أعلنت الأسبوع الماضي ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 1927 عن أفلام العام السابق، وهي من أهم الجوائز الدولية في العالم وأكثرها شهرة، وأعرق جوائز السينما، فقد بدأت عام 7291، والدورة الجديدة هي الخامسة والثمانين. تمثل المسابقات والجوائز حاجة حقيقية منذ جوائز المسرح اليوناني في القرن الخامس قبل الميلاد إلي جوائز نوبل وغيرها من الجوائز الدولية والإقليمية والوطنية في مختلف دول العالم. فمن الضروري تصفية الأعمال الكثيرة التي تصدر في كل المجالات وإلقاء الضوء علي المتميز منها وفرز الصالح من الطالح، وتحديد الجيد والأكثر جودة. والوسيلة الأساسية للفرز هي النقد، وأصل الكلمة في اللغة العربية فرز الأصلي من الزائف من العملات النقدية. وما الجوائز إلا شكل من أشكال النقد، ولذلك فالأصل في لجان التحكيم أن تتشكل من النقاد لأن الممارس غير محايد بالضرورة، والناقد محايد بالضرورة. والحياد هنا لا يعني الوسط بين موقفين، وإنما لأن الناقد له منهج معين في تقييم الأعمال ولا يتبع هواه الشخصي فيما يحب أو يكره، أما الممارس فمن الصعب أن يغير وجهة نظره عند تقييم أعمال الآخرين من الممارسين في نفس المجال. ومن المؤكد أن الجوائز ليست المقياس الوحيد لفرز الأكثر جودة، ولا حتي النقد. فكم من كتاب وفنانين عظام لم يكشف النقد عن قيمة أعمالهم عند صدورها، ولم يفوزوا بجوائز في حياتهم، أو لم تكن هناك جوائز ليفوزوا بها. وفي تقديري أن الزمن هو الذي يحكم علي ما يبقي أو لا يبقي، ولا شيء يعادل المسابقة الأكبر مع الزمن، وانظر إلي أعمال سيد درويش1923 1829 الموسيقية مثلاً، وكيف تبعث من جديد كل حين وآخر. نشأت الحاجة إلي مسابقات السينما مع تحولها إلي صناعة كبيرة بعد اختراع الأفلام الناطقة وإنشاء ستديوهات هوليود الكبيرة لإنتاج الأفلام، وهي ضاحية من ضواحي لوس أنجيليس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. ولذلك لم يكن من الغريب أن تنشأ أول مسابقة للسينما في هوليود، ولا أن تبدأ هذه المسابقة في نفس عام إنتاج أول فيلم أمريكي ناطق، وهو عام .1927 أغلب نظم الولاياتالمتحدةالأمريكية مبتكر، من نظام الانتخابات السياسية إلي نظام مسابقة الأوسكار. فالمعروف في العالم أن اختيار الفائزين بالجوائز يتم عن طريق لجان تحكيم، ولكن مسابقة الأوسكار تقوم علي التصويت المباشر لأعضاء الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم السينمائية، والذين يتم اختيارهم من الأعضاء البارزين في نقابات وروابط العاملين في السينما، وهم بذلك يعبرون عن الرأي العام السائد في نتائج التصويت. وتعبر جوائز الأوسكار منذ عام 1927، والتي يقررها مجلس إدارة الأكاديمية، عن مفاهيم معينة لفنون السينما، وتتطور مع تطور هذه الفنون. وبحكم حقيقة أن السينما الأمريكية هي الأقوي بين كل صناعات السينما في العالم، تم تبني هذه المفاهيم في أغلب البلاد. وعلي سبيل المثال تفرق جوائز الأوسكار بين أحسن فيلم وأحسن إخراج رغم أن أحسن فيلم هو من الناحية الجمالية أحسن إخراج، وتمنح جائزة أحسن فيلم للمنتج. وكثيراً ما فاز فيلم ولم يفز مخرجه، مما يثير تعليقات ساخرة، ولكن المحك هو ما ينتج عن صناديق الانتخابات. ويتم تقسيم جوائز التمثيل إلي أربعة جوائز لأحسن ممثلة وأحسن ممثل في دورين رئيسيين وأحسن ممثلة وأحسن ممثل في دورين مساعدين، رغم أن الجميع يمارسون نفس الفن، وهو فن التمثيل، وهي التفرقة الوحيدة بين النساء والرجال في كل الجوائز، فلا توجد جائزة لأحسن مخرجة أو أحسن مديرة تصوير وهكذا. ووراء تقسيم جوائز التمثيل إلي أربعة نظام النجوم في ستديوهات هوليود الذي فرض هذه التفرقة، وأصبحت قاعدة. ولم يقتصر تأثير الأوسكار في العالم علي تبني مسميات الجوائز والمفاهيم التي تعبر عنها، وإنما تم إنشاء أكاديميات بنفس النظام في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول.