هل يؤدي صدور قانون العبادة الموحد الذي لم يناقَش حتى الآن في مجلس الشعب إلى مواجهة الفتنة الطائفية التي تندلع من حين لآخر بين أبناء الشعب؟؟ بعض الإخوة الأقباط يرى أن غياب صدور مثل هذا القانون هو السبب، نتيجة لعدم وجود قانون يتيح لهم بناء الكنائس بصورة سلسة، وأن كل ما هو موجود عبارة عن قرارات جمهورية أشبه بمسكنات ترتبط معظمها بتنكيس وترميم الكنائس، أو هدمها وبناء أخرى بدلاً منها.. يعني باختصار عدم التوسع في بناء الكنائس بالرغم من زيادة عدد الأقباط، ومن ثم فإن الكنائس الموجودة لا تكفيهم.. الأمر الذي قد يدفعهم إلى تحويل بعض المنازل أو حتى الجراجات إلى أماكن أشبه بالكنائس؛ مما قد يؤدي إلى حدوث مواجهات بينهم وبين المسلمين الذين يرغبون في هدم هذه الكنائس غير الرسمية. هذه الوجهة لا تصطدم بوجهة نظر الشريعة الإسلامية التي تبيح لغير المسلمين حرية ممارسة شعائرهم وبناء دور العبادة اللازمة لهم؛ لكنها أناطت هذا الأمر بالحاكم الذي يتخذ القرار المناسب حسب مقتضيات الحاجة.. بل إن شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي لم يمانع في إصدار مثل هذا القانون؛ بل وأجاز أن يوصي المسلم ببناء كنيسة أو التبرع لبناء كنيسة. لكن يبدو أن للحزب الوطني -أو للحكومة الحالية رأي آخر في هذا الموقف- عبّر عنه مؤخراً، وبصراحة؛ فهاهو د. مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، يستبعد صدور مثل هذا القانون قريباً، كما أشار إلى وجود اتجاهين في هذا الشأن: الأول صدور قانون جديد، وهذا أمر مستبعد من وجهة نظره (ولم يقل لماذا)، والثاني إدخال بعض التعديلات على القانون الموجود بما يسهّل من بناء الكنائس الجديدة، كما اعتبر أن وجود عقبات في مواجهة الكنائس لا يقتصر على الأقباط فقط؛ بل إن وزارة الأوقاف في بعض الأحيان لا توافق على بناء مساجد جديدة؛ إذ إن وزارة الأوقاف وضعت عشرة شروط صعبة لبناء المساجد الجديدة منها شرط عدم وجود مساجد قريبة. الأكثر من ذلك أن د. شهاب أكّد أن الحل ليس في القانون؛ وإنما في ثقافة التسامح بين الجميع على اعتبار أنها الضمانة الأساسية لمنع اندلاع أية مواجهات. قانون بشروط كلام د. مفيد شهاب هام جداً؛ فصحيح أن الأمر يحتاج ليس إلى نشر ثقافة التسامح فقط؛ وإنما التعايش أيضاً؛ لأن هناك فارقاً كبيراً بين الاثنين؛ فالتسامح يعني أن طرفاً سامح طرفاً آخر عن موقف؛ لكن ليس معنى هذا تعامله معه في مواقف أخرى، أما التعايش فيعني الاستمرارية في العلاقة، وهذا هو المطلوب. ولعل هذا الأمر مسئولية العديد من الجهات في الدولة، وفي مقدمتها الجهات الدينية الإسلامية والمسيحية، ثم وزارات الإعلام والثقافة والشباب، وألا يقتصر الأمر على مجرد قبلات وأحضان بين رؤوس الكيانات الدينية الإسلامية والمسيحية. كما أن نشر هذه الثقافة لا يعني بأي حال من الأحوال منع صدور القانون الجديد؛ خاصة إذا كانت هناك حاجة ملحّة لإقامة كنائس أخرى لاستيعاب المزيد من الأقباط. أما التعلل بأسباب واهية وغير مقنعة؛ فلن يزيد الإخوّة الأقباط إلا تمسكا بموقفهم. صحيح أن هذا القانون الجديد يمكن أن يضع مجموعة من الضوابط؛ كأن لا توجد كنيسة أخرى في المكان المزمع إقامة الكنيسة به، أو أن تكون هذه الكنيسة الموجودة بالفعل غير كافية لاستيعاب عدد الأقباط الموجودين في المنطقة، كما يمكن أن يتم اشتراط موافقة الأمن على اعتبار أن للجهات الأمنية حساباتها الخاصة بمنع حدوث استفزاز بين الجانبين المسلم والمسيحي؛ لا سيما وأنه يحدث في بعض الأحيان أن يكون الهدف من البناء ليس الصلاة؛ وإنما استفزاز مشاعر الطرف الآخر.. هذه الموافقة الأمنية مع أهميتها يجب أن تكون موضوعية؛ حتى لا يشعر الأقباط -تحديداً- بوجود نوع من التمييز ضدهم، ويمكن أن يتم النص في القانون على أن يكون قرار الأمن إدارياً؛ بمعنى إمكانية اللجوء إلى القضاء للاعتراض عليه، وليس سيادياً بمعنى عدم جواز الاعتراض عليه؛ لأن الأمور السيادية قد يساء فهمها في كثير من الأحيان. لكن هل معنى هذا؛ المساواة في العدد بين بناء الكنائس والمساجد؟؟
الإجابة: بالطبع لا.. لأنه لا يجوز في الأساس المساواة بين غير متساويين من حيث العدد؛ فإذا كان نسبة المسلمين إلى الأقباط 9 إلى واحد؛ فمعنى هذا أن تكون دور العبادة المخصصة لكل طرف متناسبة مع نسبة هذا الطرف.. وكما قلنا فإن وزارة الأوقاف تمنع الآن منح تراخيص بناء مساجد جديدة على اعتبار أنه لا توجد حاجة لبنائها. إذن لا بد من أن يكون هناك سعة صدر، وتفهّم من جميع الأطراف لهذه الأمور، وفي المقابل لا ينبغي بأي حال من الأحوال منع أصحاب ديانة مُعترف بها من وجود أماكن عبادة خاصة بهم؛ لكن الضرورة تقدَّر بقدرها من غير إفراط ولا تفريط.. والأمر لا تنكره الشريعة الإسلامية كما قلنا؛ وإنما أوكلته السلطة التقديرية للحاكم في إطار ما يُعرف بالسياسة الشرعية.. وقبل هذا وذاك لا بد من توافر سياسة التسامح أولاً، والتعايش ثانياً، وافتراض حسن النية ثالثاً؛ لأن هذه الأمور هي جوهر الموضوع، وليست القوانين سوى منظّمة فقط لتصرفات البشر.