تعرضت مهنة النقد السينمائى خلال السنوات الأخيرة لحالة من التراجع الشديد فى ظل غياب المتخصصين ، وفى الوقت الذى كان النقد لصانعى الأفلام دافعا للإجادة أصبح أداة للهدم يستخدمها البعض لتصفية الحسابات ومحاولة تحجيم المبدعين فى ظل وجود حالة من الفوضى فى النشر والخلط بين دور الصحفى الفنى والناقد السينمائى. «الأهرام» حاولت استطلاع آراء بعض كبار النقاد ومناقشة القضية فى البداية أكد الدكتور وليد سيف رئيس المركز القومى للسينما ورئيس قسم النقد بأكاديمية الفنون أن الناقد السينمائى مرتبط بالعملية الإبداعية حيث أن الاتجاهات الخاطئة فى النقد يزكيها ضعف الإبداع ، وهو حالة مجتمعية عامة نعيش فيها حاليا وتفرض على البعض العمل فى مجالات لا يحبونها أو يرغبون فيها ومن هنا يغيب عنهم الإبداع ، ومشكلة السينما أنها مثار اهتمام كبير من الجميع. خلط المفاهيم وأعرب عن اعتقاده أن الخطأ فى تقييم الأفلام يؤدى إلى حالة من خلط المفاهيم السينمائية ومن ضمن مشاكلنا الأساسية افتقاد النقاد الذين يملكون القدرة على تقييم الأفلام طبقا للنوع ، حيث أن معظم النقاد لديهم مقياس ثابت وهو الواقعية مع أن هذا ليس هو المقياس الوحيد لتقييم الأفلام ولأنه يجب أن يكون هناك مقاييس أخرى لتقييم الأفلام طبقا لأنواعها ، وعلى سبيل المثال الفيلم الرومانسى لا تستطيع أن تطبق عليه مقياس الأفلام الواقعية وكذلك الفانتازيا والكوميديا ، والأفلام ذات الطابع التجريبى، لذلك مطلوب من الأجيال الجديدة من النقاد أن يكون لديهم انفتاح أكثر على المدارس الحديثة وبالنسبة للخلفية العلمية للناقد السينمائى أوضح سيف أنه ليس عيبا أن يقرأ الناقد ما كتبه كبار النقاد عن نفس الفيلم ، لكن العيب أن يكون الناقد فاقدا للقدرة على التقييم حيث أن بعض النقاد تلمح خلال مقالاتهم عدم وجود وجهة نظر ورؤية نقدية خاصة بهم وأضاف: يوجد فى كل زمن النقد الجيد والنقد الردئ وهو ما يجعلنى متفائلا بالجيل الجديد من النقاد لأن لديهم القدرة على التواصل مع التكنولوجيا الحديثة والإطلاع على النقد العالمى مشيرا إلى أنه كرئيس قسم النقد بأكاديمية الفنون يؤكد أن هناك مخططا فى العام المقبل لعمل ورشه عمل فى النقد السينمائى وعمل دراسات حرة فى النقد ، كما أن المركز القومى للسينما يهتم بمساندة شباب المبدعين ومساعدة النقاد من خلال تقديم موسوعات ودليل للأفلام خيال واسع الناقدة خيرية البشلاوى ترى أن النقد السينمائى ليس بمعزل عن السينما لأنه مرتبط بالصناعة وعندما تكون الصناعة قوية وتقوم بإنتاج أفلام قوية فالطبيعى أن يحاول الناقد تحسين نفسه إذا كان فعلا ناقدا ، والسينما فن يشمل كل الفنون ويتصدى لكل القضايا ويتماشى مع كل ظواهر الحياة بحلوها ومرها وما بها من أحداث طبيعية وكونية مثل الزلازل والعواصف والبراكين والخيال العلمى ، لذلك يجب على من يتصدى لهذا العمل أن يحتوى بداخله كل مناحى الحياة وأن يكون ملما إلماما علميا بالصناعة وقادرا على قراءة الفيلم، ويكون مسئولا ولا يفصل العمل الفنى عن سياقه الاجتماعى والسياسى وعلى سبيل المثال لايمكن أن أعقد مقارنة بين الفيلم المصرى والأمريكى دون أن أكون على دراية بهذه المعايير لأن الفيلم الأمريكى عندما يناقش قضية عن الشرق الاوسط يقوم بعرض توجهات صناع الفيلم خاصة وأن السينما أصبحت سلاحا أيدولوجيا خطيرا ، لذلك يجب أن يكون الناقد متسلحا بالوعى والمعرفة والعلم بقضايا وطنه والقضايا الفنية المرتبطة بالسينما ويكون أيضا ملما بالتطور التكنولوجى والمؤثرات السمعية والبصرية لذلك يجب أن يكون الناقد صاحب خيال واسع وعلى سبيل المثال كنت أتحدث مع أحد النقاد عن فيلم أمريكى فاعطانى احساسا سلبيا جدا لأنه لم يتأثر بالفيلم وهذا الفيلم حصل فى نفس العام على جائزة الاوسكار لذلك ينبغى ان يكون الناقد مرهف الحس حتى يستطيع أن يلتقط الاحاسيس الموجودة بين مشاهد الفيلم. وأضافت يجب أن نميز بين الانتقاد والنقد فالأول معناه أن نفتش عن العيوب ونبرزها فقط ونأخذ موقفا عدائيا وغير موضوعى من الفيلم ، ولكن النقد هو أن يتم عمل تقييم جمالى وفنى وفكرى وهى مهمة ليست سهلة، وأعتقد أننا لو قمنا بوضع معيار دقيق لفرز النقاد الجديرين بهذا اللقب لن يتبقى أمامنا أكثر من مجموعة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، والمسألة كلها أنك لا تستطيع فصل الناقد عن المجتمع أو الصناعة لأن الصناعة نفسها تطرح أمامنا تحديا وعلى سبيل المثال عندما أشاهد فيلما مثل الفيل الازرق يجب أن يكون هناك تركيز تام والعكس عندما أشاهد فيلما مثل حلاوة روح. وأوضحت أن الذى يساهم فى هدم النقد السينمائى هو عدم حصول الناقد على مكان متميز فى الصحف وعدم وجود مطبوعات متخصصة فى النقد ، أضف إلى ذلك أن منتجى الأفلام تنتابهم السعادة عندما يتم مدح الفيلم بينما هم لا ينتبهون للنقد ، كما أن المعاهد الفنية المتخصصة ضعيفة ولا تسهم فى إخراج ناقد جيد من خلال المقررات والقائمين على العملية التعليمية غير قادرين على الإبداع ، وتسهم فى تجريف العقول حيث إنه لا يوجد من يؤمن بفكرة الكمال والكل يبحث عن الاستسهال ،والناقد الجيد عليه أن يعتمد على التثقيف والطموح الذاتى بحيث يقوم بقراءة الموضوعات المرتبطة بالعمل الفنى ويكون ملما بالثقافات الخارجية والتاريخ والجغرافيا، وعلى سبيل المثال عندما ناقشت السينما الامريكية الحرب على العراق كان هذا من منظورها ومن خلال انتاج ضخم من أجل الترويج لوجهة نظرها ، عكس مصر التى لم تنتج الأفلام المطلوبة عن حرب أكتوبر. رؤية خاصة ويؤكد الناقد على أبو شادى أن المسألة ببساطة أن هناك خلطا بين الصحافة الفنية والنقد ، والصحافة لها دور مهم جدا ومحترم فى نقل الأخبار وعمل الحوارات والتحقيقات ، لكن النقد شيء مختلف تماما لأن التعامل مع أى فيلم له قواعد ومناهج مختلفة وعلى سبيل المثال يجب أن يكون الناقد على دراية بتاريخ السينما وكذلك بجماليات العمل الفنى ، ولابد أن يكون له وجهة نظر وموقف فى كل شيء من الكون والمجتمع ولديه رؤية خاصة. وأضاف أبوشادى أن مفهوم النقد يختلف من شخص لآخر من حيث الأهداف والرسالة فهناك شخص يستمتع بالفن ، بينما آخر يبحث عن التغيير ، وثالث يبحث عن رؤية محددة داخل العمل الفنى ، لذلك يجب أن يكون الناقد على دراية كاملة بكل ما هو حديث وجديد وعلى وعى بما يدور على الساحة خاصة أن السينما فن متجدد بمعنى أن يكون الناقد مثقفا عاما متخصصا فى شئون السينما . وشدد على أن النقد الهدام سببه عدم التخصص لأنه من المستحيل أن تجد ناقدا له اسمه ومكانته يقوم بهدم فيلم ، والناقد الحقيقى يكون كلامه مبينا على خلفية علمية ممنهجة وعلى الناقد أن يؤدى دوره بأمانة ، كما على الفنان أن يتقن عمله لأن الخلاف لا يفسد للود قضية وفى النهاية الناقد مهمته تفسير العمل الفنى بحيث يسهل الأمر على المشاهد ويكشف خبايا العمل السينمائى ، وكذلك تحليل العمل بحيث يكشف الأحداث الموجودة بالفيلم ومدى ترابطها وجديتها بالإضافة إلى تقييم الفيلم وإبداء رأيه ، ووفقا لهذا المنهج يكون التقييم صحيحا ، مشيرا إلى أن الناقد الحقيقى لابد أن يتمتع بموهبة النقد وأن يعمل على إثقالها بالدراسة حيث أن معهد الفنون المسرحية به قسم نقد متميز وأخرج نقادا لهم بصمات فى تعديل مسار السينما المصرية. الموهبة والنزاهة ويؤكد محسن ويفى رئيس جمعية نقاد السينما المصريين (عضو الاتحاد الدولى للنقد) أن هناك خلطا شائعا بين الناقد السينمائى والصحفى الفنى ، فالناقد السينمائى هو من يمتلك منهجا سينمائيا يعمل من خلاله سواء كان منهجا نفسيا أوٌ إجتماعيا أوثقافيا وهذا غير موجود ، وكنا على مشارف نقد حقيقى بدأه الناقدان فتحى فرج وسمير فريد ، وكان هناك مجموعة متميزة كإستثناءات حريصة على نقد العمل من جميع زواياه خاصة مضمون العمل ، وكان بعض السينمائيين لديهم رغبة بأن يكون له مدلول اجتماعى حتى لو كان البناء السينمائى نفسه ضعيفا ونتيجة توقف نادى السينما وعدم وجود نشرات سينمائية متخصصة انتشرت الصحافة الفنية ولكن حاليا لا توجد مساحات حتى لو أراد الناقد السينمائى أن يكتب لن يجد المساحة الملائمة لهذا النوع من الكتابات ، لذلك أصبح المنتشر على الساحة الصحفى الفنى الذى لا يتعامل مع الموضوع كنص أوينقد الفيلم من جميع جوانبه ويخلط الامور. وأضاف ويفى هناك نقاد سينمائيون ليس لهم علاقة بالسينما ولهم علاقات مع الجهات الإنتاجية ولهم أهواء شخصية وأمثال هؤلاء لا يحملون صفة النقاد من الأساس لكن الناقد الحقيقى هو الذى يفترض فيه الموهبة والنزاهة ونحن نفتقد مثل هذا الناقد وهناك مجموعة صغيرة فى جمعية النقاد امثال فتحى امين ولكنهم لا يجدون الفرصة الحقيقية للنقد بسبب عدم وجود صحف أو مجلات فنية متخصصة.