أما الاستقواء بأطراف أخرى فهو خسارة للجميع..
هناك أطراف كثيرة تسعى للتسلل إلى العالم العربي هناك قوات أجنبية تعبث في مياهنا، وقواعد تنطلق من أراضينا ومشروعات توسعية ترتكز على مواردنا وإمكاناتنا، وهذا يعني أننا خاسرون في كل الأحوال.. كل ما نتمناه اليوم من جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى أن تشهد ليبيا مؤتمراً عربياً يتناسب مع هذه اللحظة القاسية، التي يعيشها العرب شعوباً وحكومات.
لقد سئمنا رحلة الأحلام التي استنزفت سنوات العمر، ورغم هذا لم نعد نملك شيئاً غير أن نحلم.
عن الشروق
28 مارس 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.