رئيس الوزراء يؤكد موقف مصر الراسخ لدعم القضية الفلسطينية    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 23 يوليو 2025    ترامب: سأتخلى عن الرسوم الجمركية في هذه الحالة    إعلام إسرائيلي: حماس تطالب بإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى    الداخلية السورية تنفي عمليات إعدام جماعية بحق موقوفي النظام السابق    هجوم روسي أدى إلى انقطاع الكهرباء عن 220 ألف أوكراني    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    رغبة جارسيا تتحدى عروض الرحيل عن الريال    ليفربول يوقع عقد احتراف مع اللاعب المصري كريم أحمد    بعد الرحيل عن الأهلي.. يحيى عطية الله يقترب من العودة لناديه الأصلي (تفاصيل)    انقلاب ميكروباص وإصابة 10 أشخاص على الطريق السياحي بالجيزة    وكيل تعليم سوهاج يناقش أهم المقترحات للانتهاء من الفترة المسائية بمدارس المحافظة    تجديد الثقة في تامر سمير رئيسا لجامعة بنها الأهلية والمغربي والدش وشكل نوابا حتى 2026    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    «نوستالجيا» أيامنا الحلوة.. فن إحياء الماضي في الأوبرا    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    113 شهيدًا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    طرح الإعلان الرسمي لفيلم Giant بطولة أمير المصري    مؤشرات تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي في كل المحافظات    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    الأسد من المشاهير والحمل قائد المشاريع.. كيف يتعامل مواليد كل برج مع الحياة الجامعية؟    حقق إيرادات 51 مليون جنيه في 21 يوم.. أحدث أفلام أحمد السقا في السينمات (تفاصيل)    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    عرضان برتغالي ومصري.. الأهلي يستقر على إعارة لاعبه    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة ويشيد بالتقدم المحقق    برلماني: "23 يوليو" نقطة تحول لبناء دولة العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني    اللون الأخضر يكسو مؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم    محافظ الغربية يتابع أعمال إصلاح كورنيش طنطا: نتحرك بخطوات مدروسة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    ماذا يحدث للجسم عند تناول الحمص يوميا؟    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    وزيرا الأوقاف والتربية والتعليم يوقعان بروتوكول تعاون لإطلاق حضانات تعليمية بالمساجد    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    السيسي: مصر دار الأمن والاستقرار ولدينا 10 ملايين شخص من بلاد كثيرة    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    وزير الخارجية يُسلِّم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى رئيس بوركينا فاسو    وفاة 4 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة بين عائلتين بقنا    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما العربية بين الرؤية والرواية
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 04 - 2016

أعدّ نفسي من عشاق السينما إضافة إلى الكتب والموسيقى وبقية الفنون الأخرى، كغيري ممن اختاروا عالم الجمال والفن والطبيعة كعوالم بديلة أو موازية لعالم الإنسان الذي كثيراً ما يضج بالقبح والشر، ولذا ففي كل أسبوع أشاهد فيلماً أو اثنين على أقل تقدير.
تبهرني السينما فعلاً، الفيلم الذي يجعل الصورة فكرة، أو الفكرة صورة، هذا الفن الذي يشحذ المخيلة، وينمّي الوعي، ويقدم رسائله العميقة والبسيطة في آن، لجمهور الشاشة الكبيرة بمختلف أعمارهم، وأفكارهم ومشاربهم، وأحلامهم ومستوياتهم المعرفية، فهو ليس حكراً على أحد، أو على طبقة ثقافية ما.
هذا فن يستطيع أن يقدّم كل شيء في الكون والمجتمع وعبر التاريخ أو الجغرافيا بجمالية الصورة المتحركة، ودهشة الحكاية والصنعة الفنية، كما يستطيع أن يجسّد حضور الإنسان في الحياة في كل حالاته من ضعف وقوة، وجمال وقبح، وصحة ومرض، بل في حضوره وغيابه، حيث أن المخيلة الإنسانية الجبارة لم تقف عند حد ما، فصورت السينما ما بعد الموت، وما وراء الزمن أو في حالة توقفه، كما في الكثير من الأفلام الخيالية أو العلمية أو أفلام الرعب وال»أكشن» وغيرها.
وتشهد الصناعة السينمائية العالمية اليوم تقدماً فنياً على المستويات كافة، من حيث الرؤية التي تتناول الكون وما وراءه، والتقنية، والموضوعات التي يتم تقديمها عبر المادة، «النص»، حيث تسعى السينما العالمية لحفر مكنونات الفكر الإنساني، لتقديم أعظم الروايات العالمية للمشاهد المعاصر ليتعرّف على هذه الروائع، ويتذوق جمالها النصي عبر اللغة الصورية، إضافة إلى تقديم حياة أهم الشخصيات التي عبرت هذا الكون وأثّرت فيه من علماء وفنانين ومخترعين وكتاب وبسطاء ومناضلين.
فدور السينما هو الارتقاء بالإنسان وبذوقه ومعرفته وإنسانيته عبر تقديم الروائع الفنية والأدبية والإنسانية بصورة قريبة ومتاحة، لتصل إلى عمق وجدانه، وتسهم في تغيير أفكاره وأحلامه وممارساته المعيشية والارتقاء بها. إنها ببساطة محاكاة للحياة عبر تقديم نماذج إنسانية (في الخير أو الشر) وأفكار خلاقة، تجعل للحياة معنى، وللفن دوراً في صناعة الإنسان وبناء فكره ووعيه وذوقه، ولذا لم يعد مستغرباً، بل أصبحت شبه «موضة سينمائية جارفة» أن تجد عبارة «الفيلم عن رواية كذا»، أو "هذا الفيلم عن قصة واقعية".
وليست السينما الغربية (بتنوع بيئاتها وإنسانها الأوروبي والأمريكي، والأسود والأبيض والملون) وبتنوع أفكارها وقضاياها، هي التي تأخذنا مباشرة للحديث عنها أو الإشادة بها فقط، أو اتخاذها نموذجاً وإن كانت الأكثر حضوراً وتميزاً وعناية بهذا الفن، والأكثر وصولاً للمشاهد العربي للأسف. إلا أن العالم كله أصبح يدرك أن صناعة السينما هي صناعة ثقافية من الدرجة الأولى، وهي صناعة الإنسان أولاً وأخيراً، فالسينما الإيرانية مثلاً تمثل حالة سينمائية إنسانية رائعة بكل المستويات الفنية والنصية، والسينما الهندية تذهب كل يوم بكل طاقتها لصناعة فنية راقية، وبالطبع هذا ينطبق على سينما كل العالم.
ولكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن السينما العربية التي ندرك جميعاً أنها تعاني الكثير من المعوقات أمام صناعة سينما حقيقية، ليس آخرها المال الذي تحتاجه هذه الصناعة، وليس أهمها عدم وجود معاهد مستقلة لتأهيل صناع السينما وغيرها من المعوقات. كما أن الحديث هنا ليس نقداً سينمائياً متخصصاً، بقدر ما هو نقد ثقافي وإنساني لفن ينمو ويسهم في صناعة الإنسان في كل أنحاء العالم، والإنسان العربي يحتاجه اليوم بقوة أكثر من أي وقت مضى.
فالسينما العربية تحاول جاهدة، ومنذ عقود طويلة الوصول إلى صناعة سينمائية محترفة حقيقية وجادة، إلا أنها للأسف ما تزال تراوح مكانها، بل لعلها تراجعت كثيراً في بعض المجالات والتقنيات في زمننا هذا. فالفيلم العربي ما زال بعيداً عن التقدم العالمي في هذا الميدان، وإن حضر كان بحياء أو بعدم احترافية وفي المهرجانات السينمائية. كما أنه (غالباً) لا يسعى لتلمّس روح الإنسان الحقيقي بكل تشكلاته وتمظهراته الداخلية والخارجية، والتعبير عن قلقه الوجودي، وأوجاعه الإنسانية. فهو بعيد عن هموم الإنسان اليومية، ومكابدات الحضور الفعلي في حياة ليس عادلة أبداً، ويحتاج الإنسان إلى يد الفنون لتأخذ بروحه الحائرة، وإلى بوصلة الجمال الذي يمكن للسينما أن تلعب فيه دوراً كبيراً ومؤثراً. فما تزال السينما العربية من حيث المعالجة تركز على إثارة الشهوات عبر حكايات ساذجة تُدَس عبرها مشاهد جنسية مفبركة، ليصبح «الجنس» هو الشكل الأساسي أو المبتغى من العلاقة الإنسانية، مشوِّهة بذلك الكثير من قيم الحب والإنسان معاً؛ ومتجاهلة (غالباً) كل أشكال العلاقات الإنسانية الأخرى كالأخوة والأبوة والحب العظيم والعجزة والمعاقين والأطفال أو ربما تناولتها بشكل خجل أو مشوّه وبسيط.
وللأسف إنحازت السينما العربية مؤخراً إلى نشرات الأخبار، والعنف المؤدلج، والسياسي، في تناولها لحكايات الإنسان، فجاءت الأفلام الجديدة صوراً فنية لمشاهد توثيقية للعنف العربي الذي نعيشه من الماء للماء، وفي الحقيقة نحن بحاجة إلى الذهاب بعيداً عنه، ومحاربته بكل الممكنات الجمالية، أكثر من توثيقه وتأصيله في الفن.
فهل علينا أن نواجه هذا القبح والتوحش بتعريته أكثر؟ أم بتقديم نماذج جمالية مضادة تمثل حالة اقتداء واحتماء للوعي المجروح والأرواح المتشظية؟ وكم نحتاج من الوقت لصناعة نماذج جمالية فنية وفكرية تأخذ بيد الإنسان العربي نحو السواء، وتجعله يطمئن إلى أن القبح والشر هما مجرد حالات شاذة في السواء الإنساني الأعم؟
أين نحن اليوم من الفنون التي هي جوهر وجودنا على هذه الأرض؟ أين الثقافة العربية من السينما كفعل تغييري وتنويري، وأين تقف صناعتنا السينمائية من الفن السابع الذي يتقدم اليوم في العالم أجمع بقوة ليصبح الفن الأول، فن الرؤية العظيمة، والتأويلات البعيدة، ليأخذ من الشعر والموسيقا والمسرح مباهجها، ومن الروايات الخالدة أكثر جمالا وعمقا وحساسية ويتقمّصها ويصنعها؟ فأين نحن من ذلك كله، بل أين الفنون البصرية المتداخلة في السينما العربية؟ أين السينما الشعرية؟
أين روح الحكاية العربية، الشعبية والأسطورية التي برعنا فيها طويلاً وكثيراً؟ أين أساطيرنا وتاريخنا وتراثنا الشفهي والسردي العربي؟ أين أبو زيد الهلالي وعنترة بلا عنتريات؟ لِمَ لم ننزل بجماليات سردياتنا العظيمة من صهوة التاريخ إلى حاضر السينما؟ أين ليلى والمجنون وكثير وعزة ؟ لِمَ اتسع السرير، وضاق التفكير؟
وأين الروايات العربية الخالدة، والعالم يحوّل روائع القرن العشرين إلى أفلام، في حين أننا نتجاهل انتاجنا الروائي الكبير والضخم على مر قرون طويلة، ونتركه يتلمس كالأعمى الجوائز الساذجة للحصول على شرعية حضور؟
ولماذا اكتفى صناع السينما العربية باللهاث والتهافت وراء المهرجانات السينمائية العالمية سعياً وراء البريق والشهرة والجوائز؟ لماذا يُتجاهَل الإنسان الذي لا يستطيع حضور المهرجانات، ولكنه يستطيع أن يوفر ثمن شراء فيلم من أقرب بقالة لبيته؟ أو يؤجره من أقرب محل؟ وهو بالتالي لا يريد أن يشاهد بريق المهرجانات الكاذب، والسجادة الحمراء، والأجساد المدهونة بالعسل والمربى، بل يريد أن يرى قصة إنسانية تجلي همومه اليومية، وتسعف أحلامه الصغيرة متجسدة في فيلم، يريد صوت أمه وهي تغني في الحقل والدكان والمطبخ، ورائحة الخبز والشاي تغمر الأرجاء بشعرية عالية، في أقرب دار سينما من بيته أو حتى في البلدة المجاورة نهاية الأسبوع.
وكلنا نريد ذلك، نريد تجسيد واقعنا وحيواتنا عبر الفن أجمل وأصدق معاً، نريد صور الحرب التي تقول لا للحرب، نريد حلولاً تتصاعد بالخيال نحو الجمال، نريد صور الحب الحقيقي، في الحارة والشارع والجامعة، وليس الحب الجاهز أو المصنوع بين ابن الباشا والفتاة الفقيرة، أو بين الفتى العبقري والساذجة الغنية. هذا يكفي، لقد مللنا هذه الترهات، كما مللنا أدوار الموت والخراب وعجرفة العسكر، نريد أن ننتصر في الحكاية.
نريد فتى وسيماً يسحق العسكري المتعجرف ببزته تحت حذائه، ويموت ليحررنا بموته، وينتصر حذاء رجل الشارع على حذاء العسكر، نريد الفتى الاشتراكي يضع عمامة رجل الدين المنافق تحت قدمه وهو يقرأ قصيدة لمحمد الماغوط بعد أن يفحمه بالحجج والبراهين، فنضحك لخجل الثاني، وهو يركض متلبساً بالخزي نحو بيته خائفا وخجلا وبائسا، فنتحرر في الفيلم من عمامة الزيف، وننتصر للشعر. نريد أن يرقص الجميع في آخر الفيلم، بدل أن يموتوا. نريد أن تغني الأمهات مع رائحة القهوة والخبز كلمات محمود درويش بصوت مارسيل خليفة: «أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي». نريد أن ننحاز إلى الجمال في عالمنا، بعيداً عن عقدة الذنب، وتعقيدات الحب، وبعيداً جداً عن تشدد السياسة والدين، والكذب والنفاق اللذين خلفاهما. نريد أن نبكي ونضحك لا حزناً ولا فرحاً، كما قالت فيروز ، كلما شاهدنا فيلماً عربياً يحكينا ويحاكينا. نريد أن نلتحم ببشريتنا، ونصدّر للعالم حقيقتنا التي لم تشوهها السياسة والدين.فهل يتحقق لنا ذلك عبر الفن السابع؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.