تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب الجامعات الحكومية جميع المحافظات    ننشر نص كلمة الرئيس السيسى بمناسبة الاحتفال بالذكرى 73 لثورة 23 يوليو المجيدة    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    ننشر أسعار الذهب اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025.. عيار 21 يسجل 4700 جنيه    انخفاض أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    وزير الصناعة والنقل يشارك في الملتقى الاستثماري المصري الكويتي    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز اليوم الأربعاء 23 -7-2025 في أسواق الشرقية    توصيل خطوط مياه الشرب للتجمعات البدوية المحرومة بسانت كاترين    ارتفاع أسعار النفط مع تقدم المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى    الأمم المتحدة: مؤسسة غزة الإنسانية «فخ سادي للموت»    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    بزشكيان: إنهاء البرنامج النووي الإيراني وهم.. ومستعدون لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    الناجح يرفع إيده.. الطالبة ياسمين التاسعة على الجمهورية: توقعت حصولي على مجموع كبير    أخبار الطقس في السعودية اليوم الأربعاء 23 يوليو    تشييع جثمان الطفلة السادسة المتوفية لأسرة ديرمواس بالمنيا وسط صدمة الأهالي    شمال سيناء تواصل عروضها التراثية بمهرجان جرش في الأردن    رئيس وزراء اليابان: دراسة تفاصيل الاتفاقية التجارية مع أمريكا بدقة    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    50 ألف جنيه مكافأة من حزب الجبهة الوطنية لأوائل الثانوية العامة    اليوم، الأهلي السعودي في مواجهة نارية أمام كومو الإيطالي، الموعد والقنوات الناقلة    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    رابط نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 عبر بوابة الأزهر الشريف فور اعتمادها رسميًا    تنسيق الجامعات .. مؤشرات الكليات والمعاهد التي تقبل من 55% علمي وأدبي (تفاصيل)    عودة القائد.. حارس الصفاقسي يرحب ب معلول (صورة)    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    الصفقات الجديدة والراحلين يشعلون غضب يانيك فيريرا في الزمالك.. تقرير يكشف    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    "مستقبل وطن" يحشد جماهير مطاي في مؤتمر لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    من 4% إلى 70%.. الطالبة ميار حماده تحقق قفزة دراسية لافتة في قنا    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبداللطيف: دراسة الأدب ضرورية للكاتب
نشر في صوت البلد يوم 03 - 10 - 2017

يعتبر أحمد عبداللطيف من أهم الروائيين الشباب في مصر، وهو أيضاً أحد أبرز مَن يترجمون عن اللغة الإسبانية. نشر روايته الأولى «صانع المفاتيح» عام 2010 وفازت في العام نفسه بجائزة الدولة التشجيعية. صدرت تلك الرواية عن دار «العين» في القاهرة، وهي الدار نفسها التي تولت إصدار ثلاث روايات تالية لعبداللطيف؛ «عالم المندل»، «إلياس»، و «حصن التراب»، فيما أصدرت دار «آفاق» روايته «كتاب النحات» الفائزة بجائزة ساويرس العام الماضي.
في «حصن التراب»؛ يلملم أحمد عبداللطيف بعضاً من حكايا الموريسكيين، الذين أُجبروا قبل نحو أربعة قرون على ترك بلادهم وعبور البحر باتجاه أفريقيا، ليعانوا ويلات التشتت والتشرد. هنا حوار معه:
- تتناول «حصن التراب» قضية تاريخية، ولكن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكيف يمكن أن نثق في التاريخ الرسمي؟ وكيف تُمكن قراءة التاريخ؟
لا يجب أن نثق في التاريخ الرسمي، كما لا يجب أن نثق في شيء في المطلق، أو هذه على الأقل وجهة نظري في العالم. كل شيء قابل للهدم والنقد، وكل ما يبدو حقيقة الآن قد نكتشف مع الوقت أنه أكذوبة، وربما تكون الأكاذيب المروجة حقيقة أيضاً. أظن أن كل شيء مجرد خليط من حقيقة وأكاذيب، وما يشغلني هو أن أصل إلى قناعاتٍ ما اليوم، وأنا أعرف أني غداً سأفقد ثقتي فيها. من هذا المنطلق جاءت «حصن التراب»، وهي تناول تاريخي مختلف عن تناولي للتاريخ في «إلياس». أما قراءة التاريخ، فمثلها مثل العلوم الإنسانية والأنثروبولوجية، تحتاج إلى اتصال، كما نحتاج نحن إلى نقدها والتفكير فيها وتحليلها. سؤال مَن يروي التاريخ ينبغي أن يكون حاضراً، ولمَن يرويه؛ هو سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأول.
- لغة هذه الرواية شاعرية جداً... هل قصدتَ ذلك؟
حتى أصل إلى منتصف الرواية لا أقصد أي شيء إطلاقاً، لا اللغة ولا التكنيك ولا الشخصيات والأحداث. كل ما أفعله هو أني أستجيب للكتابة ولسطوتها، وهي عملية عقلية وشعورية شديدة التعقيد، لكني بصدق أستسلم للإلهام. في لحظة ما أحتاج إلى التدخل لحل صعوبات أو مآزق، حينها أبدأ في ترتيب الأحداث مثلاً، أو هدم ترتيبها، وأنظر في اللغة والتكنيك، وعادة ما تكون هذه فترة راحة لأنظر إلى العالم السردي من خارجه. لذلك أعتقد أن لكل عمل لغته وتكنيكه، وأن كل عمل يأتي بلغته، كما يأتي بشخصياته.
- هل ترى أن إيراد روابط إلكترونية لمقطوعات موسيقية كان مناسباً لكتاب ورقي؟ أم كان من الأفضل أن يتم ذلك إذا صدرت الرواية إلكترونياً؟
أرى ذلك مناسباً للكتاب الورقي، وربما يكون هذا رهاني في الحقيقة. الرواية إلكترونياً ستكون موجودة، سواء الآن أو بعد سنوات، وقارئها ربما يندمج أكثر في العمل. الحقيقة أني لا أفكر في الرواية كموسم تظهر فيه وتختفي، وأحب أن أعتقد أنها ستقرأ في زمن آخر، حتى لو كان ذلك مجرد وهم.
- في «صانع المفاتيح»؛ هل كان حرص البطل على صناعة مفتاح للسمع ونفوره من مفتاح البصر دليلاً على رغبته في أن يخرج أهله من المرحلة الشفاهية إلى الكتابية؟
رواية «صانع المفاتيح» كتبت في الفترة من 2004 وحتى 2009 وأظن أني كنت مشغولاً وقتذاك بأسئلة خاصة بالمعرفة ودور الحواس البشرية في الحصول عليها أو التخلي عنها. شخصية صانع المفاتيح هي من أكثر الشخصيات التي أحببتها، وربما حملت كثيراً من شخصيتي في تلك الفترة، بخاصة لجهة الانشغال بالأسطورة وهدمها وتشييد أخرى على أنقاضها، كما حملت معاني ثورية ولا ثورية اتفقت مع رؤيتي وقتذاك للأحوال المصرية. على أي حال؛ الخروج من الشفاهية للكتابة كان فكرة هامشية. المعرفة وعلاقتها بالسعادة أو التعاسة كانا في قلب الثيمة.
- قلتَ من قبل في شهادة لك عن الكتابة: «كتبتُ وشطبتُ ومزقتُ أوراقاً ونصوصاً بلا حصر، توقفتُ عن الكتابة وهجرتُها وقررتُ أن أتجنبها لأنها تجلب لي التعاسة في شكل مستمر»... لماذا تصر على أن تكون تعيساً؟
الكتابة، في عمقها، تقليب لكل الأوجاع الإنسانية والأفكار السوداء، ومواجهة لا بد منها مع الوساوس والمخاوف. الشخص الذي أحاول تجنبه طول الوقت هو أنا ذاتي، وهو الأمر المستحيل في حالة كونك كاتباً. أنت أمام ذكرياتك بكل ما فيها من أوجاع، أمام كل موتاك وماضيك، وأمام مستقبلك الضبابي، وأمام أسئلتك الوجودية وغموض الموت، ومحاط بكل همومك الشخصية والعامة. ألا تعتقد أن ذلك يجلب التعاسة؟ لكن المفارقة أن الكتابة تجلب لك التعاسة، لكنها في الوقت ذاته هي الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه التعاسة. بكل يقين، الكتابة قدمت لي، في المقابل، أشياء كثيرة، أهمها أنها طريقتي للتعبير عن الهواجس التي لا تفارقني. لولا الكتابة لكنتُ أكثر تعاسة.
- قلتَ من قبل أيضًا إن الرواية التي تطمح إلى أن تكتبها هي رواية الحلم...؟
كنت أحلم بكتابة رواية تشبه الحلم، في ارتباكه وغموضه وجماله وتعدد تأويلاته. رواية لقارئ خاص، قارئ سيلتقطها ويشعر بقراءتها أنه داخل حلم، حلم حقيقي وتلقائي من دون تصنع. قلتُ ذلك قبل «كتاب النحات»، والحقيقة أن هذه الرواية أشبعت هذا الطموح إلى حد ما، وإن كان راودني أيضاً في «إلياس» و «حصن التراب». بدرجة كبيرة أو صغيرة، فانتازية الحلم وواقعيته، جلاؤه وغموضه، التباسه وانفتاحه على التفسيرات، أراها تجسيداً لتصوراتي الفنية، تصورات عن جماليات الرواية وقدرتها على التواصل مع عقل القارئ ومشاعره، ومع رؤيتي أنا نفسي للعالم المضبب والمغيم، والحقائق السائلة.
- نقرأ كثيراً عن شعراء يتجهون لكتابة الرواية، غير أن العكس لا يحدث إذ لا نجد روائياً يصدر ديواناً... لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟
ليس لديَّ تفسيرٌ لهذا الأمر، ولا أرى فيه أي غرابة. الكاتب يكتب النوع الأدبي الذي يعبر عنه ويستطيع أن يضيف إليه، وعلينا أن نتوقف عن الأحكام المسبقة حتى نقرأ العمل. من ناحية أخرى، هناك الكثير من الكتاب يكتبون الرواية والقصة والشعر أو المسرح، ربما يجيدون في كل هذه الفنون أو يتفوقون في فن أكثر من فن. كقراء، نبحث عن العمل الجيد بعيداً من أي لافتات مسبقة أو ألقاب سابقة، وأعتقد أن الفنون مفتوحة على بعضها ويؤثر بعضها في بعضها الآخر. ثم أنا أكتب الشعر ولا أنشره، وأقرأ الشعر أكثر مما أقرأ الرواية.
- ترجمتَ نحو عشرين كتاباً... كيف استفاد الأديب من المترجم؟ وماذا أضاف الأول إلى الثاني؟
أكبر فائدة عادت عليَّ من الترجمة أن أتعامل مع نصي باعتباره نصاً لآخر، فيمكنني قراءته قراءة نقدية وأن أقبل، من دون شعور بالحسرة، أن أحذف كل ما يمكن حذفه أو أدخل عليه التعديلات المناسبة من وجهة نظر شخص آخر. هناك فائدة أخرى، أن أكون غيري، أن أكون وسيطاً بين القارئ والعمل الجيد وأنا أشعر بسعادة، أن أتخلى عن نرجسية الكاتب الذي يتصور أن العالم يدور حول نصه، وأن أكون في الظل بمحض إرادتي. في المقابل، منح الكاتب للمترجم خياله ومعجمه وطوّع من أجله لغته، وأفاده بذائقته في اختيار الترجمات والتوقف عن التعامل مع الترجمة باعتبارها تجارة.
- هل ترى أن المترجمين في مصر يحصلون على أجور عادلة؟
الأجور واحدة من مشكلات الترجمة في مصر، لكن هناك مشكلات عديدة خاصة بعملية الترجمة نفسها، مثل إعداد المترجم ووجود مؤسسات حقيقية تتحمس لمشروعات حقيقية، والتوقف عن العشوائية في الترجمة وعن الاعتماد على أسماء شاخت. بالطبع هناك مجهود من بعض الأفراد، سواء من المترجمين أو من داخل المؤسسات الحكومية، لكن النتيجة النهائية تبدو لي بائسة.
- هل يمكن أن نختزل أهمية الجوائز الأدبية في قيمتها المادية فقط؟
أهمية الجائزة أن تحقق رواجاً للكتاب فيصل بذلك إلى أكبر عدد ممكن من القراء، كما أنها تلفت إلى كاتبٍ يستحق المتابعة والوصول إلى شريحة أكبر من القراء والنقاد. أحب أن أنظر إلى الجائزة من هذا المنظور.
- حصلتَ على الماجستير وتعكف الآن على الدكتوراه... ماذا أضافت دراسة الأدب إليك؟
أعتقد أن دراسة الأدب ضرورية لكل كاتب، سواء كانت أكاديمية أو قراءات حرة، لأن هذه هي الطريقة الأهم لتحصيل تربية جمالية تساعد الكاتب في الحكم على نصه وتطوير نفسه. كما أن الحصول على معرفة معقولة في النقد باتت ضرورة لا غنى عنها. أتصور أن الكاتب يجب أن يعرف ماذا يفعل في نصه، حتى ولو حدث ذلك بعد الانتهاء من كتابته، هكذا يمكنه أن يجرب ويقدم مقترحات سردية جديدة.
- ماذا تكتب الآن؟
لديَّ مشروعان، رواية ومجموعة قصصية، لكنهما من ضمن مشاريع أخرى مؤجلة.
يعتبر أحمد عبداللطيف من أهم الروائيين الشباب في مصر، وهو أيضاً أحد أبرز مَن يترجمون عن اللغة الإسبانية. نشر روايته الأولى «صانع المفاتيح» عام 2010 وفازت في العام نفسه بجائزة الدولة التشجيعية. صدرت تلك الرواية عن دار «العين» في القاهرة، وهي الدار نفسها التي تولت إصدار ثلاث روايات تالية لعبداللطيف؛ «عالم المندل»، «إلياس»، و «حصن التراب»، فيما أصدرت دار «آفاق» روايته «كتاب النحات» الفائزة بجائزة ساويرس العام الماضي.
في «حصن التراب»؛ يلملم أحمد عبداللطيف بعضاً من حكايا الموريسكيين، الذين أُجبروا قبل نحو أربعة قرون على ترك بلادهم وعبور البحر باتجاه أفريقيا، ليعانوا ويلات التشتت والتشرد. هنا حوار معه:
- تتناول «حصن التراب» قضية تاريخية، ولكن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكيف يمكن أن نثق في التاريخ الرسمي؟ وكيف تُمكن قراءة التاريخ؟
لا يجب أن نثق في التاريخ الرسمي، كما لا يجب أن نثق في شيء في المطلق، أو هذه على الأقل وجهة نظري في العالم. كل شيء قابل للهدم والنقد، وكل ما يبدو حقيقة الآن قد نكتشف مع الوقت أنه أكذوبة، وربما تكون الأكاذيب المروجة حقيقة أيضاً. أظن أن كل شيء مجرد خليط من حقيقة وأكاذيب، وما يشغلني هو أن أصل إلى قناعاتٍ ما اليوم، وأنا أعرف أني غداً سأفقد ثقتي فيها. من هذا المنطلق جاءت «حصن التراب»، وهي تناول تاريخي مختلف عن تناولي للتاريخ في «إلياس». أما قراءة التاريخ، فمثلها مثل العلوم الإنسانية والأنثروبولوجية، تحتاج إلى اتصال، كما نحتاج نحن إلى نقدها والتفكير فيها وتحليلها. سؤال مَن يروي التاريخ ينبغي أن يكون حاضراً، ولمَن يرويه؛ هو سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأول.
- لغة هذه الرواية شاعرية جداً... هل قصدتَ ذلك؟
حتى أصل إلى منتصف الرواية لا أقصد أي شيء إطلاقاً، لا اللغة ولا التكنيك ولا الشخصيات والأحداث. كل ما أفعله هو أني أستجيب للكتابة ولسطوتها، وهي عملية عقلية وشعورية شديدة التعقيد، لكني بصدق أستسلم للإلهام. في لحظة ما أحتاج إلى التدخل لحل صعوبات أو مآزق، حينها أبدأ في ترتيب الأحداث مثلاً، أو هدم ترتيبها، وأنظر في اللغة والتكنيك، وعادة ما تكون هذه فترة راحة لأنظر إلى العالم السردي من خارجه. لذلك أعتقد أن لكل عمل لغته وتكنيكه، وأن كل عمل يأتي بلغته، كما يأتي بشخصياته.
- هل ترى أن إيراد روابط إلكترونية لمقطوعات موسيقية كان مناسباً لكتاب ورقي؟ أم كان من الأفضل أن يتم ذلك إذا صدرت الرواية إلكترونياً؟
أرى ذلك مناسباً للكتاب الورقي، وربما يكون هذا رهاني في الحقيقة. الرواية إلكترونياً ستكون موجودة، سواء الآن أو بعد سنوات، وقارئها ربما يندمج أكثر في العمل. الحقيقة أني لا أفكر في الرواية كموسم تظهر فيه وتختفي، وأحب أن أعتقد أنها ستقرأ في زمن آخر، حتى لو كان ذلك مجرد وهم.
- في «صانع المفاتيح»؛ هل كان حرص البطل على صناعة مفتاح للسمع ونفوره من مفتاح البصر دليلاً على رغبته في أن يخرج أهله من المرحلة الشفاهية إلى الكتابية؟
رواية «صانع المفاتيح» كتبت في الفترة من 2004 وحتى 2009 وأظن أني كنت مشغولاً وقتذاك بأسئلة خاصة بالمعرفة ودور الحواس البشرية في الحصول عليها أو التخلي عنها. شخصية صانع المفاتيح هي من أكثر الشخصيات التي أحببتها، وربما حملت كثيراً من شخصيتي في تلك الفترة، بخاصة لجهة الانشغال بالأسطورة وهدمها وتشييد أخرى على أنقاضها، كما حملت معاني ثورية ولا ثورية اتفقت مع رؤيتي وقتذاك للأحوال المصرية. على أي حال؛ الخروج من الشفاهية للكتابة كان فكرة هامشية. المعرفة وعلاقتها بالسعادة أو التعاسة كانا في قلب الثيمة.
- قلتَ من قبل في شهادة لك عن الكتابة: «كتبتُ وشطبتُ ومزقتُ أوراقاً ونصوصاً بلا حصر، توقفتُ عن الكتابة وهجرتُها وقررتُ أن أتجنبها لأنها تجلب لي التعاسة في شكل مستمر»... لماذا تصر على أن تكون تعيساً؟
الكتابة، في عمقها، تقليب لكل الأوجاع الإنسانية والأفكار السوداء، ومواجهة لا بد منها مع الوساوس والمخاوف. الشخص الذي أحاول تجنبه طول الوقت هو أنا ذاتي، وهو الأمر المستحيل في حالة كونك كاتباً. أنت أمام ذكرياتك بكل ما فيها من أوجاع، أمام كل موتاك وماضيك، وأمام مستقبلك الضبابي، وأمام أسئلتك الوجودية وغموض الموت، ومحاط بكل همومك الشخصية والعامة. ألا تعتقد أن ذلك يجلب التعاسة؟ لكن المفارقة أن الكتابة تجلب لك التعاسة، لكنها في الوقت ذاته هي الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه التعاسة. بكل يقين، الكتابة قدمت لي، في المقابل، أشياء كثيرة، أهمها أنها طريقتي للتعبير عن الهواجس التي لا تفارقني. لولا الكتابة لكنتُ أكثر تعاسة.
- قلتَ من قبل أيضًا إن الرواية التي تطمح إلى أن تكتبها هي رواية الحلم...؟
كنت أحلم بكتابة رواية تشبه الحلم، في ارتباكه وغموضه وجماله وتعدد تأويلاته. رواية لقارئ خاص، قارئ سيلتقطها ويشعر بقراءتها أنه داخل حلم، حلم حقيقي وتلقائي من دون تصنع. قلتُ ذلك قبل «كتاب النحات»، والحقيقة أن هذه الرواية أشبعت هذا الطموح إلى حد ما، وإن كان راودني أيضاً في «إلياس» و «حصن التراب». بدرجة كبيرة أو صغيرة، فانتازية الحلم وواقعيته، جلاؤه وغموضه، التباسه وانفتاحه على التفسيرات، أراها تجسيداً لتصوراتي الفنية، تصورات عن جماليات الرواية وقدرتها على التواصل مع عقل القارئ ومشاعره، ومع رؤيتي أنا نفسي للعالم المضبب والمغيم، والحقائق السائلة.
- نقرأ كثيراً عن شعراء يتجهون لكتابة الرواية، غير أن العكس لا يحدث إذ لا نجد روائياً يصدر ديواناً... لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟
ليس لديَّ تفسيرٌ لهذا الأمر، ولا أرى فيه أي غرابة. الكاتب يكتب النوع الأدبي الذي يعبر عنه ويستطيع أن يضيف إليه، وعلينا أن نتوقف عن الأحكام المسبقة حتى نقرأ العمل. من ناحية أخرى، هناك الكثير من الكتاب يكتبون الرواية والقصة والشعر أو المسرح، ربما يجيدون في كل هذه الفنون أو يتفوقون في فن أكثر من فن. كقراء، نبحث عن العمل الجيد بعيداً من أي لافتات مسبقة أو ألقاب سابقة، وأعتقد أن الفنون مفتوحة على بعضها ويؤثر بعضها في بعضها الآخر. ثم أنا أكتب الشعر ولا أنشره، وأقرأ الشعر أكثر مما أقرأ الرواية.
- ترجمتَ نحو عشرين كتاباً... كيف استفاد الأديب من المترجم؟ وماذا أضاف الأول إلى الثاني؟
أكبر فائدة عادت عليَّ من الترجمة أن أتعامل مع نصي باعتباره نصاً لآخر، فيمكنني قراءته قراءة نقدية وأن أقبل، من دون شعور بالحسرة، أن أحذف كل ما يمكن حذفه أو أدخل عليه التعديلات المناسبة من وجهة نظر شخص آخر. هناك فائدة أخرى، أن أكون غيري، أن أكون وسيطاً بين القارئ والعمل الجيد وأنا أشعر بسعادة، أن أتخلى عن نرجسية الكاتب الذي يتصور أن العالم يدور حول نصه، وأن أكون في الظل بمحض إرادتي. في المقابل، منح الكاتب للمترجم خياله ومعجمه وطوّع من أجله لغته، وأفاده بذائقته في اختيار الترجمات والتوقف عن التعامل مع الترجمة باعتبارها تجارة.
- هل ترى أن المترجمين في مصر يحصلون على أجور عادلة؟
الأجور واحدة من مشكلات الترجمة في مصر، لكن هناك مشكلات عديدة خاصة بعملية الترجمة نفسها، مثل إعداد المترجم ووجود مؤسسات حقيقية تتحمس لمشروعات حقيقية، والتوقف عن العشوائية في الترجمة وعن الاعتماد على أسماء شاخت. بالطبع هناك مجهود من بعض الأفراد، سواء من المترجمين أو من داخل المؤسسات الحكومية، لكن النتيجة النهائية تبدو لي بائسة.
- هل يمكن أن نختزل أهمية الجوائز الأدبية في قيمتها المادية فقط؟
أهمية الجائزة أن تحقق رواجاً للكتاب فيصل بذلك إلى أكبر عدد ممكن من القراء، كما أنها تلفت إلى كاتبٍ يستحق المتابعة والوصول إلى شريحة أكبر من القراء والنقاد. أحب أن أنظر إلى الجائزة من هذا المنظور.
- حصلتَ على الماجستير وتعكف الآن على الدكتوراه... ماذا أضافت دراسة الأدب إليك؟
أعتقد أن دراسة الأدب ضرورية لكل كاتب، سواء كانت أكاديمية أو قراءات حرة، لأن هذه هي الطريقة الأهم لتحصيل تربية جمالية تساعد الكاتب في الحكم على نصه وتطوير نفسه. كما أن الحصول على معرفة معقولة في النقد باتت ضرورة لا غنى عنها. أتصور أن الكاتب يجب أن يعرف ماذا يفعل في نصه، حتى ولو حدث ذلك بعد الانتهاء من كتابته، هكذا يمكنه أن يجرب ويقدم مقترحات سردية جديدة.
- ماذا تكتب الآن؟
لديَّ مشروعان، رواية ومجموعة قصصية، لكنهما من ضمن مشاريع أخرى مؤجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.