حضور حاشد في عمومية أطباء القاهرة وتكريم رواد الأطباء احتفالاً بيوم الوفاء    السيسي لطلبة الأكاديمية العسكرية: حريصون على تطوير المنظومة التعليمية والتدريبية    جولد بيليون: الذهب انخفض 2.3% خلال جلسات الأسبوع الماضي    توريد 35 ألف طن قمح إلى شون وصوامع المنيا    قطع المياه عن قريتين ببني سويف لمدة 8 ساعات.. اعرف المواعيد    الحكومة تنفي انتشار بطيخ مسرطن في الأسواق    حماس: تسلمنا رد إسرائيل والحركة ستدرس المقترح    شيماء البرديني: نتنياهو يريد استمرار الحرب للأبد ويستخدم شعبه كدروع بشرية    أنشيلوتي: جولر سيستمر مع ريال مدريد بالموسم المقبل.. وكورتوا قد يلعب ضد قادش    ماذا يحتاج يونايتد للمنافسة على الدوري؟ تين هاج يجيب    تشكيل النصر المتوقع أمام الخليج.. كريستيانو يقود الهجوم    مزقا جسده بسلاح أبيض.. مصرع عاطل على يد شقيقين ببورسعيد    ضبط 6 أشخاص بحوزتهم هيروين واستروكس وأقراص مخدرة بالقاهرة    كيف تحمي طفلك من مخاطر الدارك ويب.. بعد جريمة طفل شبرا    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط الرياح نهارا وبرودة ليلا    فيلم عالماشي بالمركز الثالث في شباك التذاكر    ناهد السباعي عن مشاركتها في مهرجان أسوان: كانت تجربة ممتعة    عمرو دياب يتألق في أضخم حفلات صيف البحرين (صور)    حكم من مات ولم يحج وكان قادرا عليه.. الأزهر يوضح ما يجب على الورثة فعله    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    «صحة كفر الشيخ» تنظم قافلة طبية لمدة يومين ضمن «حياة كريمة»    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية في متابعة أداء مراكز الرعاية الأولية    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "الشيوخ" يناقش جودة التعليم والتوسع في التصنيع الزراعي، الإثنين المقبل    بعد رأس الحكمة وقرض الصندوق.. الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    بعد بطاقة الترجي.. الأندية المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبداللطيف: دراسة الأدب ضرورية للكاتب
نشر في صوت البلد يوم 03 - 10 - 2017

يعتبر أحمد عبداللطيف من أهم الروائيين الشباب في مصر، وهو أيضاً أحد أبرز مَن يترجمون عن اللغة الإسبانية. نشر روايته الأولى «صانع المفاتيح» عام 2010 وفازت في العام نفسه بجائزة الدولة التشجيعية. صدرت تلك الرواية عن دار «العين» في القاهرة، وهي الدار نفسها التي تولت إصدار ثلاث روايات تالية لعبداللطيف؛ «عالم المندل»، «إلياس»، و «حصن التراب»، فيما أصدرت دار «آفاق» روايته «كتاب النحات» الفائزة بجائزة ساويرس العام الماضي.
في «حصن التراب»؛ يلملم أحمد عبداللطيف بعضاً من حكايا الموريسكيين، الذين أُجبروا قبل نحو أربعة قرون على ترك بلادهم وعبور البحر باتجاه أفريقيا، ليعانوا ويلات التشتت والتشرد. هنا حوار معه:
- تتناول «حصن التراب» قضية تاريخية، ولكن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكيف يمكن أن نثق في التاريخ الرسمي؟ وكيف تُمكن قراءة التاريخ؟
لا يجب أن نثق في التاريخ الرسمي، كما لا يجب أن نثق في شيء في المطلق، أو هذه على الأقل وجهة نظري في العالم. كل شيء قابل للهدم والنقد، وكل ما يبدو حقيقة الآن قد نكتشف مع الوقت أنه أكذوبة، وربما تكون الأكاذيب المروجة حقيقة أيضاً. أظن أن كل شيء مجرد خليط من حقيقة وأكاذيب، وما يشغلني هو أن أصل إلى قناعاتٍ ما اليوم، وأنا أعرف أني غداً سأفقد ثقتي فيها. من هذا المنطلق جاءت «حصن التراب»، وهي تناول تاريخي مختلف عن تناولي للتاريخ في «إلياس». أما قراءة التاريخ، فمثلها مثل العلوم الإنسانية والأنثروبولوجية، تحتاج إلى اتصال، كما نحتاج نحن إلى نقدها والتفكير فيها وتحليلها. سؤال مَن يروي التاريخ ينبغي أن يكون حاضراً، ولمَن يرويه؛ هو سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأول.
- لغة هذه الرواية شاعرية جداً... هل قصدتَ ذلك؟
حتى أصل إلى منتصف الرواية لا أقصد أي شيء إطلاقاً، لا اللغة ولا التكنيك ولا الشخصيات والأحداث. كل ما أفعله هو أني أستجيب للكتابة ولسطوتها، وهي عملية عقلية وشعورية شديدة التعقيد، لكني بصدق أستسلم للإلهام. في لحظة ما أحتاج إلى التدخل لحل صعوبات أو مآزق، حينها أبدأ في ترتيب الأحداث مثلاً، أو هدم ترتيبها، وأنظر في اللغة والتكنيك، وعادة ما تكون هذه فترة راحة لأنظر إلى العالم السردي من خارجه. لذلك أعتقد أن لكل عمل لغته وتكنيكه، وأن كل عمل يأتي بلغته، كما يأتي بشخصياته.
- هل ترى أن إيراد روابط إلكترونية لمقطوعات موسيقية كان مناسباً لكتاب ورقي؟ أم كان من الأفضل أن يتم ذلك إذا صدرت الرواية إلكترونياً؟
أرى ذلك مناسباً للكتاب الورقي، وربما يكون هذا رهاني في الحقيقة. الرواية إلكترونياً ستكون موجودة، سواء الآن أو بعد سنوات، وقارئها ربما يندمج أكثر في العمل. الحقيقة أني لا أفكر في الرواية كموسم تظهر فيه وتختفي، وأحب أن أعتقد أنها ستقرأ في زمن آخر، حتى لو كان ذلك مجرد وهم.
- في «صانع المفاتيح»؛ هل كان حرص البطل على صناعة مفتاح للسمع ونفوره من مفتاح البصر دليلاً على رغبته في أن يخرج أهله من المرحلة الشفاهية إلى الكتابية؟
رواية «صانع المفاتيح» كتبت في الفترة من 2004 وحتى 2009 وأظن أني كنت مشغولاً وقتذاك بأسئلة خاصة بالمعرفة ودور الحواس البشرية في الحصول عليها أو التخلي عنها. شخصية صانع المفاتيح هي من أكثر الشخصيات التي أحببتها، وربما حملت كثيراً من شخصيتي في تلك الفترة، بخاصة لجهة الانشغال بالأسطورة وهدمها وتشييد أخرى على أنقاضها، كما حملت معاني ثورية ولا ثورية اتفقت مع رؤيتي وقتذاك للأحوال المصرية. على أي حال؛ الخروج من الشفاهية للكتابة كان فكرة هامشية. المعرفة وعلاقتها بالسعادة أو التعاسة كانا في قلب الثيمة.
- قلتَ من قبل في شهادة لك عن الكتابة: «كتبتُ وشطبتُ ومزقتُ أوراقاً ونصوصاً بلا حصر، توقفتُ عن الكتابة وهجرتُها وقررتُ أن أتجنبها لأنها تجلب لي التعاسة في شكل مستمر»... لماذا تصر على أن تكون تعيساً؟
الكتابة، في عمقها، تقليب لكل الأوجاع الإنسانية والأفكار السوداء، ومواجهة لا بد منها مع الوساوس والمخاوف. الشخص الذي أحاول تجنبه طول الوقت هو أنا ذاتي، وهو الأمر المستحيل في حالة كونك كاتباً. أنت أمام ذكرياتك بكل ما فيها من أوجاع، أمام كل موتاك وماضيك، وأمام مستقبلك الضبابي، وأمام أسئلتك الوجودية وغموض الموت، ومحاط بكل همومك الشخصية والعامة. ألا تعتقد أن ذلك يجلب التعاسة؟ لكن المفارقة أن الكتابة تجلب لك التعاسة، لكنها في الوقت ذاته هي الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه التعاسة. بكل يقين، الكتابة قدمت لي، في المقابل، أشياء كثيرة، أهمها أنها طريقتي للتعبير عن الهواجس التي لا تفارقني. لولا الكتابة لكنتُ أكثر تعاسة.
- قلتَ من قبل أيضًا إن الرواية التي تطمح إلى أن تكتبها هي رواية الحلم...؟
كنت أحلم بكتابة رواية تشبه الحلم، في ارتباكه وغموضه وجماله وتعدد تأويلاته. رواية لقارئ خاص، قارئ سيلتقطها ويشعر بقراءتها أنه داخل حلم، حلم حقيقي وتلقائي من دون تصنع. قلتُ ذلك قبل «كتاب النحات»، والحقيقة أن هذه الرواية أشبعت هذا الطموح إلى حد ما، وإن كان راودني أيضاً في «إلياس» و «حصن التراب». بدرجة كبيرة أو صغيرة، فانتازية الحلم وواقعيته، جلاؤه وغموضه، التباسه وانفتاحه على التفسيرات، أراها تجسيداً لتصوراتي الفنية، تصورات عن جماليات الرواية وقدرتها على التواصل مع عقل القارئ ومشاعره، ومع رؤيتي أنا نفسي للعالم المضبب والمغيم، والحقائق السائلة.
- نقرأ كثيراً عن شعراء يتجهون لكتابة الرواية، غير أن العكس لا يحدث إذ لا نجد روائياً يصدر ديواناً... لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟
ليس لديَّ تفسيرٌ لهذا الأمر، ولا أرى فيه أي غرابة. الكاتب يكتب النوع الأدبي الذي يعبر عنه ويستطيع أن يضيف إليه، وعلينا أن نتوقف عن الأحكام المسبقة حتى نقرأ العمل. من ناحية أخرى، هناك الكثير من الكتاب يكتبون الرواية والقصة والشعر أو المسرح، ربما يجيدون في كل هذه الفنون أو يتفوقون في فن أكثر من فن. كقراء، نبحث عن العمل الجيد بعيداً من أي لافتات مسبقة أو ألقاب سابقة، وأعتقد أن الفنون مفتوحة على بعضها ويؤثر بعضها في بعضها الآخر. ثم أنا أكتب الشعر ولا أنشره، وأقرأ الشعر أكثر مما أقرأ الرواية.
- ترجمتَ نحو عشرين كتاباً... كيف استفاد الأديب من المترجم؟ وماذا أضاف الأول إلى الثاني؟
أكبر فائدة عادت عليَّ من الترجمة أن أتعامل مع نصي باعتباره نصاً لآخر، فيمكنني قراءته قراءة نقدية وأن أقبل، من دون شعور بالحسرة، أن أحذف كل ما يمكن حذفه أو أدخل عليه التعديلات المناسبة من وجهة نظر شخص آخر. هناك فائدة أخرى، أن أكون غيري، أن أكون وسيطاً بين القارئ والعمل الجيد وأنا أشعر بسعادة، أن أتخلى عن نرجسية الكاتب الذي يتصور أن العالم يدور حول نصه، وأن أكون في الظل بمحض إرادتي. في المقابل، منح الكاتب للمترجم خياله ومعجمه وطوّع من أجله لغته، وأفاده بذائقته في اختيار الترجمات والتوقف عن التعامل مع الترجمة باعتبارها تجارة.
- هل ترى أن المترجمين في مصر يحصلون على أجور عادلة؟
الأجور واحدة من مشكلات الترجمة في مصر، لكن هناك مشكلات عديدة خاصة بعملية الترجمة نفسها، مثل إعداد المترجم ووجود مؤسسات حقيقية تتحمس لمشروعات حقيقية، والتوقف عن العشوائية في الترجمة وعن الاعتماد على أسماء شاخت. بالطبع هناك مجهود من بعض الأفراد، سواء من المترجمين أو من داخل المؤسسات الحكومية، لكن النتيجة النهائية تبدو لي بائسة.
- هل يمكن أن نختزل أهمية الجوائز الأدبية في قيمتها المادية فقط؟
أهمية الجائزة أن تحقق رواجاً للكتاب فيصل بذلك إلى أكبر عدد ممكن من القراء، كما أنها تلفت إلى كاتبٍ يستحق المتابعة والوصول إلى شريحة أكبر من القراء والنقاد. أحب أن أنظر إلى الجائزة من هذا المنظور.
- حصلتَ على الماجستير وتعكف الآن على الدكتوراه... ماذا أضافت دراسة الأدب إليك؟
أعتقد أن دراسة الأدب ضرورية لكل كاتب، سواء كانت أكاديمية أو قراءات حرة، لأن هذه هي الطريقة الأهم لتحصيل تربية جمالية تساعد الكاتب في الحكم على نصه وتطوير نفسه. كما أن الحصول على معرفة معقولة في النقد باتت ضرورة لا غنى عنها. أتصور أن الكاتب يجب أن يعرف ماذا يفعل في نصه، حتى ولو حدث ذلك بعد الانتهاء من كتابته، هكذا يمكنه أن يجرب ويقدم مقترحات سردية جديدة.
- ماذا تكتب الآن؟
لديَّ مشروعان، رواية ومجموعة قصصية، لكنهما من ضمن مشاريع أخرى مؤجلة.
يعتبر أحمد عبداللطيف من أهم الروائيين الشباب في مصر، وهو أيضاً أحد أبرز مَن يترجمون عن اللغة الإسبانية. نشر روايته الأولى «صانع المفاتيح» عام 2010 وفازت في العام نفسه بجائزة الدولة التشجيعية. صدرت تلك الرواية عن دار «العين» في القاهرة، وهي الدار نفسها التي تولت إصدار ثلاث روايات تالية لعبداللطيف؛ «عالم المندل»، «إلياس»، و «حصن التراب»، فيما أصدرت دار «آفاق» روايته «كتاب النحات» الفائزة بجائزة ساويرس العام الماضي.
في «حصن التراب»؛ يلملم أحمد عبداللطيف بعضاً من حكايا الموريسكيين، الذين أُجبروا قبل نحو أربعة قرون على ترك بلادهم وعبور البحر باتجاه أفريقيا، ليعانوا ويلات التشتت والتشرد. هنا حوار معه:
- تتناول «حصن التراب» قضية تاريخية، ولكن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكيف يمكن أن نثق في التاريخ الرسمي؟ وكيف تُمكن قراءة التاريخ؟
لا يجب أن نثق في التاريخ الرسمي، كما لا يجب أن نثق في شيء في المطلق، أو هذه على الأقل وجهة نظري في العالم. كل شيء قابل للهدم والنقد، وكل ما يبدو حقيقة الآن قد نكتشف مع الوقت أنه أكذوبة، وربما تكون الأكاذيب المروجة حقيقة أيضاً. أظن أن كل شيء مجرد خليط من حقيقة وأكاذيب، وما يشغلني هو أن أصل إلى قناعاتٍ ما اليوم، وأنا أعرف أني غداً سأفقد ثقتي فيها. من هذا المنطلق جاءت «حصن التراب»، وهي تناول تاريخي مختلف عن تناولي للتاريخ في «إلياس». أما قراءة التاريخ، فمثلها مثل العلوم الإنسانية والأنثروبولوجية، تحتاج إلى اتصال، كما نحتاج نحن إلى نقدها والتفكير فيها وتحليلها. سؤال مَن يروي التاريخ ينبغي أن يكون حاضراً، ولمَن يرويه؛ هو سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأول.
- لغة هذه الرواية شاعرية جداً... هل قصدتَ ذلك؟
حتى أصل إلى منتصف الرواية لا أقصد أي شيء إطلاقاً، لا اللغة ولا التكنيك ولا الشخصيات والأحداث. كل ما أفعله هو أني أستجيب للكتابة ولسطوتها، وهي عملية عقلية وشعورية شديدة التعقيد، لكني بصدق أستسلم للإلهام. في لحظة ما أحتاج إلى التدخل لحل صعوبات أو مآزق، حينها أبدأ في ترتيب الأحداث مثلاً، أو هدم ترتيبها، وأنظر في اللغة والتكنيك، وعادة ما تكون هذه فترة راحة لأنظر إلى العالم السردي من خارجه. لذلك أعتقد أن لكل عمل لغته وتكنيكه، وأن كل عمل يأتي بلغته، كما يأتي بشخصياته.
- هل ترى أن إيراد روابط إلكترونية لمقطوعات موسيقية كان مناسباً لكتاب ورقي؟ أم كان من الأفضل أن يتم ذلك إذا صدرت الرواية إلكترونياً؟
أرى ذلك مناسباً للكتاب الورقي، وربما يكون هذا رهاني في الحقيقة. الرواية إلكترونياً ستكون موجودة، سواء الآن أو بعد سنوات، وقارئها ربما يندمج أكثر في العمل. الحقيقة أني لا أفكر في الرواية كموسم تظهر فيه وتختفي، وأحب أن أعتقد أنها ستقرأ في زمن آخر، حتى لو كان ذلك مجرد وهم.
- في «صانع المفاتيح»؛ هل كان حرص البطل على صناعة مفتاح للسمع ونفوره من مفتاح البصر دليلاً على رغبته في أن يخرج أهله من المرحلة الشفاهية إلى الكتابية؟
رواية «صانع المفاتيح» كتبت في الفترة من 2004 وحتى 2009 وأظن أني كنت مشغولاً وقتذاك بأسئلة خاصة بالمعرفة ودور الحواس البشرية في الحصول عليها أو التخلي عنها. شخصية صانع المفاتيح هي من أكثر الشخصيات التي أحببتها، وربما حملت كثيراً من شخصيتي في تلك الفترة، بخاصة لجهة الانشغال بالأسطورة وهدمها وتشييد أخرى على أنقاضها، كما حملت معاني ثورية ولا ثورية اتفقت مع رؤيتي وقتذاك للأحوال المصرية. على أي حال؛ الخروج من الشفاهية للكتابة كان فكرة هامشية. المعرفة وعلاقتها بالسعادة أو التعاسة كانا في قلب الثيمة.
- قلتَ من قبل في شهادة لك عن الكتابة: «كتبتُ وشطبتُ ومزقتُ أوراقاً ونصوصاً بلا حصر، توقفتُ عن الكتابة وهجرتُها وقررتُ أن أتجنبها لأنها تجلب لي التعاسة في شكل مستمر»... لماذا تصر على أن تكون تعيساً؟
الكتابة، في عمقها، تقليب لكل الأوجاع الإنسانية والأفكار السوداء، ومواجهة لا بد منها مع الوساوس والمخاوف. الشخص الذي أحاول تجنبه طول الوقت هو أنا ذاتي، وهو الأمر المستحيل في حالة كونك كاتباً. أنت أمام ذكرياتك بكل ما فيها من أوجاع، أمام كل موتاك وماضيك، وأمام مستقبلك الضبابي، وأمام أسئلتك الوجودية وغموض الموت، ومحاط بكل همومك الشخصية والعامة. ألا تعتقد أن ذلك يجلب التعاسة؟ لكن المفارقة أن الكتابة تجلب لك التعاسة، لكنها في الوقت ذاته هي الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه التعاسة. بكل يقين، الكتابة قدمت لي، في المقابل، أشياء كثيرة، أهمها أنها طريقتي للتعبير عن الهواجس التي لا تفارقني. لولا الكتابة لكنتُ أكثر تعاسة.
- قلتَ من قبل أيضًا إن الرواية التي تطمح إلى أن تكتبها هي رواية الحلم...؟
كنت أحلم بكتابة رواية تشبه الحلم، في ارتباكه وغموضه وجماله وتعدد تأويلاته. رواية لقارئ خاص، قارئ سيلتقطها ويشعر بقراءتها أنه داخل حلم، حلم حقيقي وتلقائي من دون تصنع. قلتُ ذلك قبل «كتاب النحات»، والحقيقة أن هذه الرواية أشبعت هذا الطموح إلى حد ما، وإن كان راودني أيضاً في «إلياس» و «حصن التراب». بدرجة كبيرة أو صغيرة، فانتازية الحلم وواقعيته، جلاؤه وغموضه، التباسه وانفتاحه على التفسيرات، أراها تجسيداً لتصوراتي الفنية، تصورات عن جماليات الرواية وقدرتها على التواصل مع عقل القارئ ومشاعره، ومع رؤيتي أنا نفسي للعالم المضبب والمغيم، والحقائق السائلة.
- نقرأ كثيراً عن شعراء يتجهون لكتابة الرواية، غير أن العكس لا يحدث إذ لا نجد روائياً يصدر ديواناً... لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟
ليس لديَّ تفسيرٌ لهذا الأمر، ولا أرى فيه أي غرابة. الكاتب يكتب النوع الأدبي الذي يعبر عنه ويستطيع أن يضيف إليه، وعلينا أن نتوقف عن الأحكام المسبقة حتى نقرأ العمل. من ناحية أخرى، هناك الكثير من الكتاب يكتبون الرواية والقصة والشعر أو المسرح، ربما يجيدون في كل هذه الفنون أو يتفوقون في فن أكثر من فن. كقراء، نبحث عن العمل الجيد بعيداً من أي لافتات مسبقة أو ألقاب سابقة، وأعتقد أن الفنون مفتوحة على بعضها ويؤثر بعضها في بعضها الآخر. ثم أنا أكتب الشعر ولا أنشره، وأقرأ الشعر أكثر مما أقرأ الرواية.
- ترجمتَ نحو عشرين كتاباً... كيف استفاد الأديب من المترجم؟ وماذا أضاف الأول إلى الثاني؟
أكبر فائدة عادت عليَّ من الترجمة أن أتعامل مع نصي باعتباره نصاً لآخر، فيمكنني قراءته قراءة نقدية وأن أقبل، من دون شعور بالحسرة، أن أحذف كل ما يمكن حذفه أو أدخل عليه التعديلات المناسبة من وجهة نظر شخص آخر. هناك فائدة أخرى، أن أكون غيري، أن أكون وسيطاً بين القارئ والعمل الجيد وأنا أشعر بسعادة، أن أتخلى عن نرجسية الكاتب الذي يتصور أن العالم يدور حول نصه، وأن أكون في الظل بمحض إرادتي. في المقابل، منح الكاتب للمترجم خياله ومعجمه وطوّع من أجله لغته، وأفاده بذائقته في اختيار الترجمات والتوقف عن التعامل مع الترجمة باعتبارها تجارة.
- هل ترى أن المترجمين في مصر يحصلون على أجور عادلة؟
الأجور واحدة من مشكلات الترجمة في مصر، لكن هناك مشكلات عديدة خاصة بعملية الترجمة نفسها، مثل إعداد المترجم ووجود مؤسسات حقيقية تتحمس لمشروعات حقيقية، والتوقف عن العشوائية في الترجمة وعن الاعتماد على أسماء شاخت. بالطبع هناك مجهود من بعض الأفراد، سواء من المترجمين أو من داخل المؤسسات الحكومية، لكن النتيجة النهائية تبدو لي بائسة.
- هل يمكن أن نختزل أهمية الجوائز الأدبية في قيمتها المادية فقط؟
أهمية الجائزة أن تحقق رواجاً للكتاب فيصل بذلك إلى أكبر عدد ممكن من القراء، كما أنها تلفت إلى كاتبٍ يستحق المتابعة والوصول إلى شريحة أكبر من القراء والنقاد. أحب أن أنظر إلى الجائزة من هذا المنظور.
- حصلتَ على الماجستير وتعكف الآن على الدكتوراه... ماذا أضافت دراسة الأدب إليك؟
أعتقد أن دراسة الأدب ضرورية لكل كاتب، سواء كانت أكاديمية أو قراءات حرة، لأن هذه هي الطريقة الأهم لتحصيل تربية جمالية تساعد الكاتب في الحكم على نصه وتطوير نفسه. كما أن الحصول على معرفة معقولة في النقد باتت ضرورة لا غنى عنها. أتصور أن الكاتب يجب أن يعرف ماذا يفعل في نصه، حتى ولو حدث ذلك بعد الانتهاء من كتابته، هكذا يمكنه أن يجرب ويقدم مقترحات سردية جديدة.
- ماذا تكتب الآن؟
لديَّ مشروعان، رواية ومجموعة قصصية، لكنهما من ضمن مشاريع أخرى مؤجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.