القاهرة الإخبارية: تصاعد أعمدة الدخان من قلب وزارة الدفاع الاسرائيلية في تل أبيب    خوسيه ريبيرو.. قادرون على إيقاف خطورة ميسي وأعددنا أنفسنا جيدا لهذه المباراة    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    الآن.. موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس وخطوات الاستعلام الرسمي    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    الجبهة الداخلية الإسرائيلية: تفعيل صفارات الإنذار في إيلات    مندوب أميركا أمام الأمم المتحدة: نسعى لحل دبلوماسي يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إيران: الهجمات الصاروخية على إسرائيل تضمنت للمرة الأولى إطلاقات من غواصة    استهداف مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية فى تل أبيب.. فيديو    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    كأس العالم للأندية، ملعب هارد روك جاهز لمباراة الأهلي وإنتر ميامي (صور)    ريبيرو يوجه رسالة حاسمة بشأن مراقبة ميسي.. ويشعل حماس لاعبي الأهلي «فيديو»    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    ميسي يتوعد: كأس العالم للأندية فرصة لصناعة التاريخ مع إنتر ميامي    مؤتمر أخبار اليوم العقاري.. «رواد القطاع العقاري يضعون خارطة طريق لمستقبل الصناعة»    الجنح تسدل الستار في قضية انفجار خط الغاز.. اليوم    صفارات الإنذار تدوي في عدة مناطق إسرائيلية بعد اختراق طائرات مسيرة لأجواء تل أبيب    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    "زهقت منه".. حكاية عاطل أشعل النيران في شقة والده بالطالبية    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    «النقابات الفنية» تشيد بجهود المصرية في بغداد في دعم إلهام شاهين    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    اليوم، نظر دعوى وقف تنفيذ قرار إغلاق بيوت وقصور الثقافة    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    أطباء بالمنيا يسطرون ملحمة إنسانية داخل غرفة العمليات وينقذون مريضة ووليدها    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    حركات متصاعدة في بيت المال.. حظ برج القوس اليوم 14 يونيو    محمد صبري: شيكابالا من أساطير الزمالك وله الحرية في تحديد موعد اعتزاله    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 14 يونيو 2025    سعر الذهب اليوم السبت 14 يونيو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير (تفاصيل)    تراجع سعر طن الحديد الاستثمارى وعز وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 14 يونيو 2025    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    قفزة في الاستثمارات العامة بالمنوفية ب2.8 مليار جنيه في موازنة 2024/2025    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة النقد السينمائي العربي .. غياب الأرشفة وفشل الواقعية
نشر في صوت البلد يوم 21 - 09 - 2017

هل تخدعنا التقنية؟ وما هي مهمة الناقد والنقد السينمائي العربي حيال هذه الإشكالات التي باتت جزءا من واقع الفن السابع؟ ثار هذا التساؤل عند مشاهدتي لفيلم الويسترن «الرائعون السبعة»، حيث لم أشعر للحظة أن المناظر الطبيعية من جبال وسماء وخضرة هي خدع سينمائية، على اعتبار أن سينما الويسترن أغلب مشاهدها الخارجية من مناظر طبيعية هي مشاهد حقيقية!
فشل الواقعية
تغرق السينما العربية في واقعية قاتلة، واقعية كل همهما أن تتماهى كليا مع الواقع العربي المحبط، في بيئة تنغرس فيها كل الأوجاع والأمراض والمتاهات وفي أمكنة تعكس الإحباط، بدون أن تتغلب هذه السينما على أوجاع الواقع، وتنقل هذه الواقع بجماليات كبيرة، ما جعل المشاهد العربي يفر وينأى عن المشاهد الدائمة الحزن، وبدون قدرة المخرجين على تجاوز هذه الواقعية التي كرسها النقد السينمائي العربي كمدرسة تقترب من هموم المواطن العربي، ولكن ترخي بظلالها في تكريس مزيد من اللا أمل والخيبة وتصور الأمكنة بسوداوية منفرة، تزيد من توتر الإنسان العربي وقلقه. ولتبيان هذه الحالة يمكن تناول نموذجين.. أولهما السينما المصرية، التي في الأونة الأخيرة يعكس الكثير من مشاهدها ضيق المكان والحارة ومشاهد من عنف غير مبرر، بدعوى إضفاء مزيد من الواقعية على الفيلم، فيتسابق النقاد السينمائيون بالتنويه بهذه السينما، بدون إدراك تأثير أبعادها النفسية الخطيرة على المشاهد العربي. ثم بعض الأفلام المغربية، التي صورت في الدار البيضاء وفي المناطق المهمشة في المغرب، وفي الضواحي الهامشية وما فيها من أوساخ وكلام ساقط، وغرف مظلمة وأمكنة محدودة بدون جماليات، تجعل المشاهد أسير هذه المزابل وهذه الغرف المظلمة، تجعله ينفر منها ويتجه صوب رحابة الأفلام الأمريكية والهندية، التي تبحث في سعة العيون وفضاءات تتسع لمحتويات ومضامين تتسع بأفق المكان.
تقنية في خدمة الواقعية
يقدم برنامج المونتاج «أفتر أفكت» عالما متجددا من عوالم السينما وهندستها، بالإضافة إلى برامج المونتاج الأخرى المتقدمة وتقنيات الشاشات الخضراء (الكروما)، حتى تحولت إلى مدرسة سينمائية قائمة بذاتها على مستوى الخدع السينمائية، تجعل مشاهد بانورامية كاملة، كسور الصين العظيم مثلا، ممتدا وحاضرا، ومن خلفه الجبال الشاهقة والسماء ذات الأفق البهي في قوالب سينمائية وفي لقطات بانورامية تضفي على الحكاية الواقعية مزيدا من الرحابة، فيتسع المكان رغم أنه يضيق أحيانا، وفي ضيق المكان تهرب الكاميرا إلى النوافذ والمزهريات والصور واللوحات الجميلة، وحركات الأيادي وتعابير وقسمات الوجوه، بدون أن تغرق في كآبة المكان. ما يجعلنا نطرح سؤالا جوهرياً.. لماذا تستطيع هذه السينما أن تتغلب على واقعيتها بعتبات جمالية، ولماذا تغرق السينما «العربية» في متاهات مفاهيم بالية وحرفية فجة للمدرسة الواقعية العربية؟
هل يدرك المخرج العربي ما يقدمه وما يساهم فيه بإضفائه مزيدا من الكآبات على واقع متعفن، لا يرسخ قيم الجمال بقدر ما يضيف جرعات من قهر اجتماعي وتسلط لصور البؤس والابتعاد عن إمتاع عين المشاهد العربي، الذي أضحى يبحث عن سينما مغايرة لا تذكره بما يعيشه يوميا، بدون أن يغلب لغة الإبداع والحب على لغة العنف والواقع المهين، والأمكنة التي تحجر على مواطنيها وتأسرهم برهاب الواقعية والواقعية الجديدة، وخدع الارتهان للواقع كما هو. في السينما وفي لغة الإبداع الغلبة للغة الجماليات السينمائية، وبمزج الأجناس السينمائية لتقديم تحف سينمائية رائعة، وليس التسابق على المنح السينمائية وتقديم سيناريوهات، فيها الكثير من السطحية والسذاجة.
تحت غطاء الجماليات
تقدم السينما الهوليوودية بشقيها المستقلة والسوداء نماذج أفلام متعددة تحت يافطة الكوميدي والسياسي والخيال العلمي والزومبي والرومانسي، وأحيانا المزج بين أكثر من جنس سينمائي، في حبكة وقص سينمائي واقعي متخيل بجماليات كبيرة وتقنيات مونتاج وتصوير معقدة، تسهر عليها طواقم من العمل لساعات طويلة، تقدم في طبق سينمائي يحوز الكثير من الإعجاب. تحت هذا الغطاء التقني المتطور للسينما الأمريكية بأجناسها، يصبح الإنسان العربي منغمسا في جمالياتها الإبداعية، بدون الفطنة إلى أبعادها النفسية والأيديولوجية والفكرية والاجتماعية والسياسية، التي تخلق المفارقات وتؤجج صراعات الذات والهوية وتمزق أشلاء الجسد العربي المرتهن بالأوجاع وحرقة الأسئلة التي تجدد يوميا مع عدد المشاهدات الفيلمية وعقد المقارنات، بدون القدرة على استنتاج الأجوبة في غياب نقد سينمائي عربي يخلخل بنيات هذه السينمات المقدمة للإنسان العربي. وهنا تطرح مسألة أساسية، الهروب من الذات نحو الآخر ودبلجة الآخر والاحتماء بمظلة سينما وصور جمالية مغايرة، هربا من الواقع المرير، مستقبلا هذه الجماليات بكل ما فيها، بدون طرح مزيد من الأسئلة، لأن طرح مزيد من الأسئلة يطرح مزيدا من المقارنات والمزيد من الأوجاع.
معاناة النقد
يُختزل كثيرا النقد السينمائي العربي في نقد وصفي وتعبيري، إلا قلة القلة بدون الغوص بعيدا. وتكاد صحف بعينها تحصره في المتابعات الإخبارية، بدون وجود نخبة متخصصة من النقاد السينمائيين العرب في سينما شرق آسيا ..الصين/فيتنام/ كوريا الجنوبية/اليابان، وما يكاد يصل إلى الشاشات العربية من عينة هذه الأفلام قليل جدا، ويصل بمحض المصادفة، كما هو الشأن بالنسبة للسينما الروسية وسينما أوروبا الشرقية، مع انخراط الجميع في السينما الأمريكية والإنكليزية والفرنسية والهندية. غياب هذه المتابعات وغياب نقاد عرب متخصصون في سينما بعينها، أو في أجناس سينمائية خاصة على سبيل المثال عدم وجود ناقد سينمائي عربي واحد متخصص في سينما الزومبي أو سينما الأنثروبولوجي هذا ينضاف إلى الخلط الكبير الذي يقدمه الإعلام العربي في متابعاته الإخبارية والإشهارية المجانية، لعينات من الأفلام سيئاتها أكثر من حسناتها. هذا يجعل النقد السينمائي العربي يكاد يكون منحصرا، وتنضاف إليه معضلة صحف لا تقدم سوى المتابعات السينمائية، بدون الاقتراب من عوالم النقد السينمائي أو انغلاقه في هموم السينما الوطنية العربية، وتتبع عورات المشاهير والنجوم، كل هذا ينعكس على بنية النقد العربي السينمائي الذي يبدو ضعيفا وغير متزن وغير قادر على المتابعة والمسايرة النقدية للسينما الدولية، بل يصعب على نقاد عرب عدم القدرة للنفاذ إلى عمق المنتوج السينمائي والترويج لأفلام تقدمها مجلات بعينها، ينضاف لها عدم إلمام أغلب النقاد ببعض تقنيات التصوير والمونتاج المتطورة، والانحصار في النقد الوصفي وإعادة إنتاج قصص محكية تنسجم مع الثقافة الشفهية المستشرية في البلدان العربية.
غياب الأرشيف العربي للنقد
تزداد معاناة النقد العربي في غياب أرشيف للنقد، ومؤسسة متخصصة في جمع المقالات النقدية وتبويبها، فقط هناك مواقع على قلتها وبمجهودات شخصية ونتف هنا وهناك في غياب مؤسسة عربية تقوم بهذا الدور من خلالها تساعد على الاطلاع على تجارب الآخرين النقدية والتجارب العربية الجميلة، بل الأدهى هناك أفلام عربية تصعب أرشفتها. كل هذه المعضلات تزيد من عدم تكوين مدرسة عربية نقدية سينمائية بمواصفات علمية كتخصص في النقد السينمائي، ويبقى كل ناقد سينمائي عربي يعتمد على إمكانياته الذاتية ومدى حبه للسينما وشغفه بالعمل النقدي.
....
ناقد مغربي
هل تخدعنا التقنية؟ وما هي مهمة الناقد والنقد السينمائي العربي حيال هذه الإشكالات التي باتت جزءا من واقع الفن السابع؟ ثار هذا التساؤل عند مشاهدتي لفيلم الويسترن «الرائعون السبعة»، حيث لم أشعر للحظة أن المناظر الطبيعية من جبال وسماء وخضرة هي خدع سينمائية، على اعتبار أن سينما الويسترن أغلب مشاهدها الخارجية من مناظر طبيعية هي مشاهد حقيقية!
فشل الواقعية
تغرق السينما العربية في واقعية قاتلة، واقعية كل همهما أن تتماهى كليا مع الواقع العربي المحبط، في بيئة تنغرس فيها كل الأوجاع والأمراض والمتاهات وفي أمكنة تعكس الإحباط، بدون أن تتغلب هذه السينما على أوجاع الواقع، وتنقل هذه الواقع بجماليات كبيرة، ما جعل المشاهد العربي يفر وينأى عن المشاهد الدائمة الحزن، وبدون قدرة المخرجين على تجاوز هذه الواقعية التي كرسها النقد السينمائي العربي كمدرسة تقترب من هموم المواطن العربي، ولكن ترخي بظلالها في تكريس مزيد من اللا أمل والخيبة وتصور الأمكنة بسوداوية منفرة، تزيد من توتر الإنسان العربي وقلقه. ولتبيان هذه الحالة يمكن تناول نموذجين.. أولهما السينما المصرية، التي في الأونة الأخيرة يعكس الكثير من مشاهدها ضيق المكان والحارة ومشاهد من عنف غير مبرر، بدعوى إضفاء مزيد من الواقعية على الفيلم، فيتسابق النقاد السينمائيون بالتنويه بهذه السينما، بدون إدراك تأثير أبعادها النفسية الخطيرة على المشاهد العربي. ثم بعض الأفلام المغربية، التي صورت في الدار البيضاء وفي المناطق المهمشة في المغرب، وفي الضواحي الهامشية وما فيها من أوساخ وكلام ساقط، وغرف مظلمة وأمكنة محدودة بدون جماليات، تجعل المشاهد أسير هذه المزابل وهذه الغرف المظلمة، تجعله ينفر منها ويتجه صوب رحابة الأفلام الأمريكية والهندية، التي تبحث في سعة العيون وفضاءات تتسع لمحتويات ومضامين تتسع بأفق المكان.
تقنية في خدمة الواقعية
يقدم برنامج المونتاج «أفتر أفكت» عالما متجددا من عوالم السينما وهندستها، بالإضافة إلى برامج المونتاج الأخرى المتقدمة وتقنيات الشاشات الخضراء (الكروما)، حتى تحولت إلى مدرسة سينمائية قائمة بذاتها على مستوى الخدع السينمائية، تجعل مشاهد بانورامية كاملة، كسور الصين العظيم مثلا، ممتدا وحاضرا، ومن خلفه الجبال الشاهقة والسماء ذات الأفق البهي في قوالب سينمائية وفي لقطات بانورامية تضفي على الحكاية الواقعية مزيدا من الرحابة، فيتسع المكان رغم أنه يضيق أحيانا، وفي ضيق المكان تهرب الكاميرا إلى النوافذ والمزهريات والصور واللوحات الجميلة، وحركات الأيادي وتعابير وقسمات الوجوه، بدون أن تغرق في كآبة المكان. ما يجعلنا نطرح سؤالا جوهرياً.. لماذا تستطيع هذه السينما أن تتغلب على واقعيتها بعتبات جمالية، ولماذا تغرق السينما «العربية» في متاهات مفاهيم بالية وحرفية فجة للمدرسة الواقعية العربية؟
هل يدرك المخرج العربي ما يقدمه وما يساهم فيه بإضفائه مزيدا من الكآبات على واقع متعفن، لا يرسخ قيم الجمال بقدر ما يضيف جرعات من قهر اجتماعي وتسلط لصور البؤس والابتعاد عن إمتاع عين المشاهد العربي، الذي أضحى يبحث عن سينما مغايرة لا تذكره بما يعيشه يوميا، بدون أن يغلب لغة الإبداع والحب على لغة العنف والواقع المهين، والأمكنة التي تحجر على مواطنيها وتأسرهم برهاب الواقعية والواقعية الجديدة، وخدع الارتهان للواقع كما هو. في السينما وفي لغة الإبداع الغلبة للغة الجماليات السينمائية، وبمزج الأجناس السينمائية لتقديم تحف سينمائية رائعة، وليس التسابق على المنح السينمائية وتقديم سيناريوهات، فيها الكثير من السطحية والسذاجة.
تحت غطاء الجماليات
تقدم السينما الهوليوودية بشقيها المستقلة والسوداء نماذج أفلام متعددة تحت يافطة الكوميدي والسياسي والخيال العلمي والزومبي والرومانسي، وأحيانا المزج بين أكثر من جنس سينمائي، في حبكة وقص سينمائي واقعي متخيل بجماليات كبيرة وتقنيات مونتاج وتصوير معقدة، تسهر عليها طواقم من العمل لساعات طويلة، تقدم في طبق سينمائي يحوز الكثير من الإعجاب. تحت هذا الغطاء التقني المتطور للسينما الأمريكية بأجناسها، يصبح الإنسان العربي منغمسا في جمالياتها الإبداعية، بدون الفطنة إلى أبعادها النفسية والأيديولوجية والفكرية والاجتماعية والسياسية، التي تخلق المفارقات وتؤجج صراعات الذات والهوية وتمزق أشلاء الجسد العربي المرتهن بالأوجاع وحرقة الأسئلة التي تجدد يوميا مع عدد المشاهدات الفيلمية وعقد المقارنات، بدون القدرة على استنتاج الأجوبة في غياب نقد سينمائي عربي يخلخل بنيات هذه السينمات المقدمة للإنسان العربي. وهنا تطرح مسألة أساسية، الهروب من الذات نحو الآخر ودبلجة الآخر والاحتماء بمظلة سينما وصور جمالية مغايرة، هربا من الواقع المرير، مستقبلا هذه الجماليات بكل ما فيها، بدون طرح مزيد من الأسئلة، لأن طرح مزيد من الأسئلة يطرح مزيدا من المقارنات والمزيد من الأوجاع.
معاناة النقد
يُختزل كثيرا النقد السينمائي العربي في نقد وصفي وتعبيري، إلا قلة القلة بدون الغوص بعيدا. وتكاد صحف بعينها تحصره في المتابعات الإخبارية، بدون وجود نخبة متخصصة من النقاد السينمائيين العرب في سينما شرق آسيا ..الصين/فيتنام/ كوريا الجنوبية/اليابان، وما يكاد يصل إلى الشاشات العربية من عينة هذه الأفلام قليل جدا، ويصل بمحض المصادفة، كما هو الشأن بالنسبة للسينما الروسية وسينما أوروبا الشرقية، مع انخراط الجميع في السينما الأمريكية والإنكليزية والفرنسية والهندية. غياب هذه المتابعات وغياب نقاد عرب متخصصون في سينما بعينها، أو في أجناس سينمائية خاصة على سبيل المثال عدم وجود ناقد سينمائي عربي واحد متخصص في سينما الزومبي أو سينما الأنثروبولوجي هذا ينضاف إلى الخلط الكبير الذي يقدمه الإعلام العربي في متابعاته الإخبارية والإشهارية المجانية، لعينات من الأفلام سيئاتها أكثر من حسناتها. هذا يجعل النقد السينمائي العربي يكاد يكون منحصرا، وتنضاف إليه معضلة صحف لا تقدم سوى المتابعات السينمائية، بدون الاقتراب من عوالم النقد السينمائي أو انغلاقه في هموم السينما الوطنية العربية، وتتبع عورات المشاهير والنجوم، كل هذا ينعكس على بنية النقد العربي السينمائي الذي يبدو ضعيفا وغير متزن وغير قادر على المتابعة والمسايرة النقدية للسينما الدولية، بل يصعب على نقاد عرب عدم القدرة للنفاذ إلى عمق المنتوج السينمائي والترويج لأفلام تقدمها مجلات بعينها، ينضاف لها عدم إلمام أغلب النقاد ببعض تقنيات التصوير والمونتاج المتطورة، والانحصار في النقد الوصفي وإعادة إنتاج قصص محكية تنسجم مع الثقافة الشفهية المستشرية في البلدان العربية.
غياب الأرشيف العربي للنقد
تزداد معاناة النقد العربي في غياب أرشيف للنقد، ومؤسسة متخصصة في جمع المقالات النقدية وتبويبها، فقط هناك مواقع على قلتها وبمجهودات شخصية ونتف هنا وهناك في غياب مؤسسة عربية تقوم بهذا الدور من خلالها تساعد على الاطلاع على تجارب الآخرين النقدية والتجارب العربية الجميلة، بل الأدهى هناك أفلام عربية تصعب أرشفتها. كل هذه المعضلات تزيد من عدم تكوين مدرسة عربية نقدية سينمائية بمواصفات علمية كتخصص في النقد السينمائي، ويبقى كل ناقد سينمائي عربي يعتمد على إمكانياته الذاتية ومدى حبه للسينما وشغفه بالعمل النقدي.
....
ناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.